23 ديسمبر، 2024 6:37 م

كيف بلع الشيعة الصادقون الطُعم ؟

كيف بلع الشيعة الصادقون الطُعم ؟

لا ينكر مُنصف وجود مجموعة صادقة من الشيعة المناضلين في سبعينات القرن الماضي . كانوا يُعارضون النظام الظالم ، ويشعرون أنهم يتقرّبون إلى الله بجهادهم . صحيح أن النخب المثقفة من كلا الفريقين ، السنة والشيعة ، كانوا على درجة عالية من الفهم بحقيقة الخلاف المذهبي ، لكنها كانت عندهم ملفات موضوعة على الرف وليس مؤجلة ، وأؤكد هذا المعنى ، مقابل الملف الأهم وهو مواجهة الطاغية وحزبه .
 مع الوقت ، وبسبب الاختلاف في المعاملة ، صدام يقمع الشيعة أكثر من السنة لأسباب كثيرة ، أهمها اختلاف استراتيجيات المواجهة . الشيعة اختاروا المواجهة المباشرة ، والسنة اختاروا التدرج . ثم تأتي حرب الخليج ثم الانتفاضة ، ومع الوقت يتم تكريس الحس الطائفي بجهد مشترك بين الحكومتين العراقية والإيرانية .
انتهينا بالاحتلال ، لتتشكل صورة ذهنية خاطئة بالكامل ، أن السنّة كانوا سبب كل هذا الإقصاء ، وبدلاً من التركيز على صنّاع السياسة العراقية ، عمّ الخطب واكتملت الصورة الخاطئة وتداعياتها ، ولا يمكن تغييرها إلا بعد سنوات وربما عقود .
 ما نحن فيه ، أن الطبقة الصادقة من المجاهدين الشيعة التي كانت تحمل علاقات جيدة مع نظيراتها من السنة أخذت تتلاشى مع الوقت . البعض انصهر في البوتقة الإيرانية القائمة على تكريس الكراهية باعتبارها جزءً من أجندتها السياسية والاقتصادية لا الدينية ، وآخرون انغمسوا في العمل الحكومي بخيره وشرّه وأفسدهم المال واستمرءوا سفك الدماء أو غضوا عنها الطرف .
لا ندري كم بقي من الصادقين والمبدئيين من أمثال عز الدين السليم (عبد الزهرة عثمان) ، وبقايا الدعوة المخلصين في الحلة وغيرها . ولكن في العموم فقد انزلق مناضلو الشيعة من الإسلاميين الصميميين في منزلق خطير ، وهو دعم البعثي المجرم بشار الأسد ، وتأييد الانقلاب على مرسي .
قد يقال إن موقف الإسلاميين السنة من العراق الجديد كان سلبياً ، ولا نريد أن نخوض في الأسباب ، لأنه أشبع بحثاً ، وإنما ما أريد التأكيد عليه أن النخب الإسلامية الشيعية المناضلة التي نشطت في السبعينات قد تلاشت واسمحولي أقول أن زعماءهم داسوا على المعتدلين منهم حتى اختفوا إعلامياً بالكامل .
 الشيعة اليوم بلعوا الطعم ، ولم يكسبوا شيئاً ، وخسروا قوة كانت بالرغم من كل شيء الأقرب إليهم والأكثر قدرة على الحوار والتفاهم ، وكانوا جميعاً في خندق النضال ضد الطغيان والعلمانية اللادينية .
اليوم ، وبعد أن حوصر الإسلاميون السنة في العراق والشام ومصر ، ووقفت الفعاليات الشيعية المرجعية والرسمية والشعبية موقفاً سلبياً بل ومتشفياً منهم ، حتى بلغ الأمر بالمالكي أن يجاهر بعدائه لهم متهماً إياهم أنهم يشتمون 300 مليون شيعي في العالم !! في ظني أن هذه المواقف المتكررة سوف تصب قريباً في صالح العلمانيين (السنّة) وخصوصاً دول الخليج ، وفي المدى الاستراتيجي في خدمة الولايات المتحدة وإسرائيل .
 الغريب أن العداء الشيعي المتأصل للعلمانية والقومية والاستكبار العالمي أصبح في خبر كان. وبتقديري فإن الشيعة خسروا أكبر حليف لهم في خضم الفتن التي تعصف بالمنطقة ، وكان يفترض أن يكونوا أكثر وعياً لأنهم فسحوا المجال للجلادين الجدد من الشيعة والسنة والذين لا حل لهم سوى العودة إلى قمعهم ، ويومها إن وقع ذلك لا سمح الله سيكون الإسلاميون السنة في العالم الإسلامي متفرجين ، ولئن كانوا من قبل يدعون للمظلومين الشيعة في جوف الليل ، فإن الشيعة لن يحصلوا اليوم حتى على الدعاء ، بعد أن وقفوا جميعاً ضد مصر المسلمة بتعجّل وتهور لم يكن في محله .
ترى هل بقي وقت للاستدراك؟