23 ديسمبر، 2024 10:32 م

رمضانيات / 8 ــ الزبزب !

رمضانيات / 8 ــ الزبزب !

لم اسمع طيلة حياتي بشيء أسمه ( الزبزب ) ! من يكون هذا الزبزب ؟ الصدفة وحدها قادتني له وأنا أجلس مع الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي عام 1998 في غاليري الفينيق  داخل العاصمة الاردنية عمّان وكان عليه في الصباح الباكر أن يسافر من عمّان الى دمشق . أعطاني البياتي كتاباً فيه أهداء له من قبل الكاتب العراقي جاسم المطير ، ووجدت ( الزبزب ) عنواناً للكتاب ! والكتاب عبارة عن مجموعة قصصية كان قد اصدرها الاستاذ المطير حديثاً . وفي الصباح غادر البياتي عمّان متوجها الى دمشق وأتفق معي على يوم عودته فسيكون قد جلب معه كتاب دراسات ونصوص عن البياتي من أعدادي وتحرير وهو كتاب ضخم نوعا ما ، قال عليّ الذهاب يوم عودته عند الحدود السورية الاردنية لاستقباله ! عدت الى البيت مصدوع الرأس بسبب سهرة الليل التي كنت قد شربت فيها الكثير من ( عرق حداد الذهبي ) ! يا للهول كيف للعرق أن يكون ذهبياً ! وهو ينزل الى المعدة وكأنه الأسفنيك ! مضى ألاسبوع سريعاً على سفرة البياتي وكان عليّ الذهاب الى الحدود ، كتاب الزبزب هو رفيقي في تلك السفرة التي أستغرقت قرابة الساعة والنصف ، وأنا أقرأ بالكتاب حتى ركزت جيداً بقصة الزبزب التي جعلها المؤلف عنوانا للكتاب !
وقد تبين أن الزبزب هو حيوان خرافي كان يخرج على أهالي العاصمة بغداد قبل مئات السنين لكنه يختفي ويظهر كل مئة عام مرة واحدة ، الأمر الذي ينشر الرعب والخوف والموت في الشوارع ، وعادة ما يخرج من المقبرة ليقتل الناس بطريقة مخيفة ! سكان العاصمة بغداد وبعد مضي سنوات من دمارهم جراء هذا الزبزب الملعون قرروا أن يكونوا يداً واحدة من أجل القضاء والتمكن من هذا الحيوان القاتل والمرعب !
وبمجرد توقف الحافلة عند نقطة تفتيش الحدود كنت قد أنهيت قراءة كتاب جاسم المطير ( الزبزب ) وفهمت المعنى للقصة الذي سوف أنوه عنه في نهاية المقال ! نصف ساعة أقف مع شرطي الحدود الاردني وأنا أنظر الى النقطة السورية علني ألمح البياتي من بعيد ، حتى جائني شرطي آخر وسألني عن اسمي ، وحين أجبته ، قال البياتي يجلس هناك وهو بأنتظارك ! ذهبت الى أبي علي الذي وصل عمره يومها الى الثالثة والسبعين عاما ومرض الربو اللعين يطارده بقوة ! أستقلينا سيارة ( الدوج ) وهي سيارة تكسي سورية تعمل على طريق عمّان دمشق وبيروت كذلك ! كان سائق السيارة يستمع الى صوت فيروز الجميل وأنا أجلس الى جانبه ، والبياتي في المقعد الخلفي وبقربه الكثير من الكتب التي جلبها معه من دمشق ، وأنا أحاول بين الفينة والأخرى أن ألقي نظرة خاطفة على الكتب التي قربه علني أجد كتابي الذي وعدني بجلبه  ! لم أتمكن من ذلك ، لكن البياتي ضحك وقال : لا تقلق فكتابك معي في الحقيبة الكبير ! فرحت كثيراً لما قاله حول الكتاب !
أوصلّنا سائق التكسي الى بيت البياتي الواقع في منطقة الشميساني ، وأنزلنا الحقيبة ودخلنا البيت ، كانت بنته ( أسماء ) في أستقباله وكذلك حفيدته الطفلة صاحبة السبع سنوات ( هنادي ) وهنادي هي أبنت نادية التي فارقت الحياة عام 1991 في الولايات المتحدة الامريكية والتي حزن البياتي عليها كثيراً وكتب عنها الكثير من القصائد الجميلة فكانت نادية بنته التي يحبها بشكل كبير ! نصف ساعة جلست معه وأنا أقلب بكتابي الذي جلبه ، خمسين نسخة فقط وعلى أمل أن يرسل صديقنا الشاعر محمد مظلوم النسخ الباقية من دمشق .
كانت الساعة تشير الى الرابعة عصراً ، غادرت البياتي على أمل اللقاء به في المساء بعد أن يأخذ قسطاً من الراحة ، وفي طريق عودتي الى البيت قمت باعادة  قراءة قصة الزبزب من جديد وعند الانتهاء من قراءتها ، ضحكت بقوة بسبب ما ذهب اليه الكاتب جاسم المطير ! صحيح أنه استحضر الاسطورة في قصته الخرافية لكنه أراد أن يقول شيئاً حول الاوضاع المزرية داخل العراق وتسلط النظام الدكتاتوري المتمثل بنظام البعث الذي جعل من العراق وشعبه داخل دوامة الحروب والحصار والاعدامات والقتل والسجون الامر الذي كان الشعب العراقي يعيش داخل سجن كبير أسمه العراق !
فأراد الكاتب بقصته الخرافية الجميلة أن ينتقم الشعب من هذا الزبزب الوحش والقاتل الذي أسمه نظام البعث أو نظام صدام حسين ! واليوم وبعد أن مات الزبزب عام 2003 بقوة أمريكا ! دخلت العراق العشرات من الزبازب ! الصغيرة وبدأت تكبر يوما بعد آخر حتى أنها اليوم أصبحت أكبر بكثير من ذاك الزبزب البعثي !
اما زبازب الاحزاب الاسلامية والكردية فهي أكثر خطورة على المجتمع العراقي الذي يقف متفرجاً على سرقة ثرواته بطريقة فجة ! ويهب الاراضي العراقية الى الكويت من أجل الخروج من البند السابع !
ومثلما فعل الكاتب  جاسم المطير بقصته ( الزبزب ) وجعل من أهالي بغداد ان يتكاتفوا للقضاء عليه بالرغم من اسطورته ، فعلى الشعب اليوم أن يتكاتف من أجل الوطن العراق ليقضي على كل الزبازب المخيفة والمرعبة التي تقتل الناس كل يوم في شوارع بغداد عبر سياراتها المفخخة  ! كان زبزب البعث لا أحد يعرف له مكاناً ثابتاً حتى كان القضاء عليه ضربا من  ضروب الخيال ! لكن زبازب اليوم تسكن داخل المنطقة الخضراء !!