الميتاشعرية sciteopatem مصطلح ولج بوابة النقد الحديث ليضفي على القصيدة أبعادا جديدة لخصها الناقد ( جون ريتشارد ) بأربع تقنيات لتجليات الظواهر الميتا شعرية وهي :
1- استعمال الشاعر مفردات تشي بعملية القول الشعري
2- استعمال الشاعر مفردات تنطوي على مكونات المنجز الشعري
3- توكيد الشاعر على انه يستوطن ملكوت الشعر وان الواقع المعاش نقطة انطلاقه
4- إشارات إلى اثر القصيدة في نفوس متلقيها .
ولعلنا لا نجانب ما هو نظري حين نقوم بفعل تطبيقي يجتزئ تقنيات معينة من النظرية الأم لتطبيقها على منجز شعري ما . ولأن الشعر ينفردُ من بين كل النصوص الأدبية كونه بنية متكورة على كينونتها بسبب من تكويناتها الداخلية التي تستجلي بعدا خارجيا , لهذا تلعب اللغة دورا مركزيا لأن ( الأنساق الدلالية ما كان لها أن تكون انساقا سيميولوجية , أو دالة , لولا تدخل اللغة التي تكسبها صفة النسق السيميائي )1 . ولأجل ذلك تعدت اللغة المنطقة التي تكون فيها – مجرد – وسيلة فهم , أو تمثيل للعالم , لأنها أضحت وسيلة تأثير في الآخرين لارتباطها بالمواقف المحسوسة في عملية التواصل مع الآخر . ينبني على ما سبق ضرورة أن يعكس الشاعر حركته الذهنية على صياغاته اللغوية لتشكيل منظومته اللغوية , وفكرته الخارجية مما يسهم باستقراء الفكرة الداخلية بواسطة عمليتي الكشف والتأويل . بهذا البعد المترشح مما هو ميتاشعري تواجهنا مجموعة من المتعاليات النصية التي ينبغي تفكيكها وصولا إلى ما يرمي إليه المتن الكبير .
اتخذت العنونة المركزية أصابع المطر بعدا يحاكي الثابت والمتحرك , والجوهر والعارض , التضاد الحقلي الدلالي , اتساع البعد الاشاري الذي أعطى للعلامة اللغوية انزياحاتها الواسعة . إذن عملية الاشتغال على الأصابع هو بعد إيمائي يحاول توصيل معنى إضافيا ليتواشج مع فعل المطر . تعد الأصابع وما تومئ إليه من معان خفية وظاهرة من المجازات المهمة لأنها بؤرة المكنون الداخلي المعبر عنها حسيا , فهي , أي الأصابع , معمل إنتاجي لإرهاصات نفسية داخلية إيمائية يمكن أن تقرأ كما قرأها القائل :
إذا قل مال المرء قل صديقه
وأومت إليه بالعيوب الأصابعُ
إذن الأصابع والإيماءة توأمان , لأن الإيماءة (( تعبير يربط الدال بالمدلول عن طريق الحس القائم على فعل التجاوز ))2 . فمجيء الأصابع مضافة إلى المطر فعل مقصدي لأنها هي التي تقوم بأفعال تتعدى محدودية فعل المطر إضافة إلى أنها تتحرك على أكثر من مستوى حسي ودلالي , وهكذا تمنح الأصابع المطر حرية اكبر في صوره وأشكاله وتشكلاته وأفعاله ويكون للأصابع قصب السبق في اعتلاء عتبة العنوان لأن لها القدرة على تقمص ادوار كثيرة لا يرقى إليها فعل المطر . تتسم العنونة – أيضا – بالاقتصاد اللغوي مما يفتح الباب على التأويل والافتراض ويزيد من القوى الشعرية الذاتية التي يحملها, والفاعلة فيه , وفي المتلقي على حد سواء . وردت العتبة جملة اسمية متكونة من خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه , والأصابع مضاف والمطر مضاف إليه .وإضافة الأصابع للمطر أعطى دلالات حسية إلى ما هو غير حسي, إذ إن الأصابع تتأثر بما هو خارجي , فتنحو منحى موجه من صاحبها , ولأن صاحبها – هنا – شيء ذو وجه فيزياوي , فلا بد من أن تتوحد الدلالتان كونهما من مرجعية واحدة وان اختلف المنشأ . . يلعب التبليغ communication دورا مهما في هذه المجموعة فهو يقود عملية البوح الواردة في قصيدة بوح في لجة الكلام إلى قلب سيرورة الدلالة الرمزية للبوح, لأنه إفشاء يتمفصل في القائم به والشخص الآخر , فهو بنية نفسية لأنه يشي بانفتاح على اللانهائي الذي هو الكلام كونه الحاضنة الأكبر التي يتحقق بها الخبر + الإنشاء وما يحملان من تصديق وتكذيب .ويفضي التبليغ – أيضا – إلى التكلم الحاصل في البنية الداخلية للنص وليس دلالة عليه في البنية الخارجية كونه بوحا يفضي إلى توسيع البنية الجمعية بواسطة ضمير الغائب نحن الذي يعقب مجموعة من الأفعال الحسية : نقترب , نبتعد , نلمح , نتوهم … الخ . كما ونلاحظ تمحور مجموعة من الحقول الدلالية حول مكنونات الشاعر الداخلية ومنها :
حقل الإنسان : الإدراك , التخفي , الأحلام , , المغادرة , البكاء
حقل المعاناة : الشكوى , الغربة , الفجيعة , المحنة , اللهاث
حقل الزمن : النهار , الليل , السنوات , الصباحان
حقل المكان : المقبرة , الطريق , , الساحل , المدن , النوافذ , الشبابيك
هذه الحقول الدلالية تركز على بنية الاسترجاع الخارجي , بمعنى العودة إلى الماضي الذي يتسع مداه طويلا داخل الذات مما يزيد من سعة العبارات النصية وانزياحاتها . إن هكذا تأطير متعدد قد حرر الحقول من آسار التحديد التاريخي وان كان الزمن محددا ببنية ماضوية . إذن الشاعر يقف أمام بطل مضاد هو الزمان بكل محمولاته ويحاول أن يتخطاه برؤى إنسانية عالية
ما يرشح الآن
سحابة عقيمة
أفعى تنث الوشاية في سمرة الورق
يوم آفل
يمحوني من ذاكرة العدم
فأشطب تقاويمه
إلا انه مع ذلك يمر بأطوار ثلاثة من خلال تعامله مع زمان لدود
الطور الأول : التعامل الآني الخارجي : ما يرشح الآن
الطور الثاني : إدراك خطورة الزمان : أفعى تنث الوشاية
الطور الثالث : تجاهل الزمان : اشطب تقاوميه
إن العالم الداخلي للشاعر عالم متشظ يعكس لوعته , ويقدم لنا صورة عن قتامته .إذن النص ينفرج عن حمولة نفسية يعلوها صوت الذات على ملابسات الواقع , وبهذا تحقق الصورة الكلية تساوقا مع التجربة الشعورية بواسطة بنى إخبارية وصفية تقوم بتمعين المستوى آنفا من اجل نمو النص وتعاضده . وينحرف الطور الثاني من زمن لحظوي مفتوح على بنية كلية إلى مستوى داخلي مغلق لكنه يزامن الطور الأول في دورته الكلية بينما يخالف الطور الثالث الفعلين المتقدمين استجابة لنداء الذات وبنحو انعكاسي تؤطرها سيرورة تضامنية منبثقة من الأفعال المضارعة المحكومة بمؤثرات البرانى وبأختلاجات الداخلي المتمثل بإرادة السارد القوية .
المكونات الداخلية
تعد اللغة المكون الداخلي الرئيس للنص وتأخذ منحنين : الصياغة والتعبير . واللغة عند السامر لغة انفجارية , بمعنى ابتعادها عن التعابير القاموسية والتقريرية المباشرة
تنقر أصابع المطر
حافات هشة
من شبابيك الغياب ,
كم احتاج إليك الليلة
لأدون خسارات مواسمي الأبدية
من غير أجنحة خجلة
لاحظ انحراف اللغة عن مدلولها المادي المباشر باتجاه المدلول غير المباشر لأن الواقعة الصورية جاءت مزيجا من الخيال والواقع إضافة إلى ما تحمله من إيقاع هادئ تعزفه الياءات المتكررة بنحو لافت والذي يسمح بتدفق عاطفي وتوازن نفسي على الرغم من الخسارة المتحققة في النهاية .وتتخذ بنية التكرار مكانها في المجموعة عبر مجموعة من السمات التي تفرزها داخل النص ومنها الدلالة الجمالية والأسلوبية والوظيفة البلاغية المزدوجة والانتقال عبر الأصوات المتكررة إلى مناطق أكثر تأثيرا على المتلقي ومثال على هذا التكرير ما حصل في قصيدة منذ لحظتين إذ يتكرر الدال اللساني الظرفي الزماني منذ ست مرات وحرف الجر من أربع مرات مما أعطى للقصيدة شحنة درامية متصاعدة . وثمة تداخل في أزمنة الأفعال , فقد يتداخل الماضي والمضارع لتوليد طاقة تدفع حركة التنامي والاستمرار عبر زمن خطي مسترسل داخل التشكيل اللغوي وهو عرض لتجاذب الذاكراتي كحمولة ماضوية والحالي كحضور فاعل يؤكد على الإصرار والمتابعة
هناك …
ينقر نافذتي
مثل مطر مفاجئ .
كنت قد اوقدت شمعتي
تأخذني إلى حيث وردة حمراء,
اليد القابضة بحنو
أضاءت مساحة الروح
اجتازت المحطات .
إن النص – هنا – غير متأثر بالمحيط الخارجي لأنه متصل بالسارد المتكلم , فاليد القابضة هي يده التي تحرك الداخل حركة لولبية , فينعكس معناها على العالم الخارجي . إن هذه الانتقالة الزمنية من ظلمة سابقة إلى نور تحدثه الشمعة المضاءة في الزمان والمكان في الوقت نفسه ما هو إلا عملية عرض جارية –هنا – بنحو تدفقي لأنها اتخذت طبيعة حركية من خلال الأفعال المضارعة التي تشكل متوالية تتعالق بأواصر منطقية يكمن سببها فيما يتبدى من الفعل ينقر الذي يعد السبب الأول في النتائج المتحققة لاحقا . فتغييب المكان يشي بمطلقيته بسبب من تكافل الظرفين المكانيين هناك + حيث غير الموسومين مكانيا بيد إن لهما تأثيرا على المستوى المنبثق من داخل الذات الساردة والمتحقق في إضاءة الروح + اجتياز المحطات .
هي
امرأة تلملم حروف النافذة
تعطرها ببقايا حب
اسمها ليست هكذا
شكلها ليس هكذا
طولها
وقفتها
عيناها
وحتى حركة الأصابع
فوق قلبي
هي أيضا
ليست هكذا
السرد البراني
يتعمد السارد تغييب الشخصية الرئيسة بيقينية الرفض المتحصل عن قناعة بواسطة الدال اللساني النافي ليس على الرغم من قربها منه كونه عارفا بأنها التي تقوم بعملية اللملمة بيد إن مقصدية التغييب تكمن في مآلات عملية الترصد من قبل السارد , إذ إنها تجري في مدار الجواني لذلك لم تشتغل الأبعاد الرؤيوية بل اشتغلت أبعاد الرؤيا المتصورة بقصد تحقيق النزوعات الداخلية التي ستتبلور في الكلام اللاحق
أمنحيتي
لحظة عشق قصوى
أمسح فيها
سنواتي المعتمة بالأسى ,
افتحي لي بوابة قلبك
نافذة لا تشع إلا بأسمىينا
ضعي يديك الصغيرتين
تحت معطفي
يتحد فيهما قلبانا
انه يغيب شكلها , صورتها , تقاطيعها , ويتحول إلى مناجاة دواخلها , فلحظة العشق هي الزمن المضيء , وهي الرمز الموحي بالنور الذي يبدد ظلمة العمر , أما القلب فهو الدلالة التي تنبثق عنها كل الآمال حيث تحل المرأة في جسد السارد ليكونا جسدا واحدا لا يعرف الانفصال . إن فعل الطلب المتكرر يشي بتطور الرقعة المكانية التي تحتلها المرأة الحلم بداخل السارد والتي انكشفت بنحو مصرح به في آخر القصيدة
أنت
امرأة لا تشبه سواها ,
امرأة أخرى
انبثقت
بين الأرض والسماء
إن السارد يضخ معلومة جديدة أرجئت إلى النهاية بواسطة تسخير الرمزي الذي أخفى الجسد واظهر السمو الروحي بصفاته المتعددة مما يجعل المرأة رمزا لكل القيم النبيلة والسامية التي تضفي على الآخرين سعادة لا تعرف الذبول .
الهوامش
1- دروس في السيمياء حنون مبارك ص72
2-التفكير الدلالي عند المعتزلة د .علي حاتم الحسن دار الشؤون الثقافية بغداد 2001 ص82
3- المصدر السابق ص92