خاص : كتبت – نشوى الحفني :
العملية التي شنتها “واشنطن”، ضد “قاسم سليماني” و”أبومهدي المهندس”، مازالت تداعياتها تشغل بال الرأي العام، خاصة تداعياتها، إلا أنه على الجانب الآخر بدأ البعض يتسائلون عن الأسباب الحقيقية لتلك العملية، فبالرغم من تأكيد وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، أمس، على أن عملية قتل “قاسم سليماني”، قائد (فيلق القدس) في “الحرس الثوري” الإيراني، في “بغداد”، بـ”غارة أميركية”، جاءت لإحباط هجوم إيراني وشيك.
أضاف وزير الخارجية الأميركي، أن بلاده مستعدة لمواجهة كل التهديدات الإيرانية، لافتًا إلى أنه يجب على “إيران” تغيير سلوكها، مؤكدًا على أن الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، مستعد للتهديدات الإيرانية كافة.
تستهدف تغيير ميزان القوى بالشرق الأوسط..
إلا أن “ماريا زاخاروفا”، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، أكدت أن الضربة الصاروخية الأميركية الأخيرة على “بغداد”، لن تؤدي إلا إلى تصعيد التوتر في المنطقة، مشددة على أن “الولايات المتحدة” مهتمة في هذا التوقيت بتغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط.
وأوضحت “زاخاروفا”، عبر حسابها الشخصي على (فيس بوك)، أن الأسباب المحتملة لاغتيال الجيش الأميركي، فجر أمس، قائد (فيلق القدس) الإيراني، “قاسم سليماني”، لإدانة الهجمات على سفاراتها، تتوجه الدول عادة إلى “مجلس الأمن الدولي” وتقدم إلى رئيسه مشروع بيان بهذا الخصوص.
وأضافت “زاخاروفا”، لكن “واشنطن” لم تتجه إلى “مجلس الأمن الدولي” ولم تناشده، وهذا يعني أنها لا تهتم برد الفعل العالمي، وكل ما يهمها فقط تغيير الوضع في المنطقة، مشددة على أن التصرف الأميركي لن يؤدي إلا لتصاعد التوتر في المنطقة، الذي سيصيب بالتأكيد الملايين من الناس.
مخططات “سليماني” ضد الأهداف الأميركية..
وفي تأكيد على تصريحات “بومبيو”، كشفت وكالة (رويترز)، عن ما وصفته بخطة كان القائد السابق لـ (فيلق القدس)، التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، “قاسم سليماني”، ينتوي تنفيذها، ودفعت “الولايات المتحدة” لمنح الأمر بقتله بضربة جوية في “بغداد”، أمس الجمعة.
ووفقًا لما نشرته الوكالة، كان “سليماني” يخطط لشن هجوم واسع ضد أهداف أميركية في “العراق”، وهي الخطة التي كانت سببًا في قتله.
وتحدثت الوكالة عن اجتماع عقده “قاسم سليماني” مع حلفائه مع من وصفتهم بـ”قادة الميليشيات الشيعية العراقية”، في منتصف تشرين أول/أكتوبر 2019، على ضفاف “نهر الفرات”، في مبنى يطل على السفارة الأميركية في “بغداد”.
وقال مصدران أمنيان لوكالة (رويترز)، إن “سليماني”، خلال الاجتماع؛ طلب من “أبومهدي المهندس”، نائب رئيس “الحشد الشعبي” العراقي، والذي قُتل أيضًا في نفس الضربة، وآخرين من قادة “الميليشيات الأقوياء”، تصعيد الهجمات ضد الأهداف الأميركية في “العراق”، مستعينين بأسلحة متطورة مدتهم بها “طهران”.
وكشف المصدران الأمنيان؛ أنه قبل أسبوعين من الاجتماع، أعطى “سليماني” أوامره لـ”الحرس الثوري” الإيراني بنقل أسلحة أكثر تطورًا لـ”العراق” عبر معبرين حدوديين.
وذكرت مصادر لوكالة (رويترز)، أن “سليماني” أمر “ميليشيا كتائب حزب الله”، والتي أسسها، “المهندس”، ودربها في “إيران”، بمباشرة تنفيذ الخطة الجديدة.
وقال مسؤولون أميركيون لوكالة (رويترز)؛ إن الأجهزة الاستخباراتية الأميركية كان لديها أسبابها للإعتقاد بأن “سليماني” منخرط في “المراحل الأخيرة” من التخطيط لاستهداف الأميركيين في عدة دول، منها “العراق وسوريا ولبنان”.
وقال مستشار “البيت الأبيض” للأمن القومي، “روبرت أوبراين”، إن “سليماني” كان عائدًا من “دمشق”، حيث كان “يخطط لهجمات ضد قوات المارينز وطيارين، وبحارة، وجنود أميركيين، وكذلك ضد دبلوماسيين”.
ووقع اختيار “سليماني” على (كتائب حزب الله)، لتقود الهجمات ضد القوات الأميركية في المنطقة؛ لما لها من قدرة على استخدام الطائرات بدون طيار لإستكشاف أهداف محتملة لهجمات بصواريخ (كاتيوشا).
وبحسب ما أعلنته (رويترز)؛ كان من بين الأسلحة التي أرسلها “سليماني”، طائرة بدون طيار طورتها “إيران” تستطيع الإفلات من أنظمة الرادار، وقد استعانت بها (كتائب حزب الله) العراقية لإلتقاط صور لمواقع تواجد القوات الأميركية.
هجمات على قواعد تضم الأميركان..
وشهد الشهر الماضي، تأكيدات مسؤول عسكري أميركي رفيع، أن: “هجمات الميليشيات، المدعومة من إيران، ضد قواعد تضم قوات أميركية في العراق، تزايدت وباتت أكثر تعقيدًا”. وجاءت التصريحات عقب سقوط أربعة صواريخ (كاتيوشا) على قاعدة بالقرب من “مطار بغداد الدولي”، ما أسفر عن إصابة خمسة عسكريين.
وفي 27 كانون أول/ديسمبر الماضي، تم إطلاق أكثر من 30 صاروخًا على قاعدة عسكرية عراقية قرب “كركوك”، ما أدى إلى مقتل متعاقد مدني أميركي وإصابة أربعة جنود أميركيين وعسكريين عراقيين.
واتهمت “الولايات المتحدة”، (كتائب حزب الله) العراقية، بتنفيذ الهجوم، ليشن سلاح الجو الأميركي غارات استهدفت عناصر في هذا الفصيل، أسفرت عن مقتل 25 شخصًا وإصابة 55 آخرين.
وتصاعدت وتيرة الأحداث بشدة، ليتم إقتحام “السفارة الأميركية”، في “بغداد”، لتقوم “واشنطن” بإرسال قوات إضافية للمنطقة، مع التهديد بالانتقام من “طهران”.
يُذكر أنه قبل ساعات من قتل “سليماني” و”المهندس”، أعلن وزير الدفاع الأميركي، “مارك إسبر”، عن: “إجراءات إستباقية هدفها حماية الأميركيين من هجمات إيرانية”، قائلًا نصًا: “لقد تغيرت قواعد اللعبة”.
لجرف الرأي العام الأميركي لمواضيع أخرى..
كما توالت التعليقات من قِبل الخبراء حول الأسباب الداعية لتلك العملية، فرأى “محمد مهتدي”، الباحث في معهد الدراسات الإستراتیجیة للشرق الأوسط بـ”طهران”، أن القرار “ترامبي” بإمتياز بما يحيط به من رعونة وتسرع وعدم تقدير كافٍ للعواقب. ويعلل “مهتدي”، القرار، بأن “ترامب” يستعد للانتخابات الرئاسية في الوقت الذي يواجه انتقادات شديدة وملاحقة برلمانية قد تفضي إلى عزله، “إضافة إلى النكسات المتتالية لإدارته في الملفات الخارجية، سواء في موضوع الصين أو روسيا أو شبه جزيرة القرم وقضايا الشرق الأوسط، فربما كانت هذه العملية لجرف الرأي العام الأميركي إلى مواضيع أخرى، ويبدو أن كل رئيس أميركي يريد تجديد ولايته يقوم بشن حرب في مكان ما”.
بسبب انتصارات ساحة “إدلب”..
ويعتقد “علي محمد نجاح”، الباحث والخبير العراقي في شؤون “إيران” و”آسيا الوسطى”، أن أحد الأمور التي أزعجت “أميركا”؛ تلك الانتصارات الكبيرة في “ساحة إدلب” ومقتل الكثير من قيادات التنظيمات الجهادية، ما يمهد باستعادة النظام السوري لها بمساعدة “إيران”، لينتهي الموضوع السوري لصالحها، وبذلك تتمكن “إيران” من تحقيق هدف كبير؛ وهو أولاً إنهاء الموضوع السوري لصالحها، وثانياً ربط “العراق” بـ”سوريا”؛ وبالتالي مع “لبنان”، وهي مسألة في غاية الخطورة بالنسبة لـ”أميركا” و”إسرائيل” التي يقلقها بشدة التمدد الإيراني في المنطقة.
رد من قِبل “ترامب” لتحسين موقفه الانتخابي..
أما “معن الجبوري”، المستشار السابق في “وزارة الدفاع” العراقية والخبير الإستراتيجي والعسكري، فيرى أن التصرف الأميركي هو رد فعل نتيجة محاولة إقتحام “السفارة الأميركية”، في “بغداد”، وقبلها الهجوم على قاعدة (كي وان)، في “كركوك”، وقتل مدني أميركي وإصابة خمسة آخرين، “وعلى هذا الأساس وجد ترامب نفسه في زاوية حرجة، خصوصًا وهو مقبل على انتخابات باعتبار أن الكبرياء الأميركي قد جرح وأهين بشدة أمام العالم”، مضيفًا أنه بذلك لم يكن أمام “ترامب” إلا أن يقوم بعمل يعيد الكبرياء لـ”أميركا” ويحفظ ماء وجهه ويحسن من موقفه، خاصة بعد أزمته مع محاولات عزلته.
نقطة قوة إضافية في جلسات المساءلة..
وعلق الدكتور “معتز بالله عبدالفتاح”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة “القاهرة”، إن أمر “ترامب” باغتيال “سليماني” يمثل تصعيدًا كبيرًا، وهو أمر ليس بالغريب على “دونالد ترامب”، فهو دائمًا ما يفضل تلك الخطوات التي قد يراها بعض من يعارضه بأنها “متهورة وهوجاء”، وهو ما يفسره الهجوم من جانب رموز الحزب الديموقراطي بعد العملية، مثل تصريحات “جون بايدن”، التي وصفت أن “ترامب” يُشعل الديناميت، وهجوم “نانسي بيلوسي” على “ترامب”؛ لأنه لم ينسق مع “الكونغرس” قبل العملية.
ويضيف “عبدالفتاح” أن كل تلك الشخصيات التي تعارض “ترامب” وسياسته لا تنكر خطورة “إيران” على المصالح الأميركية، ولكنها تختلف مع الإدارة الحالية بشأن التصعيد الذي تراه غير مدروس بشكل كامل، والذي يضع “أميركا” في تهديد واضح لمصالحها.
وعن تأثير ذلك وعلاقته بإجراءات عزل “ترامب” التي يقودها الديموقراطيون داخل “الكونغرس” الأميركي، لفت أستاذ العلوم السياسية، إلى أن ما حدث يمكن أن يمثل نقطة قوة إضافية تضاف لـ”ترامب” في جلسات المساءلة المرتقبة داخل “مجلس الشيوخ”، لأنه سيرسخ صور الرجل الشجاع الذي يقدم على الخطوات التي تردد فيها سابقيه، (بوش وأوباما).
عمليات اغتيال سابقة..
ودائمًا ما تستبق الانتخابات الأميركية بعمليات اغتيال؛ فلم تكن هذه هي العملية العسكرية الأولى لـ”الولايات المتحدة” بذات التفاصيل، ففي عام 2006، قُتل الإرهابي، “أبومصعب الزرقاوي”، أحد قادة تنظيم (القاعدة)، في غارة جوية أميركية، في عهد الرئيس، “جورج بوش”، والتي تزامنت مع استعداداته القوية للانتخابات الرئاسية، والذي اعتبر مقتله: “أنه ضربة قوية لتنظيم القاعدة”، معتبرًا أنه واجه المصير الذي يستحقه بعد “العمليات الإرهابية”، التي نفذها في “العراق”.
وفي عام 2011، قبل انتخابات الرئاسة الأميركية بعدة أشهر، أعلن مسؤولون أميركيون ويمنيون، أن القيادي البارز في تنظيم (القاعدة)، “أنور العولقي”، قُتل في غارة شنتها طائرات أميركية بدون طيار على موكبه، في منطقة جبلية شرقي العاصمة، “صنعاء”.
كذلك شهد ذات العام، الإعلان عن مقتل، “أسامة بن لادن”، في عملية إقتحام أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأميركية، نفذها الجيش الأميركي، واستغرقت 40 دقيقة، في مدينة “أبوت آباد”، الواقعة على بُعد 120 كم عن “إسلام آباد”.
كذلك قُتل زعيم تنظيم (القاعدة)، في جزيرة العرب، “ناصر الوحيشي”، في عام 2015، عن طريق غارة أميركية بطائرة بدون طيار في “اليمن”، في عملية نفذتها “وزارة الدفاع الأميركية”، (البنتاغون)، وكان “الوحيشي” يُعد الرجل الثاني في قيادة التنظيم، كما كان السكرتير الخاص السابق لزعيم التنظيم، “أسامة بن لادن”.