رغم ظن البعض أن ما أطلقوا عليه وصف “الثورات العربية” أجهضت في مهدها. إلا ان عام 2019 جاء ليبعث الموجة الثالثة بأحداثها واضطراباتها التي طالت عشرات البلدان في آسيا وأفريقيا وأوربا وصولا إلى أمريكا اللاتينية،
تميزت شعارات هذه الاحتجاجات بمحاربة الفساد والفقر وغياب العدالة الاجتماعية ، والتي سرعان ما تتحول لتطالب بإسقاط الأنظمة السياسية ، كما تميزت هذه الاحتجاجات بالإرادة القوية وإصرار المحتجين على التغيير وتحقيق أهدافهم، رغم القمع واستخدام الرصاص الحي ضدهم في بعض الدول وسقوط الكثير والكثير من الشهداء والمصابين . وكان للتكنولوجيا أثر كبير في انتشار هذه الحركات ، ليشارك الشباب المحتج في هذه البقاع بعضهم البعض جملة من التكتيكات والشعارات وكلمات الدعم.
في العراق وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم تتجاوز أعداده المئات، خرجوا إلى الشوارع في بغداد ومدن في الجنوب في اليوم الأول من شهر أكتوبر/تشرين أول الماضي احتجاجا على البطالة والفساد وبؤس الخدمات العامة. ومع العنف والعنف المضاد ووقوع الجرحي والشهداء؛ توقف الحراك بشكل مؤقت ثم استؤنفت الاحتجاجات في 24 أكتوبر/تشرين أول. الأمر الذى رفع سقف مطالب المحتجين والمطالبة باستقالة الحكومة ، ومع سقوط المزيد من القتلى والجرحى أقدم رئيس الوزراء العراقي” عادل عبد المهدي” ، على تقديم استقالته وقبلها البرلمان في الأول من ديسمبر/كانون أول ، وتم التصويت على قانون الانتخابات الجديد متضمن مادة 15 و 16 الذى جعل العراق دوائر متعددة صغيرة بحسب الأقضية ، الا ان صدور القانون، وتشكيل مفوضية الانتخابات الجدية لم ينهي الاحتجاجات بل ومازال المتظاهرون في الشوراع منتظرين تشكيل الحكومة المؤقتة والانتخابات المبكرة في 2020.
أما في لبنان فقد كان السيناريو مشابها بدرجة كبيرة للسيناريو العراقي، ففي 17 أكتوبر/ تشرين الأول، وعند إعلان الحكومة فرض ضريبة على تطبيق للرسائل الإلكترونية وهي تعد ” القشة التي قصمت ظهر البعير”، خرجت حركة احتجاج شعبية غير مسبوقة تطالب برحيل الطبقة السياسية التقليدية التي توصف بأنها فاسدة في ظل أزمة اقتصادية حادة، ونجحت الاحتجاجات في دفع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى تقديم استقالته في 29 أكتوبر /تشرين الأول ، وتكليف حسان دياب في 19 كانون الأول/ديسمبر، بتشكيل حكومة جديدة، والذى ما يزال حتى الان يسعى لتشكيل حكومته، وسط مخاوف من تأثيرات كبيرة، لعدم الاستقرار السياسي على الاقتصاد اللبناني على وجه الخصوص، ومازال يرفع شعار ” “كلن يعني كلن”…
ولم تنأى إيران الجارة بنفسها عن تلك الاحتجاجات، إذ خرج الايرانيين رفضاً لرفع الحكومة أسعار الوقود، بنسبة 50 بالمئة. وأسفرت الاحتجاجات عن مقتل أكثر من 140 شخصا في 22 مدينة مختلفة، واعتقال أكثر من ألف آخرين في عموم البلاد ، حسب تقديرات منظمات دولية، و ردد الإيرانيون شعارات مثل ( البنزين يزداد غلاء والفقير يزداد فقرا) و(ضاعت أموال النفط وأنفقت على فلسطين) و(لا غزة ولا لبنان… روحي فداء إيران) الى اخره من الشعارات التي كان بعضها يتناغم مع الحرب الناعمة التي تقودها امريكا ضد الجمهورية الاسلامية. الا انه وبرغم قناعة الحكومة الايرانية بوجود ايدي خفية وراء بعض الحركات الاحتجاجية الا ان هذا لم يمنع ان يتدخل المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية السيد الخامنئي معلنا مؤكدا على الاستياء الشعبي من القرار المفاجئ لرفع البنزين والذي جاء غداة تعليق الرئيس الإيراني حسن روحاني على الاحتجاجات والذي اعتبرها من ” قلة” ، ووجه تهديدا صريحا إلى من احتجوا على قرار رفع البنزين عبر إطفاء السيارات وإغلاق الطرق …
وفي إقليم هونغ كونغ المتمتّع بالحكم الذاتي في الصين، ومحاولة تمرير مشروع يقر تسليم مطلوبين إلى بكين، الذى أثار مخاوف المدافعين عن الديمقراطية، لكونه يهدد الحريات في حال المصادقة عليه، ما دفعهم لإطلاق احتجاجات مليونية في يونيو/حزيران الماضي. وأسفرت الاحتجاجات السلمية التي تحوّلت فيما بعد إلى أحداث عنف و مقتل 13 وإصابة آلاف آخرين ، وفي النهاية تم سحبه رسميا في أكتوبر/ تشرين الأول2019.
وفي إندونيسيا، خرج الطلاب في المدن الكبرى وعلى رأسها العاصمة جاكرتا، في احتجاجات مطالبة بإلغاء التعديلات التي أجريت في قانون مكافحة الفساد والقانون الجنائي، وأسفرت عن مقتل 5 أشخاص.
أما في الهند، فأشعلت تعديلات قانونية وخرج المتظاهرون إلى الشوارع 18 ديسمبر / كانون الأول 2019 عبر آسام وتريبورا بسبب مخاوف من تغيير التركيبة الدينية والعرقية في الولايات الشمالية الشرقية، بعد السماح بمنح الجنسية الهندية للمهاجرين غير النظاميين الحاملين لجنسيات بنغلاديش وباكستان وأفغانستان، شرط ألا يكونوا مسلمين وأن يكونوا يواجهون اضطهادا بسبب دينهم في بلدانهم ذات الغالبية المسلمة الجنسية للمهاجرين إلى الهند قبل 2015 عدا المسلمين.
وعلى الجسر الرابط بين آسيا وأمريكا، كان نصيب القارة الافريقية من الاحتجاجات في تجربتين ناجحتين كانت من نصيب السودان والجزائر.
شكلت الثورة السودانية تحولًا كبيرًا للسلطة السياسية في البلاد بعد حوالي ثلاثين عاما من حكم عمر البشير تململ الشعب السوداني بشكل جماهيري منظم. بدأت باحتجاجات في الشوارع في 19ديسمبر/كانون أول 2018 عقب مضاعفة سعر الخبز ثلاث مرات، واستمرت في حراكها لثمانية أشهر تنامت في جميع أنحاء السودان، وفي 11نيسان/إبريل 2019، عزل الرئيس السوداني عمر البشير بعد أشهر من احتجاجات الشارع السوداني ضد حكم.
” يتنحو قاع” هكذا ردد جموع الشعب االجزائري في الشوارع 22فبراير/شباط ؛ حينما أبدى الرئيس “عبد العزيز بوتفليقة”، رغبة في الترشح للرئاسة مرة أخرى، بعد أن بقي على قمة هرم السلطة من أبريل/نيسان 1999 لغاية استقالته، تحت ضغط الشارع والجيش في 2 أبريل/نيسان، وفي 12 كانون الأول/ديسمبر أنتخب عبد المجيد تبون رئيسا، ثم رحل قائد أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح والذي قاد المرحلة الانتقالية في البلاد في الثالث والعشرين من كانون الأول/ديسمبر.
وعلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط، احتفت حركة السترات الصفراء في 17 نوفمبر/تشرين الثاني لانطلاق احتجاجاتها التي اجتاحت فرنسا ضد السياسة الاجتماعية والاقتصادية للحكومة. ونتجت الشرارة الأولى للحركة عن فرض ضريبة على المحروقات. وخرجت الحركة غير المسبوقة من رحم المواقع الاجتماعية بعيدا عن أي وصاية من أي جهة حزبية أو نقابية. واستطاعت بفعل قوتها أن تهز ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي كان مجبرا على طرح إصلاحات جديدة لتجاوز هذه المرحلة الصعبة من الجزء الأول من ولايته. وبالرغم من مساعي الحكومة الفرنسية لاحتواء الحركة، لم تنجح في ذلك بشكل كلي، ولاتزال “السترات الصفراء” حاضرة في مشهد الاحتجاجات الفرنسية لتنال بذلك لقب أطول الاحتجاجات زمناً في تاريخ البلاد….
كما شهدت العاصمة التشيكية براغ خروج أكثر من 200 ألف شخص، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في احتجاجات مطالبة باستقالة رئيس الوزراء أندريه بابيس ووزيرة العدل ماريا بانوسوفا، إثر تردد أنباء حول تورطهما في الفساد.
ولم تنجو الأمريكتين من حركات الاحتجاج التي تميزت أغلبها في بوليوفيا وتشيلي و كولومبيا التي خرجت لعدم وجود خطة اقتصادية وطنية في البلاد، وانتشار الفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان وكلها تزامنت في منتصف نوفمبر / تشرين الأول 2019 ؛وقد انطلقت في فنزويلا مع بداية العام احتجاجات مناهضة لإعادة انتخاب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، أدت إلى وقوع ازمة سياسية واقتصادية حادة في البلد، واعلن خوان غوايدو نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد ما ادى إلى انقسام دولي حول الاعتراف به. وأصبحت فنزويلا بلد واحد ورئيسان …
وبجانب تلك الاحتجاجات الذي شهدتها معظم أنحاء العالم، كانت هناك أحداث أخرى مهمة، أثارت وماتزال تثير الرأي العام في هذه الدول، ففي عام 2019، توفي الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي عن عمر ناهز 92 عاما، ثم فاز رجل القانون الدستوري المستقل قيس سعيد، برئاسة تونس بنسبة 76% من الأصوات في 13 تشرين الأول/أكتوبر. وفي العام 2019 أيضا، شهدت مصر استفتاء على تعديلات دستورية ، في 20 أبريل / نيسان ، تتيح للرئيس عبد الفتاح السيسي البقاء في الحكم، حتى العام 2030.
في السعودية تعرضت منشأة نفطية، تابعة لشركة أرامكو السعودية في آب/ أغسطس 2019 لحريق، إثر هجوم تبناه الحوثيون في اليمن، واتهمت الرياض طهران بالوقوف وراءه، في زيادة لحدة التوتر بين البلدين، ومع نهاية العام، وفي الثالث والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر، أصدر القضاء السعودي أحكاما بالإعدام، على خمسة متهمين في قضية مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي، بعد أكثر من عام على جريمة قتله داخل القنصلية السعودية في تركيا.
في ديسمبر 2019 صدر قرار تاريخي لمجلس النواب الامريكي.. ترامب ثالث رئيس أميركي يحاكَم برلمانيًّا: صوت مجلس النواب الأميركي في قرار تاريخي لصالح محاكمة الرئيس دونالد ترامب برلمانيا، بتهمتي إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس، ليتولى مجلس الشيوخ المرحلة الموالية وهي محاكمة الرئيس والبت في قرار عزله.
ربما لن يكون ممكنا، إجمال كل الأحداث التي مرت بالعالم خلال العام 2019 الذي ودعناه ، لكن ما سلف يمثل رصدا لتلك الأحداث الأكثر أهمية، التي شهدها العالم ، والتي ماتزال تداعياتها متواصلة وربما تحفل بها أيضا أيام عامنا القادم 2020.