27 نوفمبر، 2024 8:51 م
Search
Close this search box.

لا وقت لهديل الحمام.. بطولة التمسك بالمبادئ في ظل سلطة باطشة

لا وقت لهديل الحمام.. بطولة التمسك بالمبادئ في ظل سلطة باطشة

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “لا وقت لهديل الحمام” للكاتب العراقي “جودت جالي”، إصدار دار ضفاف 2019، تحكي عن الهجمة التي تعرض لها الحزب الشيوعي العراقي في 1979، حيث انقلب عليه حزب البعث بعد توافق، وانضمام الحزب الشيوعي إلى جبهة مع الحزب الحاكم، وتتناول الرواية هذه الهجمة من خلال أحد الشيوعيين المتمسكين بمبادئهم.

الشخصيات..

ساري: البطل، ينتمي إلى الحزب الشيوعي، يعمل في السكة الحديد، له زوجة وطفلة، وكان يسعى لعمل مقاومة لكن الحزب رفض اقتراحه، وكان غير راض على التوافق بين الحزب الشيوعي وحزب البعث وانضمام الأول للجبهة.

أمينة: زوجة البطل، سيدة متفتحة العقل، وجدت نفسها في خطر بسبب التهديد بالقبض على زوجها واختفاؤه.

والشخصيات الأخرى تظهر من خلال تقاطعها مع البطل.

الراوي..

الراو عليم يحكي بالأساس عن “ساري” على مدار أيام قليلة، ويحكي مشاعره وأفكاره وانفعالاته إزاء الشعور بالتهديد، وتدمير حياته الأسرية والمهنية.

السرد..

الرواية قصيرة تقع في 94 صفحة من القطع المتوسط، والسرد يدور في أيام قليلة، حيث يعاني “ساري” من صراعات نفسية بسبب أنه لا يريد أن يهرب من السلطة ومن الملاحقة الأمنية، كما أنه لا يعرف ماذا سيحدث له مع اشتداد قبضة الأمن على الشيوعيين والحزب الشيوعي، وقلق زوجته واضطراره إلى ترك منزله وعمله، وقلقه على باقي الرفاق خاصة الذين استقطبهم بدون معرفة الحزب. الأحداث قليلة لكنها تدور في أيام مفصلية في حياة “ساري”، كما أنه يسترجع بعض الأحداث من الماضي.

بطولة التمسك بالمبادئ في ظل سلطة باطشة..

تحكي الرواية عن “ساري” الشيوعي الذي وجد نفسه مطاردا، بعد أن قرر حزب البعث الهجوم على الشيوعيين والقضاء عليهم، وقام بعدة إجراءات لمطاردة أعضاء من الحزب الشيوعي، ومحاولة الجميع الهرب من قبضة الأمن، إما بالتخفي في أماكن سرية أو بالهجرة خارج العراق، لكن “ساري” لا ينصاع لنصائح الجميع، والده، وزوجته، وأصدقاءه بأن يظل في بغداد في بيت أبيه بعيدا عن قبضة الأمن، ويقرر أن يذهب إلى منزله، الذي كان يسكنه بموجب عمله في هيئة السكة الحديد، ليجمع أثاثه وأشياء تخصه هو وزوجته، ويطمئن على رفاقه رغم إلحاح زوجته بألا يفعل وان يظل في بغداد حتى تتضح الأمور.

كما أنه كان يخجل من الهرب كلص وكان يتعامل بجرأة رغم الظروف الصعبة، فذهب إلى بيته وجمع بعض الأثاث، واستطاع أن يفلت لكنه رغم ذلك لم يقاوم حنينه وذهب إلى مقر الحزب، وحين وجد طيف لرجل في المقر دخله، ووجد “ناجي” هناك وهو أحد الرفاق الذي يتواجد بشكل دائم في الحزب، ورغم أن “ناجي” كان قد تخفى حتى لا يأتي “ساري” ويدخل المقر، لكن “ساري” أصر ودخل، وعرف أن “ناجي” قد خاف على حياته وعلى أهله وأبدى تعاونا مع الأمن بأن يكون طعما، ويظل في المقر لكي يتم اصطياد أعضاء آخرين من خلاله، وقد حذره “ناجي” ونصحه بالهروب السريع، لكن “ساري” فقد احترامه ل”ناجي” وعامله بطريقة سيئة ونزل من المقر ولم يعرف مصيره بعد ذلك.

النهاية حزينة وهي اختفاء “ساري” ومقتل رفيق آخر داخل المعتقل اسمه “عبد العزيز”، ومقتل آخرين واستسلام البعض خوفا من بطش السلطة.

الرواية تصور “ساري” ذلك المناضل صاحب المبادئ الذي يخجل من خيانة مبادئه، أو الظهور بمظهر الخائف والمذعور من السلطة، والذي فكر في مقاومة مسلحة اتقاء لغدر السلطة، والذي حدث من قبل أكثر من مرة.

رجل وفي لأفكاره ومبادئه يسعى إلى جذب مزيد من الناس على أرضية هذه الأفكار، ويكره التخاذل والخيانة والتلاعب، كما يكره سعى البعض إلى تغليب مصالحهم الفردية على المصلحة العامة للكادحين.

كما أشارت إلى تلك الأفكار المعادية للشيوعيين المنتشرة في أي مجتمع عموما، وفي المجتمع العراقي حين حاول “ساري” استقطاب أحد العمال المصريين الذين يعمل معهم، وحين حكي هذا العامل لصديقه الأمر أخبره صديقه أن الشيوعيين يعيشون حياتهم بحرية، ويهدون زوجاتهم للجميع، وهذه الأفكار المعادية للشيوعيين كانت ومازالت تنتشر في المجتمعات كدعاية مضادة، ووسيلة لمحاربة الشيوعية وأفكارها السامية، وسعيها لإيجاد مجتمع عادل يقوم على المساواة بين الجميع

كما تطرقت الرواية إلى أحد الشخصيات ويدعى “يونس” الذي سعى للارتباط بفتاة لعوب، ظنا منه أنه سيغير شخصيتها، لكن كان رأي والد “ساري”، وهو أيضا من المنظمين حزبيا، لكن لصالح الحزب الديمقراطي، وكان رأيه أن حالة المجتمع الذي تحكم السلطة قبضتها عليه لن تسمح لأحد بتغيير سلبياته أو تطوير شخصيته، وأن هذا الزواج سينتهي بالفشل.

الرواية على قصرها تتناول موضوع شائك ومهم، وهو الصراع النفسي الذي يدور داخل الأفراد المبدئيين، الذين يسعون إلى تغيير المجتمع إلى الأفضل، وسلوكهم الصارم والحاد والقاطع إزاء بطش السلطة التي تجبر كثير من الناس على الاستسلام لها، أو الهرب، وتختبر بقوتها هذه قوة البشر حتى أنها تجعلهم يتخلون عن مبادئهم ويبيعونها أو يقايضون عليها، في مقابل الشعور بالأمان والتخلص من مصير أسود، إما بالقتل داخل المعتقلات من التعذيب، والتشتت والضياع والفقر والتشرد، أو بالاضطرار إلى الهروب إلى بلد آخر والبدء من جديد في حياة صعبة.

حيث أنه كلما زاد بطش السلطة زاد الفرز،  وأصبح من يتمسك بمبادئه، رغم العواقب الوخيمة، بطلا نادر الوجود يعاني من صعوبات شديدة للاحتفاظ بمواقفه النبيلة وكرامته، وقد أصر “ساري” على أن يكون بطلا، وتحمل ما حدث له، والذي لا نعرفه، لكن يمكن استنتاجه حيث أنه قتل في المعتقل أو أعدم ودفن في أية مقبرة.

الكاتب..

“جودت جالي” كاتب وقاص ومترجم عراقي، يكتب منذ السبعينيات، من مواليد 1951 في بغداد بقرية الرستمية، مارس التمثيل في فرقة مركز شباب الزعفرانية وفازت الفرقة بالجائزة الثانية في المهرجان القطري لمراكز الشباب عن مسرحية له. كتب الشعر مبكرا وحصل على جائزة في مهرجان لثانويات الكرادة الشرقية وعلى الجائزة التقديرية عن قصيدة له في مسابقة لإذاعة صوت الجماهير. نشر أول قصائده في جريدة “الثورة” كما نشر في “الراصد” و”طريق الشعب” و”الفكر الجديد” و”الثقافة الجديدة” مواد متنوعة.

صدر له عن دار الشؤون الثقافية كتابان ترجمةً وتحريراً عن الفرنسية.. (نصوص عن بول ريكور) 2012 و (في المنهج الأخلاقي للعمل السينمائي) 2016 . صدر له من مؤلفاته عن دار ضفاف مجموعة قصص (فك الحزن) 2017 و مقالات في السينما (جهات السينما الأربع) 2017، و(الهجاء في الشعر العراقي ومقالات أخرى في الثقافة والأدب) 2017، ومجموعة (ما رواه العجوز حكمان عن الفتى الجميل جوهر) 2018 ومجموعة قصص أجنبية مترجمة (التودد إلى الزوجة) 2018، هو يعكف على إعداد كتب أخرى للطبع.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة