خاص : كتبت – هانم التمساح :
لا يزال ملف تعيين رئيس الوزراء في “العراق” هو التحدي الأكبر في نضال المتظاهرين ضد النفوذ الإيراني، فرغم مقتل قائد (فيلق القدس)، بـ”الحرس الثوري”، “قاسم سليماني”، بضربة أميركية، تُصر “طهران”، عبر وكلائها؛ على تعيين رجل يدين بالولاء لنظامها. ودخل “حزب الله” اللبناني على خط محاولات الدفع بترشيح شخصية عراقية تُخلف رئيس الوزراء المستقيل، “عادل عبدالمهدي”؛ عن طريق الشيخ، “محمد كوثراني”، القيادي بـ”حزب الله”، والذي كان يرافق “قاسم سليماني” كظله في تحركاته بـ”العراق”؛ لدرجة أنه أشيع خبر مقتله في نفس العملية التي قُتل خلالها “سليماني”، لكن تأكد فيما بعد أنه حي يُرزق ويُمارس نفس دور “سليماني” بـ”العراق”.
الذراع الأيمن لـ”سليماني” في العراق..
وقبيل مقتل “قاسم سليماني”؛ كان مسؤول ملف “العراق” في “حزب الله” اللبناني، “محمد كوثراني”، يحاول بدعم “سليماني”؛ تمرير مرشح لخلافة رئيس الوزراء المستقيل، “عادل عبدالمهدي”. وكانا شبه متواجدين بصفة دائمة في “بغداد”؛ منذ إندلاع موجة الغضب ضد “طهران” والحكومة للدفع بإتجاه ترشيح إحدى الشخصيات لخلافة “عبدالمهدي”، وكان “كوثراني” يلعب أيضًا دورًا كبيرًا في مسألة إقناع القوى السياسية من شيعة وسُنة في هذا الإتجاه.. وكانا يعملان على دعم الميليشيات العراقية التابعة لـ”إيران”، والتي اتهمت بقتل المتظاهرين.
و”كوثراني”؛ واحد من القيادات البارزة التي تعمل عن قرب مع قائد (فيلق القدس) الإيراني، “قاسم سليماني”، وقيادات أخرى من أجل الحفاظ على هيمنة “طهران” في “العراق”، والتي تهددها ثورة الغاضبين، خاصة في مدن الجنوب.
قمع التظاهرات ودعم الميليشيات..
وقُتل مئات العراقيين وأصيب عشرات الآلاف بجروح؛ جراء استخدام القوات الأمنية ومسلحون، تابعون للميليشيات، الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، فيما استهدفت الميليشيات الموالية لـ”إيران” الناشطين بالقتل.
وعاد اسم “الشيخ” اللبناني، “محمد كوثراني”، أحد المسؤولين في “حزب الله”، إلى الأضواء من جديد ليرتبط بجهود “إيران” وميليشياتها في قمع وإخماد الانتفاضة الشعبية التي يشهدها “العراق”.
كما تدخل “كوثراني”، في أيار/مايو 2018، لرأب الصدع ما بين فصائل وقادة في (الحشد الشعبي) في “العراق”، وفق تقارير إعلامية، إذ إحتدمت في وقتها الخلافات ما بين “الحشد الولائي”، التابعين لـ”إيران”، وآخرين يتبعون المرجع “علي السيستاني” و(التيار الصدري).
وأشارت تقارير إلى أن مستشارين يعملون بتوجيهات من “الكوثراني”، بالتنسيق مع قادة (الحشد الشعبي)، للتصدي لتظاهرات “العراق” وإحباط مطالب العراقيين الغاضبين من الطبقة السياسية، ناهيك عن “تنسيق دور (حزب الله) لتوفير التدريب والتمويل والدعم السياسي واللوجيستي للجماعات المتمردة الشيعية العراقية”.
ويحمل “كوثراني” الجنسيتين، اللبنانية والعراقية، ومسجل لدى السلطات الرسمية تحت اسمي، “محمد كوثراني” و”جعفر الكوثراني”، ولديه قيود رسمية بتواريخ ميلاد في أعوام: 1945 و1959 و1961، بحسب بيانات “وزارة الخزانة الأميركية”، والتي أفادت بأنه مولود في مدينة “النجف”، بـ”العراق”.
يقوم بدور “سليماني” بين العراق وحزب الله..
ويعتقد محللون سياسيون عراقيون؛ أن ما قامت به “واشنطن” من قتل “سليماني” ليس كافيًا من أجل ضمان عدم تدخل “طهران” في شؤون “بغداد”، إذ أن غياب “سليماني” لا يعني غياب التدخلات الإيرانية، حيث سيُمارس هذا الدور بواسطة “كوثراني”، وعراقيون موالون لـ”إيران”، مثل “نور المالكي” و”هادي العامري” و”قيس الخزعلي” وغيرهم؛ لضمان تعيين رئيس وزراء موالٍ لـ”طهران”.
ويُعد “كوثراني” أحد أذرع “حزب الله” السياسية والعسكرية في آن معًا، ما دفع “الولايات المتحدة” إلى فرض عقوبات عليه من قِبل “وزارة الخزانة الأميركية”، في آب/أغسطس 2013.
كما أن لديه ما يؤهله للقيام بهذا الدور جيدًا؛ فقد قام بدعم متمردين في “العراق” وتقديم دعم مالي لـ”فصائل” مختلفة في “اليمن”، ولـ”قادة عسكريين مسؤولين عن أعمال إرهابية” في دول من بينها: “مصر والأردن والعراق وقبرص”، وفق “وزارة الخزانة الأميركية”.
وكان “كوثراني” مسؤولًا مباشرًا عن العديد من الهجمات ضد قوات التحالف في “العراق”، بما في ذلك التخطيط لهجوم كانون ثان/يناير 2007، على “مركز تنسيق محافظة كربلاء” المشترك، والذي أسفر عن مقتل خمسة جنود أميركيين، إضافة إلى دوره في إرسال مقاتلين إلى “سوريا” لدعم “نظام الأسد”، وفق الوزارة.
و”كوثراني” متورط أيضًا في عمليات الاستثمار بأموال “حزب الله” لتهريب الأسلحة بين “العراق” و”إيران”، وكان من بين أربعة شخصيات، (عراقيان ولبناني وسوري)، مسؤولون عن عمليات تهريب السلاح للميليشيات العراقية عبر الحدود “الإيرانية-العراقية”.
وساهم “كوثراني” بشكل أساس في دفع الحكومة العراقية للإفراج عن “علي موسى دقدوق”، من السجون العراقية، وهو أحد قادة “حزب الله” ومستشار لزعيم (عصائب أهل الحق)، “قيس الخزعلي”، ومن الذين وضعتهم “وزارة الخزانة” الأميركية ضمن قائمة الإرهاب، منذ 2012، وفق تقارير إعلامية.
وتعتقد الطبقة الحاكمة في “العراق”، أن الضربة الأميركية التي قتلت “سليماني”، قرار أميركي بإنهاء حقبة نظام 2003، لذلك كانت ردة الفعل هستيرية ولا تختلف عن إنفعالية وغضب الميليشيات مثل إلغاء اتفاقيات التعاون الأمنية والعسكرية، والدعوة لطرد القوات الأميركية.
السعودية تفرض عقوبات.. وأميركا تضعه ضمن قوائم الإرهاب..
وفرضت “السعودية”، على “كوثراني” وآخرين من “حزب الله”، عقوبات عام 2015؛ بدعوى إرتكابه جرائم الإرهاب وتمويله، إذ تم تجميد أية أصول لهم أو من يعمل معهم أو يمثلهم ويحظر على المواطنين السعوديين التعامل معهم، وفق وكالة الأنباء السعودية.
وضمت القائمة السعودية، بالإضافة إلى “الكوثراني”، كلًا من “علي موسى دقدوق” و”محمد يوسف أحمد منصور” و”أدهم طباجه”.
وتُعتبر “واشنطن”، “كوثراني”، إرهابيًا وتضعه ضمن قائمة المطلوبين حيًا أو ميتًا، وهو ما دفع البعض للتخمين بمقتله ضمن عملية استهداف “سليماني”، وترى فيه، “واشنطن”، مسؤولًا عن تدريب الميليشيات العراقية على يد “حزب الله” اللبناني، وتحت عنوان: “قانون الكونغرس الأميركي (بمجلسيه) لفرض الحظر على وكلاء إيران في المنطقة خلال عام 2017″، قال “الكونغرس”، في تقرير على موقعه الإلكتروني، إن (النجباء) تتلقى التسليح والتدريب من (فيلق القدس) الإيراني، والاستشارة من جماعة “حزب الله” اللبنانية الموالية لـ”طهران”.
وأضاف “الكونغرس” أن حركة “(النجباء) أوفدت مقاتليها إلى سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد، ومن ضمن عملياتها هي محاصرة مدينة حلب، (شمالي سوريا)، سنة 2016”.
وكان تقرير أعده الدبلوماسي الأميركي السابق، “دينيس روس” و”دانا سترول”، من معهد “واشنطن”؛ نشرته مجلة (فورين بوليسي)؛ قد دعا “الولايات المتحدة” إلى التركيز على ما يمكن لـ”واشنطن” أن تقدمه لمنطقة الشرق الأوسط، وبما يميزها عن الأطراف الأخرى بأن تتبنى مطالب الشارع.
وأشار إلى أن اسم “إيران” يرتبط بفساد الزعماء في “العراق” و”لبنان”، بحيث أصبح الفساد علامة تجارية لنظام “خامنئي”، فحيثما حل الفساد في هذه الدول حلت “إيران” أيضًا، فيما يُشكل هذا الأمر فرصة لـ”الولايات المتحدة” من أجل حشد جهودها في دعم مطالب المواطنين الذين يتظاهرون بالشوارع – وهو ما يرفضه المتظاهرون الذين ينددون بالتدخل الإيراني والأميركي معًا ويطالبون بوطن مستقل قوي.
وذهب التقرير إلى أن الإدارة الأميركية مطالبة بحشد الدعم اللازم من الحزبين، “الجمهوري” و”الديمقراطي”، في “الكونغرس” لإتمام هذا الأمر وإجراء تحول أساسي في سياستها من أجل استقرار منطقة الشرق الأوسط.
وذكر أنه يجب تعزيز الشراكات مع دول المنطقة من خلال اتفاقيات من خلال “الكونغرس” ترتبط بجداول زمنية، وذلك بهدف إرسال إشارة هامة للمنطقة بعيدًا عن التقلبات الحادة والرسائل المختلطة من الإدارة الأميركية.
ودعت المقترحات إلى عدم إغفال المطالبات الشعبية في كلا البلدين، وربط الدعم والإصلاح بتحقيق هذه المطالبات، وتكثيف الدعم المخصص للوزارات المدنية، وما يمكن أن يعزز من هذا الأمر وجود خبرة كافية لدى الأجهزة الأميركية في التعامل مع مساعدات من هذا النوع؛ وتقديم الخبرة الفنية فيها أيضًا، وهو ما لا تستطيع “إيران” توفيره في “لبنان” أو “العراق”.
وأكد التقرير أن “الولايات المتحدة” لديها فرصة سانحة لتقديم ما لا تستطيع “إيران” تقديمه، وذلك بإستشعار الرغبة بالتغيير التي يقودها الشعبان في “العراق” و”لبنان”، والتي ربما لن تستقر الأوضاع في هذه الدول من دون أن يحصل تغيير حقيقي فيها.
ويطالب المتظاهرون، في “بغداد” ومدن جنوبية، منذ الأول من تشرين أول/أكتوبر 2019، بـ”إسقاط النظام” وتغيير الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ 16 عامًا، ويتهمها المتظاهرون بالفساد والفشل في إدارة البلاد.
وقُتل أكثر من مئات العراقيين وأصيب عشرات الآلاف بجروح جراء استخدام القوات الأمنية ومسلحون، تابعون للميليشيات، الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، فيما استهدفت الميليشيات الموالية لـ”إيران” الناشطين بالقتل.