23 ديسمبر، 2024 5:37 م

لماذا حرض  (مرشد الإخوان) على قتل الشيخ حسن شحاتة؟

لماذا حرض  (مرشد الإخوان) على قتل الشيخ حسن شحاتة؟

( ما نراه  اليوم في عهد  محمد مرسي أهانه لتاريخ مصر وشعبها ومستقبلها )
محمد حسنين هيكل

 قد لا تصح المقارنة للوهلة الأولى بين عالم اجتماع عبقري مثل الراحل علي الوردي وعالم جغرافيا مثل المصري جمال حمدان الذي  رحل قبل 20 عاما إلا أن كليهما أبدعا في وصف العوامل المؤثرة على بناء شخصيه  الإنسان العراقي والمصري ودور العوامل التاريخية والجغرافية المختلفة في أعرق حضارتين على الأرض و رسم ملامح شخصيه أبناء النيل وودادي الرافدين التي لا يمكن الحديث عن بداية الإبداع البشري  دون بدء السطر الأول فيهما وعنهما معا ليصل الوردي إلى استنتاج يكشف عن نوع من الشراسة في الشخصية العراقية تجعلها عنيفة و عدوانيه فائرة الدم ومتناقضة السلوك تحت تأثير البداوة وما  جلبه السهل الغني بثرواته من إغراءات للغزاة على مر التاريخ الذين لا يشعرون بسطوتهم وجبروتهم الا بعد احتلال العراق (دره الدنيا) منذ عهد ادم الى بوش….. مهما تبدلت الجيوش والعروش.
  وقدر البلدين إنهما (نهر الحضارة وبحر التاريخ) فكأنما كل أصابع الطبيعة تشير الي مصر والعراق قدريا وكأن خطة علوية قد رتبها الخالق الأعظم لتجعل منهما قطبا أعظم في جغرافيه العالم القديم. لكن الحضارتين اختلفتا في جوهرهما مما انعكس على كلا الشخصيتين العراقية والمصرية . فيصف الكاتب سليم مطر حضارة وادي الرافدين بأنها( حضارة خطيرة بقد رما هي جبارة وغنية وعظيمة. أنها أشبه بالحيوان المفترس الذي يحتاج الى الكثير من القوة والسيطرة والمراوغة والتركيع والتجويع من اجل تدحينه وترويضه  في حين ان المصرية حضارة روحانية أخروية جوهرها تقديس الحياة الأخرى، لهذا فأن أعظم رموزها هي (الأهرام)، وتقديس قبورا الملوك، وكتابها المقدس هو(كتاب الموتى) الذي فحواه كيفية تجاوز يوم الحساب وبلوغ الآخرة.
بينما حضارة  السومريين والبابليين والأشوريين مادية دنيوية لا تؤمن بالحياة الأخرى ولا بجنة موعودة، بل غايتها الدنيا والمتعة، لهذا فأن أعظم رموزها هو (برج بابل والجنائن المعلقة) وهي رموز دنيوية غايتها العظمة والمتعة، أما كتابها المقدس فهو(قصة كالكامش) الذي أعلن صراحة استحالة بلوغ الخلود وان غاية الإنسان هو التمتع بالدنيا فكان العراق مقرا لإمبراطوريات كبرى توسعية منذ البابلين والآشوريين، وصولا لأخطرها إمبراطورية العباسيين التي حكمت نصف آسيا وشمال إفريقيا طيلة قرون. بل ان هذا البلد كان كذلك مقرا وعاصمة لإمبراطوريات اجنبية كبرى، مثل إمبراطورية لاسكندر المقدوني ثم الساسانيين الذين اختاروا المدائن عاصمة لهم. اما الحضارة المصرية فإنها  بقيت طيلة التاريخ حضارة مسالمة، لم تنبثق فيها دولة توسعية ولم تمارس الغزو الخارجي ألا لأسباب دفاعية، اذ ظلت دائما معتكفة على ذاتها وعلاقتها مع الجيران قائمة على الحماية والدفاع وليس التوسع والغزو.
فيما يكتشف جمال حمدان تركيبه مغايره للشخصية المصرية عن العراقية تحكمها الجغرافيا والتاريخ معا بإبعاد مغايره لا تتعلق فقط باختلاف جريان النيل من الأسفل للأعلى على عكس دجله والفرات  واختلاف موسم فيضانهما ويرى ان مصر جمعت في آن واحد بين قلب إفريقيا وقلب العالم القديم لكنها أسيويه في التاريخ,, تقترب في الوقت نفسه من أوروبا.
 وصفها المقريزي بأنها (مجمع اليابس ومفرق البحار, أرض الزاوية في العالم القديم, قلب الأرض و متوسطة الدنيا البلد الوحيد الذي يلتقي فيه النيل بالمتوسط, الأول بالطول والثاني بالعرض…) ويتوصل حمدان انه لا وسطيه في تاريخ مصر, إما قوة عظيمة سائدة رادعة, وإما تابعة خاضعة عاجزة فقد عاشت إلفي سنه في قمة الحضارة ثم عاشت ألفي سنة أخري في ظل التبعية الاستعمارية وتحت السيطرة الأجنبية, حتي تساءل البعض: أهي أعرق أمة في التاريخ أم في التبعية والرضوخ؟
 سؤال محرج قد ألقى ظلالا كثيفة علي الشخصية المصرية وعد أسوأ نقطة سوداء فيها بجانب الطغيان الداخلي ورغم ذلك فقد جبل المصريون على المسالمة والهدوء والتفاؤل واحترام قادتهم في حياتهم  على عكس طبع العراقيين الذين بكوا  الإله تموز ومن ثم الحسين لثلاثة ألاف عام والذين غالبا ما كانت صلتهم بقادتهم متوترة مضطربة غير قائمه على الود بل السحل والقتل لان بدايات التغيير السياسي لديهم غالبا ما كانت دمويه   ألت لنفس المصير التراجيدي على مر الزمان لأنها ارض السواد.
  أتقدم بهذا الاستطراد المقارن بعد ان شهدت مصر وخلال عام مضى على رئاسة محمد مرسي والإخوان المسلمين موجه عنف غريبة  في تاريخها قد تتطلب من الباحث العراقي باقر ياسين ان يراجع كثيرا تصوراته بشان( تاريخ العنف الدموي في العراق) مقارنه بما تشهده مصر اليوم من عمليات قتل واغتصاب وتنكيل وسحل وعنف اجتماعي متبادل ربما اعتاده العراقيون عليه عبر تاريخهم لكن مصر لم تعرفه من قبل  والذي بلغ ذروته في  حادثه (زاوية أبو مسلم) في الجيزة التي راح ضحيتها الشيخ حسن شحاتة وشقيه واثنان من إتباعه والتي تذكرنا بسحل نوري السعيد والوصي عبد الإله ظهيرة 14 من تموز  في بغداد1958 وما شهدته كركوك بعد ذلك بعام  من مجازر فتحت أبواب العنف والدموية التي باتت تتسع كل يوم في العراق.
 أنها المرة الأولى التي تشهد فيها مصر التي كانت حاضنه لفكر أهل البيت من خلال الأزهر الشريف كرمز ديني وفكري للتشيع  فتنه طائفيه من هذا النوع الوحشي  لأنها لازالت تعتز وتتمسك بمراقد  أهل البيت وتتبرك بهم ولان مذهبها اقرب للوسطية والاعتدال …وعلى الرغم من حماس الفاطميين الشديد في نشر التشيع في مصر الا انهم لم يجبروا أحدا على اعتناقه، ولم تتعصب ألدوله الفاطمية ضد المذاهب الأخرى، فقد تولى السنة والأقباط واليهود مناصب مهمة في الدولة.كذلك عامل الفاطميون أهل الذمة في مصر معاملة حسنة وسمحوا لهم بالاحتفال بأعيادهم بمنتهي الحرية وشاركوهم أعيادهم.

 لقد أجهز صلاح الدين الأيوبي على الدولة الفاطمية و التشيع معا في مصر بالعنف بعد مائتي عام لان الدولة الفاطمية كانت قد وصلت الى سن الشيخوخة بعد قرنين وأصابها التحلل وأصبحت   دولة منحورة  من الداخل وقد سقطت  شرعيتها الدينية وهيبتها وقوتها  لأن قادتها انخرطوا في  صراعات ومؤامرات ضد بعضهم البعض وصلت الى درجه  ان تحالف بعضهم مع الصليبيين  ضد الخليفة العباسي في بغداد  فيما كان بعضهم الأخر يستنجد بنور الدين زنكي حاكم حلب والشام الذي استغل الموقف و أرسل لهم جيشا بقياده  صلاح الدين الأيوبي( 1137-1193 )ولذلك كانت عملية إنهاء الحكم الفاطمي في مصر سهلة للغاية… فصلاح الدين  حول انتصاراته على الصليبيين الى رصيد يمنحه الحق على نقل مصر  وتغيير مذهبها بسهولة بعد ان أفل نجل الفاطميين لكن القائد الكردي لم يستطع أن ينتزع جذور حب أهل البيت من قلوب المصريين.

كان من السهل على العلامة الشيعي اللبناني  عبد الحسين شرف الدين رحمه الله ان يقنع الأزهر بالاعتراف بالمذهب الشيعي بعد حوارات استغرقت لسنوات طويلة  وهو تلميذ المرحوم احمد بك المصري وشاركه في تأكيد شرعيه مذهب الأمامية والزبدية ابو زهره والغزالي ولشعراوي وعبد الرحمن بدوي وعبد الرحمن النجار والرافعي  ومرشد الإخوان حسن ألبنا ومرجع السلفيين محمد رشيد رضا وخالد محمد خالد واحمد ألحصري والسر طاوي وآخرين من علماء الدين في مصر  التي لم تشهد أي نوع من اضطهاد الأقليات الدينية لأنها أصلا حضارة منفتحة على البحر المتوسط واسيا وإفريقيا وقد جعلها الله ملجأ للباحثين عن الأمن والأمان ( ادخلوا مصر ان شاء الله امنين ).
 غير أن خطر التطرف بدا يتفشى في مصر بعد اختطاف الإخوان المسلمين للسلطة ومصاهرتهم مع التيار التكفيري بفضل عدد من دعاته الذين سرقوا ثوره الشعب المصري  والتي هي أشبه باستعادة لما شهده العراق وسوريا من موجه تكفير طائفي لم تعد تخفى على احد هوية الجهات الداعمة والممولة لها  والمحرضة عليها وأهدافها بعد ان غرقت المنطقة ببحار من دماء الأبرياء أبناء البلد والدين الواحد.
 ان الشيخ السلفي المصري محمد حسين يعقوب وإمام المئات من إتباعه في القاهرة يقول انه حاور محمد مرسي قبل توليه للرئاسة وقال له مرسي ( أن ألشيعه اخطر على الإسلام من اليهود !!!!) بينما كرر الشيخ محمد حسان نداءات الاستغاثة ( لا تفتحوا أبواب مصر للرافضة!!!)  وهي صرخات فتنه لم تنبع من ارض مصر من قبل .
في ظل ارمه سياسيه  واحتقان سلطوي  بات يهدد برحيل الإخوان عن عرش مصر اخذ مرسي الذي يتلقى تعليماته من (المرشد العام للإخوان) كحركة عالميه مارست العنف منذ نشاتها  الى التصرف مجددا بأسلوب التصفيات الوحشية التي مارستها أجنحه تابعه للحركة في ليبيا وسوريا والعراق خاصة بعد (معركة القصير) وما تلاها كما ان الحركة لم تكن راغبة لاهي ولا مموليها العرب ولا البيت الأبيض على الانفتاح الذي بادرت به إيران ومن ثم العراق تجاه القاهرة حيث طلبت هذه الجهات من مرسي إعلان الطلاق الطائفي- السياسي بعمليه (دمويه نوعيه) تلهي المصريين عن حاله ألعزله و توجه في ذات الوقت رسالة ترويع وصدمه للمعارضة المصرية لثنيهم عن مظاهرات 30 حزيران/ يونيو ومن هنا وقع الاختيار على الضحية الشيخ حسن شحاتة التي تؤكد مصادر كثيرة أنها  لم تكن عفويه بل تم التخطيط لها  وتنفيذها في منتصف شعبان ولم تتدخل الجهات الأمنية لمنعها.

 قبل أسبوعين من  عمليه الإعدام والسحل الطائفي  خطب مرسي  وسط الآلاف من السلفيين ومؤيدي القاعدة  والجهاد الطائفي كرد فعل على هزائمهم في سوريا ناعتا ألشيعه (بالأنجاس والروافض) وهي دعوه تحريض طائفيه علنية على القتل والتكفير لم تلق أي رد فعل مباشر لا من النجف أو طهران ولو ببيان استنكار خجول وكانت تعني صراحة إقدام أعلى سلطه في مصر على  إهدار دماء مواطنيها هؤلاء في ظل احتقان سياسي وفوضى عارمة تهدد في إدخال مصر بدوامه عنف خطيرة  تهدد بتمزيق قلب العروبة كاستمرار لفصول مشروع دويلات الطوائف التوراتي.
لم يظهر الرئيس مرسي ولا الناطق باسمه لاستنكار الجريمة البشعة  ضد أربعه من مواطنيه ولم يشر لها الرئيس الفاقد لأعصابه وشرعيته في خطابه بمناسبة مرور عام على توليه للسلطة في مصر وجاءت تصريحات العريان وغيره  من قيادات الإخوان مناقضه تماما لسلوكهم التحريضي ومواقفهم الطائفية تجاه مجمل الصراعات في المنطقة التي دفع ثمنها مواطنون مصريون بتخطيط مسبق لا ذنب لهم سوى أنهم  يحبون أهل البيت.
 كيف يمكن لرئيس دوله ان يحرض على قتل مواطنيه بهذه ألطريقه الوحشية البشعة التي تفتح الباب إمام مجازر أخرى ليس ضد ألشيعه المصريين فقط وإنما أيضا ضد الأقباط والأقليات الأخرى ومن قبلهم معارضوه السياسيون.
تبقى هناك حقيقة واحده وهي إن دم الأبرياء أيا كانت جنسيتهم ومعتقداتهم لابد ان يعصف بعروش المستبدين والطغاة  كوعد الهي وحقيقة تاريخيه سياسيه وسوف يلقى هؤلاء الذين تلطخت أيديهم بدم أهلنا في مصر نفس مصير الفرعون قريبا بإذن الله وأراده الشعب المصري الثائر على لصوص السلطة في (ام الدنيا) مصر العروبة والإسلام والتسامح والتعايش.