خاص: حاورته- سماح عادل
“نديم الوزه” شاعر وناقد وروائي سوري، اهتم بمسرح “سعد الله ونوس” في كتابه “الوعي وبناؤه في مسرح سعد اللّه ونوس”. من كتبه “وجه لا يبقى كصورته ” و”الطوفان” و “خارج الجحيم” و”جمجمة تغلي” و”وجه صوفي” ورواية “شهوة الآنسة صوفي”.
إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
- لم أجرّب الكتابة حتى نهاية المرحلة الإعدادية لشغفي بكرة القدم. حينها كتبت عدّة نصوص هي مزيج من الرغبة بكتابة القصة وأسلوب الكتابة الحرّة. ومع أنّ جاري في دمشق، القابون القاص “محمود عبد الواحد” نبّهني إلى أنّ القصّة تحتاج إلى الحكاية أكثر من السرد البلاغي. لاقت هذه النصوص ترحيباً رائعاً من البرنامج الإذاعي (أقلام واعدة) الذي كان يعدّه ويقدّمه الأستاذ “عدنان شيخو” آنذاك،عام 1982 على ما أذكر، وذلك لجرأتها وغرائبية طرحها في ذلك الوقت، فقصّة “المراهق” مثلاً كانت تتحدّث عن ممارستي للعادة السرية وبداية تدخيني للتبغ.
تعلّمت في المرحلة الثانوية عروض الشعر وأوزانه، ونظمت الكثير من القصائد إلى أن سخر أحد المدرسين من السريالية بالقول:”السريالية شيء مضحك، ترسم خطين وبينهما دائرة، وتسمي ذلك لوحة بعنوان الأم وابنتاها” لولا أنّني تأثّرت بهذه اللوحة الساخرة بشكل جدّي، فكتبت قصيدة نثرية ما زلت أحفظها حتى الآن على غير ما هو الحال مع جميع قصائدي: “السماء الزرقاء والبحر الأزرق وزرقة عينيك اتساعٌ أزرق كريستاليّ تائه بين ظلاله\ بيدي الرقيقة ودمي الصلب أرسم لوحةً سريالية: خطاً إلى السماء وخطاً إلى البحر وقلبي إلى عينيك”.
بعد ذلك وجدت كتابة قصيدة النثر أكثر سهولة والتقاطاً لحكايات حياتي الصادقة فانحزت إلى كتابتها مع بعض القصائد ذات الأسلوب السردي من شعر التفعيلة. وانتبهت إلى أنّ الحكاية مثلما هي متوفرة في السرد القصصي هي متوفرة في السرد الشعري، وحتى في الفلسفة فما الذي يميّز بين حكاية وأخرى شكلاً ومضموناً؟ طبعاً لم يكن لدى محمود عبد الواحد جواباً، ولم يكن لدى غيره من النقاد جواباً على هذا السؤال أو على غيره من الأسئلة الأكثر أهمية. فكان عليّ البحث عنها لتبدأ رحلتي النقدية مع بداية العشرينيات من عمري.
(كتابات) يعبر كتاب “وجه لا يبقى كصورته “عن الوحدة والخواء والشعور باللاجدوى.. حدثنا عنه؟
- أحبّ هذا الكتاب ليس لأنه يعبّر عما قلت فقط، وإنما لأنّني كُتبته للتخلّص من كلّ ذلك. أعتقد أنّه يكتنز صراخاً صامتاً وتأملات وجودية في الواقع والشعر وقد انفجر في كتبي اللاحقة: (خارج الجحيم وجمجمة تغلي وحكاية صوفي). ولا سيما أنّني تخلّصت في هذا الكتاب من صدى الآخرين وإن كان يبدو هذا الصدى باهتاً ومتجاوزاً كما هو الحال في كتابي (قصائد) الذي حاولت من خلال قصائده القليلة نقد الحداثة العربية رؤيوياً وجمالياً. وقد أفاد ذلك بعض الشعراء الكبار على ما لاحظت في تجدّد خطابهم بداية القرن الواحد والعشرين.
(كتابات) قلت:
هنالكَ من يحرقونَ بساتينَ أرضي/ وغاباتِ أرضي لجعلِ حياتي/ غباراً رمادا/ ويمكنُ أن أتجاوزَ ذلكَ.. أن أتحرّرَ منهُ،/فأصبرَ.. لولا اللصوصُ يريدونَ حكمَ البلادِ/ ليصبحَ ما يفعلونَ بشَرعِ العدالةِ عرفاً/ وعادَهْ”.. هل قصائدك عن الوطن لتسجيل موقف رافض للظلم؟
- رفض الظلم موقف إنساني. أما العلاقة بالوطن فهي مركّبة من علاقة عاطفية وبيولوجية ومعرفية. من المؤسف أن يكتشف المرء ولو متأخّراً أنّ بلاده لم ترق بعد إلى مفهوم الوطن بالمعنى الحديث المعاش في البلدان الحضارية. ومع ذلك لا أرى مبرّراً لترك وطني للظلم لكي أهاجر إلى أوطان عانت شعوبها أضعاف مضاعفة مما نعانيه حتى صارت على ما هي عليه من تقدّم وعلاقات إنسانية تحكمها قوانين أكثر انتصاراً لحرية الإنسان وعيشه الرغيد. بهذا المعنى تنتمي قصائدي للوطن وجماله من جهة وتنقد ما يعيقه من التحضّر الحقيقي الحديث والمعاصر من جهة أخرى.
(كتابات) كيف هي صورة المرأة في شعرك؟
- في البداية غالباً ما كان شعري يعبّر عن علاقة مقطوعة مع المرأة، بسبب الحظر الذي تمارسه مجتمعاتنا على التواصل بين الجنسين، فحتى الآن تفصل المدارس بين الذكور والإناث منذ المرحلة الإعدادية. بينما أنا لا أستطيع أن أشبع من جسد المرأة باعتباره هدفاً لشهوتي الجنسية، ولا من طاقتها الإيجابية باعتبارها أُمّاً بالفطرة. أَمّا كون المرأة إنساناً مساوياً للرجل في قدراته العقلية والعملية فهذا شيء بديهي بالنسبة لي وأستطيع التعايش معها كزميلة عمل وصديقة بعيداً عن شهوتي وعاطفتي ولا سيما إذا ما كانت لا ترغب بغير بذلك.
(كتابات) تصدر المجلة الالكترونية “أوغاريت” التي تعنى بالشعر بشكل خاص.. حدثنا عنها؟
- توقفت هذه المجلّة منذ تسع سنوات تقريباً، مع بداية تردي الأوضاع الاقتصادية في سوريا بسبب عجزي عن دفع إيجارها السنوي. وقد أصدرتها لإتاحة المجال للنصوص الإبداعية التي لا تجرؤ المجلات الرسمية وشبه الرسمية على نشرها. وما لاحظته أنّ هذه النصوص الجريئة لم تكن متوفّرة بكثرة. إنها تجربة مجنونة فقد بذلت كلّ إمكاناتي المالية المحدودة جداً من أجلها. وأصدرت أربعين عدداً وطبعت خمسين نسخة ورقية من كل عدد على طابعات مكتبية، أحتفظ بشيء منها. ولكن لا أظنّ أنّني سأعاود التجربة أو ليس على النحو الذي جرّبته في مجلّة “أوغاريت”.
(كتابات) احكي لنا عن رواية “شهوة الآنسة صوفي”؟
- هذا سؤال صعب بالنسبة لي. هي بالمجمل تحكي عن شيء مختلف عما عشته في روايتي الشعرية (حكاية صوفي) فتلك الحكاية تتحدّث عن الزمن الإقطاعي وانهياره والبحث عن أفق حداثي. بينما رواية (شهوة الآنسة صوفي) تقارب حياتي ما بعد الحداثية في إحدى ضواحي اللاذقية، من أفق إنساني ينتصر لحرية الإنسان وحقّه في العيش السعيد والكريم بين رجل وامرأة يقيمان علاقة جادة ربما تفضي إلى الزواج، غير خاضعة للاستبداد الاجتماعي وتقاليده الحمقاء، ولا تتاجر بالإباحية بقدر عيشها بسلام ومجانية بعيداً عن الفظاظة والعنف.
(كتابات) قلت في كتاب “الوعي وبناؤه في مسرح سعد اللّه ونوس”: “سعد اللّه ونوس أول مبدع عربي حاول ابتكار مسرح غير مسبوق برؤاه الجمالية والفكرية”.. ما هي مميزات مسرح سعد الله ونوس؟
- أهمّ شيء يمتاز به مسرح سعد الله ونوس أنه ينتمي إلى تاريخ الأدب وليس مسطحاً ويفتقد للجمال اللغوي كما هو حال المسرح الشفوي، بل على النقيض من ذلك يعمل سعد الله على تحويل الثقافة الشفوية إلى إبداع أدبي من الطراز الرفيع كما في مسرحيته (مغامرة رأس المملوك جابر). فتردّي اللغة الأدبية في عصر المماليك لم تغري سعد الله بمجاراتها بل أخضعها للغته المبدعة ليرتقي بها إلى مستوى عبقريته، وهذا بحث ينبغي أن أضيفه إلى كتابي في طبعته الثانية.
والشيء الذي لا يقلّ أهميّة أنّ سعد الله يحاور المسرح الأوربي بأرقى تجلياته ليبدع مسرحاً عربياً وهذا ما تحقّق في معظم مسرحياته حتى الأولى منها. ما هو أساسي في شغل سعد الله هو الانتقال من المسرح السياسي إلى تسييس المسرح. لأنّ المواطن العربي لا يعرف ما هي السياسة في كونها الديمقراطي، لذلك عمل سعد الله على تسييس المشاهد أو القارئ لمسرحياته أما كيف فعل ذلك؟ فينبغي قراءة الكتاب لأنّني لا أستطيع تلخيصه هنا.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في سوريا؟
- لم تكن الثقافة في سوريا بخير في يوم من الأيام وإلا لما حصل لنا ما حصل. وهذا له أسبابه الكثيرة أهمها سيطرة الإيديولوجيا السياسية والدينية على العقل السوري بما يجعل تفكيره قطيعياً ويخاف من التفكير بما هو جديد ومبدع. ما يمكن ملاحظته من سوء زائد هو تفشي الثقافة الشفوية مع سيطرة الجهلة حتى المتعلمين منهم على مراكز القرار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي العام والخاص. وهؤلاء يناسبهم الثقافة الربحية والانتشار السريع للدراما والأغاني المبتذلة، أو الثقافة الدينية، ويلاحظ الانتشار الواسع للألعاب الالكترونية والفذلكة على وسائل الاتصال الاجتماعي.
(كتابات) هل لديك مشروع نقدي.. وما هي مواصفاته؟
- أصدرت حتى الآن أربع كتب نقدية مشروعها تجاوز الحداثة الفاشلة والتطلّع إلى أفق ما بعد حداثي. والمشكلة أن ما بعد الحداثة مصطلح غير متفق عليه حتى في الغرب. وهو يحتاج إلى تحديد أوضح من قبلي، وإزالة ما هو زائف عنه ولاسيما ربطه بشريحة المحافظين الجدد التي اتخذت لنفسها تسمية النيوليبرالية زوراً وتزييفاً لتاريخ الليبرالية.
(كتابات) هل أنت راض عن حال الشعر العربي في الوقت الحالي .. ولمَ؟
- حال الثقافة العربية لا يختلف عن حاله في سوريا. فالوضع مأساوي على كافة الأصعدة. إضافة إلى أنّ العقل العربي استبدادي لا يقبل التنوّع والاختلاف. وحال الشعر يزداد سوء مع انتشار الزجل المحكي لأسباب ذكرتها في حال الثقافة السورية. كذلك على شعراء قصيدة النثر أن يكفوا عن اعتبارها الشكل النهائي للشعر وهم لا يقرؤون حتى قصائد بعضهم. بينما آخر شاعر عربي معترف به كان “محمود درويش” وهو يكتب قصيدة التفعيلة.
https://www.youtube.com/watch?v=cnH361CQVlg
https://www.youtube.com/watch?v=zjV3bWDZhtM