التهنئة وحدها لا تكفي منا لإخوتنا الثائرين في مصر ، بعد انتصارهم على فوضى الاسلامويين ، كما ان وصف هذا الشعب بكل صفات الاجلال لن توفيه حقه ، لما اثبته من وعي وشجاعة وموقف وتكاتف ، فيما لا نستطيع ان نتجاوز هذا المستوى العالي من الوطنية والمهنية والاستقلالية التي تمتعت بها القوات المسلحة والقضاة المصريين ، والدور المحوري الذي لعبه الاعلام المصري ذو الخبرة الكبيرة والمهنية . رغم ان كل ذلك لن يشكل حصانة دائمة لحماية المبادئ التي من اجلها نهض المصريون ، اذا لم يستمر الشعب المصري واعيا حذرا ، ويترك العجلة في بناء مؤسساته ، ويحتكم الى نخب واسعة وعميقة في توفير الاجواء المناسبة لبناء المؤسسات القانونية والتشريعية والتنفيذية للدولة المصرية ، خصوصا مع استمرار المؤامرات الداخلية والخارجية في كل زمان وعلى كل امة حية ، والاهم هو الا يكون الدين عربة يركبها العابرون من النفعيين على جهود شعب متدين نحو المصالح الفئوية والشخصية . كما يجب الانتباه ان سارقي الثورات موجودون ينتظرون فرصة ينتهزونها تحت سيل من الشعارات الفارغة المدغدغة للعواطف .
اعود الى عنوان مقالي ، حيث بدأ يناقش المحب والمبغض داخل وخارج العراق امكانية ان يكون للجيش العراقي ذات الدور الذي قام به الجيش المصري ، لكن على الارض العراقية وعلاجا للازمة العراقية . ولعل ما دفع هؤلاء لطرح مثل هذا الامر للنقاش عوامل واسباب ، اهمها :
1 – التشابه الكبير في تأريخ الجيشين تاريخيا ، من حيث البطولة والبسالة على ساحات المواجهة العربية ، ودورهما المشترك في تخريج نخبة كبيرة من ضباط وقادة الجيوش العربية الاخرى ، وتمثيلهما لشعبين من اكثر الشعوب العربية حيوية واهتماما بالشأن السياسي والفكري .
2 – وجود ازمات سياسية وامنية واقتصادية وخدمية يعاني منها كلا البلدين .
3 – غلبة الاحزاب الاسلامية على السلطة والقرار في البلدين ، مع وضوح التناقض بين افكار هذه الاحزاب وواقع عملها على الارض .
4 – تسبب الاحزاب المتنفذة في البلدين في ضرب السلطات القضائية .
5 – وجود احزاب اسلاموية براغماتية على سدة الحكم ، فيما تتواجد كيانات واحزاب متطرفة تستخدم العنف ضد خصومها وتركب باسم الاسلام منفلتة الضابطة وتفتقر الى العقلية السياسية المعاصرة وشبه خالية من الكفاءات التنموية تعيش على هامش الاحزاب السابقة في مد وجزر معها ، لكنهما معا يشكلان خطرا على الحريات العامة ومسيرة التنمية البشرية والاقتصادية .
6 – وجود ولاءات مشكوك بوطنيتها لكل من هذه الاحزاب والكيانات السابقة في البلدين .
كل ذلك وغيره سمح للمراقبين والمحللين بطرح فكرة ان يقوم الجيش العراقي بمثل ما قام به جيش مصر من دور وطني ، الا ان بعض هؤلاء المحللين يدركون فيما لا يدرك الكثير منهم ان الجيش العراقي ليس شبيها بالجيش المصري من الناحيتين البنائية والعقائدية .
عموما ، ان هذا الطرح هيأ لي باب المناسبة للحديث في موضوعة الجيش العراقي ، ماضيه وحاضره ومسيرته ، عقيدته وبنائه ، ولاءاته ودوره .
ان اهم النقاط التي يمكن ملاحظتها في كل ذلك الآتي :
1 – ان العراق كان قبل الاحتلال البريطاني وتأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921 خاضعا لسلطة الجيش العثماني ، ولا يمتلك وطنيا جيشا بالمعنى النظامي الحديث ، لكنه كان على الارض تحت حماية مجموعة من جيوش الامارات القبلية غير النظامية ، واهمها امارة بني مالك وبني اسد المشتركة التاريخية وحلفائها وكذلك امارة بني لام وحلفائها ، وشمالا تحت تأثير القبائل الكردية والقبائل التركمانية ، وبمرور الزمن وتوسع هجرة القبائل العربية والتركية اليه وبعد تأسيس امارة المنتفك تطورت التحالفات ، لكن لم يتغير الفكر العسكري القبلي ، ويمكن القول ان وسط وجنوب العراق كان يخضع لحكم ذاتي ، وبالتالي لحماية ذات القبائل المتواجدة ، رغم تواجد الكتائب العثمانية المتفرق هنا وهناك ، والتي كانت غالبا تستشعر حالة العداء للقبائل العراقية وجيوشها ، لأسباب مذهبية او قومية . فيما كانت مصر اداريا و عسكريا اكثر استقرارا ، سيما بعد اصلاحات محمد علي باشا وانشائه لدولته الحديثة .
2 – كان الفكر العثماني المذهبي مختلط بالسياسة والادارة وحاكم عليهما ، لذلك لم يتم السماح لقبائل العراق الاصلية الكبرى في الدخول لسلك الضباط ، وتم حصر هذا الامتياز بالقبائل السنية ، والتي كان الكثير منها لازال لا يحس بالانتماء للأرض العراقية ، بسبب هجرته الحديثة اليها .
3 – عند قدوم القوات البريطانية الغازية نحو الاراضي العراقية ظهرت سلبيات ومساوئ الطائفية العسكرية العثمانية ، حيث انقلب الضباط السنة عليها ودخلوا حلفا مع بريطانيا ، فيما افتقدت القبائل الشيعية التي ساندت الجيش العثماني وتبنت مقاومة الاحتلال البريطاني الى التنظيم والتخطيط العسكري الحديث ، لان ابنائها لم يتم السماح لهم بدخول المدارس العسكرية البريطانية . كل ذلك اسهم في تقهقر الجيوش القبلية المقاومة وانهزام الجيش العثماني . واعلن الضباط العرب السنة تأييدهم للوجود البريطاني من خلال جمعيتهم العهد ، التي كان يقيم اعضائها خارج العراق ، بانتظار انتصار القوات البريطانية .
4 – خلقت الحالة الانفصالية المذكورة في النقطة 3 بين العسكر والشعب العراقي اولى بوادر عدم الثقة والعداء ، والتي عملت لاحقا على نشوء الطلاق البائن بين الشعب والجيش .
5 – زاد الطين بلة تسليم بريطانيا حكم العراق الى طائفة واحدة تمثل الاقلية السنية ، فيها الكثير من القبائل حديثة الهجرة الى العراق ، وبالتالي لا تمتلك بعدا وعمقا وطنيين ، وعلى رأسهم ملك العراق نفسه ، ووضعت المؤسسة العسكرية تحت سلطة ذات الضباط الذين خانوا الدولة العثمانية ووقفوا ضد الشعب العراقي ومقاومته ، وهم ضباط جمعية العهد . من هنا كان العداء سيكون حتميا بين الشعب بغالبيته والمؤسسة العسكرية .
6 – ساهم في زيادة الانفصال قيام الحركة الكردية القومية ، والتي رأت ان الاكراد خارج دائرة المكاسب ، حيث تم حصر الادارة والقوة بيد القومية العربية ، في ذات الوقت الذي شاهدت فيه الاغلبية العربية الشيعية انها فوق حرمانها من كل شيء فإنها مستهدفة بصفة ثأرية ، انتقاما لموقفها من الاحتلال البريطاني ومساندتها للدولة العثمانية ، وحينذاك كان العرب السنة قد وجدوا الآلية والدعم الدولي المناسبين ، لنقلهم من اقلية غير عميقة الارتباط بالأرض العراقية ، يعيش اغلب ابنائها حالة البداوة الصحراوية والهجرة بحثا عن القوت في صحارى العراق ونجد والشام ، الى طائفة حاكمة متنفذة ، يمكنها نقل الثروة الجنوبية الى اراضيها ، لاحتكارها ، تحت حماية التاج البريطاني . لذلك كان الجيش هو الاداة المناسبة . في ذات الوقت كان الجيش المصري متجانسا تقريبا ، الى درجة انه بدأ يفكر ويخطط في نقل الحكم من الاقلية المهاجرة لمصر الى الشعب المصري مباشرة .
7 – يضاف الى ما سبق ان هناك اختلافا في البنية الفكرية بين المكونات العراقية ، حيث يمكن الملاحظة بسهولة ان الانسان الشيعي العراقي لا يمكن له ان يفصل بين عقيدته الدينية ونشاطاته الاخرى ، لذلك من الصعب ان يتم تحويله الى اداة طائعة لسلطة سياسية او عسكرية تريد منه ان ينفذ ما يخالف مبادئه ومعتقداته ، واذا حدث واصبح تلك الاداة السلطوية فسيعاني حينها نبذا اجتماعيا ، مما يدفعه للتراجع او التمادي لينتج عن ذلك حالة انقسام اضافية . اما الانسان الكردي فهو ذائب كليا في فكرة الدولة الكردية ومشاريعها ، لذلك من الصعب جره تحت سلطة تخالف حلمه . فانتج كل ذلك وامور اخرى تفرد الطرف المطاط فكريا وعقائديا بالقرار العسكري ، والاهم انه جهز سلاحه لصرع باقي الاطراف والمكونات تحت طائلة ( الخيانة ) او ( العمالة ) ، مستغلا تكوينهم الفكري الذي ذكرناه ، بعد او وضع مجموعة من المبادئ والقوانين السياسية والاجتماعية ، التي يعلم انها تخالف مبادئ الآخرين وتستفز مشاعرهم ، مما زاد في تخندقهم واستعدائهم للمؤسسة العسكرية العراقية .
8 – ثم جرت سلسلة من الانقلابات والانقلاب على الانقلاب في العراق ، بواسطة الجيش وعلى الجيش ، حيث ان كل مجلس انقلاب يختفي داخله مجلس انقلاب مؤجل ، دون وجود الشعب في كل تلك المعادلات ، لينتقل العراق من سلطة عسكرية جافة الى سلطة عسكرية صحراوية حتى وصل الى السلطة الاكثر تصحرا في السبعينات ، لكنها كانت هذه المرة قاحلة الفكر فارغة المحتوى ، وليتم لأول مرة تسليم قيادة الجيش الى بعض افراد العصابات وقطاع الطرق ومن شكلت البداوة كل كيانهم ، لا يملكون شهادات ولم يدرسوا في اكاديميات الجيش ، فوقع العراق سياسيا واقتصاديا واداريا واجتماعيا تحت طائلة سفلة الناس واجهلهم وبروح طائفية جاهلية ، كل ذلك كان نتيجة طبيعية للمسار الانقلابي المنفصل عن الشعب الذي اختطه العسكر لأنفسهم في العراق تحت تأثير الطائفية وخبث الالغام التي تجيد بريطانيا زراعتها ، فيما رافق ذلك عمليات انتقال العراق من الفلك البريطاني الى الفلك الامريكي ، لنشهد انحدارا بنائيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا ودينيا دمويا ، ذهب خلاله نوابغ ووجوه الشعب العراقي كما ذهبت ثروته وروحه الوطنية . بينما شهدت مصر انقلابا عسكريا على الحكم الملكي ، لكنه كان ذكيا في اشراك الشعب في خطواته ، ويمكن وصفه بانه ( الانقلاب العسكري ذو الرؤية ) ، ولا اقصد انه واعي فكريا بقدر ما اقصد انه كان اكثر مهنية وانضباطا وتخطيطا ، حيث وضع قادة الانقلاب المصري استراتيجيات وخطط لبناء مصر – وفق رؤيتهم هم – ، ساعدها على النمو والاستمرار ان العسكر بدأوا يتوارثون الحكم دون انقلابات اخرى ، وراحوا ينشئون فرصا جديدة للاستثمار ، كما انهم سمحوا بحيز كبير للتحرك السياسي لباقي الاحزاب ، والاهم انهم لم يصيبوا القضاء المصري بداء الجهالة والعبودية ، وفيما حاول الجيش المصري تجنب المشاركة في حروب اقليمية رغم الضغوط الشعبية لدفعه نحوها كان الجيش العراقي يخوض حروب اقليمية استنزافية مدمرة بالنيابة عن الاخرين رغم الضغوط الشعبية الرافضة لها ، كما ان الجيش المصري ظل محافظا على قيمة الرتب العسكرية ومنع تمييعها وجعلها لعبة لا تحتاج شهادات او خبرة كما حصل في العراق . واعتقد ان الفرق في تعامل العسكرين العراقي والمصري في كل ما تم ذكره ضمن هذه النقطة هو ذات الفرق بين بداوة الصحراء بين العراق والشام وخضرة الريف المصري .
9 – وخضوعا لتأثير العدد والتمدد الديمغرافي كانت المجاميع الطائفية الحاكمة في العراق مجبرة على قبول الشيعة والاكراد وغيرهم في المؤسسة العسكرية ، لكن وفق ضوابط وشروط عنصرية ، بمعنى على مستوى الجنود والمراتب يكون التجنيد الزاميا وتعسفيا للمكونات جميعا ، لكن على مستوى الضباط والرتب فهناك مستويان ، الاول للرتب المتوسطة ، وهو الحد الاعلى للمنتسبين من المكونات الاخرى غير السنة العرب ، بشرط ثبوت ولاءهم لحزب البعث والنظام القمعي الهدام ، حيث يتم اختبار هذا الولاء بتعريض هؤلاء الضباط لأوامر قمع وقتل مباشرة للأهالي والمعارضة السياسية ، ويتم تسليط الجهد الاستخباري عليهم لمعرفة مدى تدينهم او فكرهم خارج المنظومة البعثية ، ومن يثبت ان له مسمى الدين او له افكار بسيطة غير بعثية يتم طرده او محاكمته بتهم شتى ، والافضع ان يتم اخفاءه واعدامه ، اما المستوى الثاني فهي الرتب العالية ، وهي محصورة بالعرب السنة ، ووفق المنظومة العشائرية . لكن تم طرد ومحاكمة وتصفية الكثير من الضباط الشيعة والاكراد طيلة الفترة من السبعينات حتى نهاية التسعينات ، على الشبهة والظن . رغم ان حروب الجيش العراقي ميدانيا كانت تعتمد على خبرتهم ومهنيتهم ، فيما كان كبار الضباط منشغلين بتكوين الثروات والمزارع والليالي الحمراء ، تحت مبدأ حرق الورقة بعد استخدامها .
10 – تم ادخال الجيش العراقي في حربين صبيانيتين خلال الثمانينات والتسعينات ، نيابة عن مشاريع دولية ، لا ناقة للعراقيين فيها ولا جمل ، دون ان يكون للمؤسسة العسكرية الجرأة الكفاية لمواجهة الرعونة البعثية ، وهي تعلم ان هذين الحربين – وبينهما سنتان فقط – سيقضيان ليس على الجيش العراقي وقوته فحسب ، لكنهما سيقضيان على مجمل منظومة القيم العسكرية العراقية المتبقية . فخرج الجيش العراقي من الحربين على شكل ميليشيا موزعة هنا وهناك ، هدفها الرئيسي هو قمع الشعب العراقي ، بالتعاون مع مجموعة ميليشيات رسمية اخرى ، خصوصا بعد ادخال الجيش الى المدن والقرى وجعله الطرف الاهم في مواجهة الحركة الثورية للشعب العراقي .
11 – وفي مفارقة غبية فوضوية دكتاتورية تم فتح الفرق والشعب الحزبية البعثية داخل جميع مقار المؤسسة العسكرية ، لتتحول من جيش وطني الى فرع لحزب البعث العربي الاشتراكي ، وصار الضابط برتبة عقيد مثلا خاضع لتوجيه نائب الضابط الذي لا يملك رتبة عسكرية ويخشى ان يرفع عنه تقريرا سيئا ، وبات الجيش متناقض الفكر والسلوك . وهذا ما لم يفعله الحزب الحاكم في مصر ، لأنه اكثر وعيا ، وكذلك هو يعلم رفض المؤسسة العسكرية المصرية لمثل هذا السلوك .
12 – وحين انتفض الشعب العراقي في ثورة عارمة ، اسقطت 14 محافظة من 18 ، وكانت المحافظات غير المنتفضة هي تلك المدن الناشئة فوق صحراء البعث ، كان الجيش العراقي هي الاداة القمعية الآثمة التي ارتكبت ابادة جماعية بحق الشعب العراقي حينها ، لتقمع ثورته ، بعد اخذ الضوء الاخضر من القوات الامريكية ، التي سمحت للطيران العراقي بالطيران في جنوب العراق لمدة اسبوع ، رغم القرار السابق بمنعه . فيما رأينا ان الجيش المصري كان هو اداة الشعب وحاميه في ثورتي 25 يناير و 30 يونيو ، رغم المعارضة الامريكية وتهديدها بقطع المساعدات عن مصر .
13 – عند احتلال العراق من قبل الامريكان وحلفائهم عام 2003 اثبتت المؤسسة العسكرية العراقية انها منهارة ومنهكة ، وكانت تنتظر فرصة الهروب خارج البلد ، لأنها اساسا لا تملك عقيدة واضحة ولا تشعر بالانتماء الى الشعب ، بل تنتمي الى ملذات كانت تتوفر لها هنا .
14 – اما الجيش العراقي الذي تم تأسيسه بعد 2003 فكان من المنطقي والطبيعي ان يرث كل مشاكل العصور العسكرية السابقة ، ومن اهمها التمزق الطائفي والخلل الاجتماعي وغياب العقيدة الوطنية ، خصوصا مع تعمد الامريكان ارجاع الكثير من ضباط العهد السابق ، فيما وضعت الضباط الجدد تحت اختبار نزع الاخلاق والروح الوطنية ، حين طلبت منهم ضرب بعض المدن العراقية ، لكنهم رفضوا ، فتم طرد كل الرافضين لذلك . وحين تم بناء العملية السياسية العراقية وفق التخطيط الامريكي على الاساس الطائفي والقومي انعكس ذلك كما هو متوقع على بناء الجيش العراقي الجديد ، حيث تم تشكيله على شكل متهلهل غير منسجم ولا يمتلك عقيدة واضحة او مشتركة . فيما فرضت عليه عمليات التخريب والارهاب ان يرفع سلاحه داخليا ، بعيدا عن واجبه الاصلي بحماية الوطن . وحين بدأت تتكشف اوراق الاحزاب المشاركة في العملية السياسية العراقية القائمة وانها ذات سلوك يناقض أيدولوجيتها المكتوبة تكسرت من جديد خطوط الثقة البدائية التي ارادها العراقيون بين السلطة والشعب ، فكانت هذه الاحزاب بحاجة الى اداة قمع لا ضمير لها ، ولها خبرة في سفك الدماء ، فأعادت – بخطوة غبية وطنيا لكنها مفيدة دكتاتوريا – الكثير من ضباط الجيش السابق ، الذين تربوا في حضن البعث وجرائمه ، فتهدمت جميع اعمدة احترام حقوق الانسان والجندي العراقي التي تم العمل عليها بعد سقوط الدكتاتور وحزبه على ايديهم ، ليعود عصر استعباد الجندي العراقي وسلب حقوقه وقمع صوته ، وليثرى هؤلاء الضباط العائدون اكثر من السابق على حساب الوطن وشعب العراق بجنوده المستضعفين . فيما راحت المنظومة الاجتماعية التي كانت تدعم الجيش الطائفي السابق وتعيش تحت سلطانه تتهم الجيش الجديد بشتى التهم غير المنطقية وغير المنصفة ، رافضة منحه فرصة النهوض ، ومنهكة له بعمليات الاغتيال لضباطه ، واشغاله بالصراع الداخلي عبر تفجير الابرياء وتخريب المؤسسات وقطع الطرق ، ومع ذلك تطلب الا يقوم بتوجيه سلاحه نحو مجاميعها المسلحة المحلية او المرتزقة الخارجية . اما الجانب الكردي فهو بالأحرى يعتبر ان الجيش العراقي الحالي جيشا لدولة مجاورة ، لا يسمح له بدخول الاراضي الكردية او المناطق المتنازع عليها ، ويساهم بعرقلة تسليحه ، حد الاستعداء . والاهم من ذلك لم يتم حتى الان دراسة واقع الجيش العراقي ، او التفكير بتشكيل مؤسسات عسكرية واكاديمية مستقلة ، تخضع للشعب في تعييناتها وقراراتها .
فهل بعد ذلك يتصور البعض ان الجيش العراقي يمكنه ان يقوم بالدور الذي لعبه الجيش المصري ، او انه يمكنه النجاح في اي انقلاب ، حتى ولو كان بتخطيط محكم ؟!! .
[email protected]