23 ديسمبر، 2024 10:16 م

بعد تراجع الاسلام السياسي ، هل يطرح الليبراليون انفسهم كبديل ؟

بعد تراجع الاسلام السياسي ، هل يطرح الليبراليون انفسهم كبديل ؟

هزت الثورة المصرية في 30 يونيو الماضي عروش الاسلاميين العرب وقطعت عليهم الطريق السريع) للوصول الى الحكم في دول الربيع العربي. هذه الحقيقة شكلت نقطة تحول في الايديولوجية السياسيية للقوى المتنافسه . الدول العربية عموماً ودول الربيع العربي خصوصاً يجتاحها التنافس على السلطة وصعود التيارات الاسلامية المتشددة على حساب التيارات المعتدلة والليبرالية والعلمانية بشكل عام. لقد كان اليوم الذي اصر به شعب مصر بازالة حكم الاخوان المسلمين من السلطة يستحق من الليبراليين العرب وقفة تامل لعملهم السياسي والتنظيمي , التاريخ المذكور كان بمثابة قُبلة الحياة التي اهداها شعب مصر الى العلمانيين  في الشرق الاوسط بشكل عام، هذا الشرق المستسلم امام صعود التيار الاسلامي الكاسح . اذن من التاريخ المذكور فصاعداً هل ستتحرك القوى السياسية العلمانية والليبرالية المعتدلة كي تطرح نفسها كبديل للتيار الاسلامي الذي فشل في التعاطي مع المنطقة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ؟
للجواب على هذا السؤال المهم في المرحلة التاريخية الحاسمة من الايديولوجيا السياسية والتغيير السياسي في المنطقة، علينا ان نعرف من خلال ماسيقوله ويصرح به التيار الليبرالي العربي عن نيته في المرحلة القادمة وهل من الممكن اعادة النظر في الاساليب السياسية والتنظيمية والبنيوية ةالمالية التي كان ينتهجها التيار العلماني بشكل عام في قضية التعاطي مع الشعوب والحكومات الشرق اوسطية ؟.
ونعود لنقيم تجربة التيار الاسلامي المتشدد الذي ارتقى الساحة السياسية منتهجاً سياسة العنف والميكافيلية واستغلال عقائد المسلمين واستخدام اساليب التجهيل وتسطيح الوعي وغسيل المخ واللعب على المشاعر والعقائد الدينية ، فضلاً عن قدرة التيارات الاسلامية على جمع المال وتوفير مصادر تمويلية ضخمة مكنته من امتلاك السلاح والمعلومات واغراء الاتباع واسكات المعارضين بنظريات الغاية تبرر الوسيلة.  لقد تراجعت التيارات العلمانية والليبرالية والوسطية المعتدلة امام المارد الاسلامي المتشدد الذي لم يتردد خلال العقود الثلاث المنصرمة من استخدام العنف والارهاب والمتاجرة بالممنوعات من اجل تغذية اهدافه الكبرى في اقامة دولة خلافة (اسلامية) مشوهة مبنية على اسس وقوانين متخلفة حتى الاسلام في ذاته لم ينتهجها في بدايةانتشاره وسط جزيرة العرب القاحلة.  تراجعت التيارات العلمانية لانها لم تكن تمتلك قدرة التيارات الاسلامية المالية والعقائدية وصناعة ايديولوجية لصالحها مرتبطة بشكل مباشر باجندتها السياسية ، كما يجري على سبيل المثال في ميدان رابعة العدوية حيث يربط خطباء الاخوان العامل الديني والعقائدي مع العامل السياسي لاعادة الحكم اليهم . لايملك التيار العلماني تلك القدرات الفائقة في المال والعقيدة والسياسة وسلاح الفتاوى والقدرة بالاقناع والترهيب والترغيب لذا كانت النتيجة تراجع ذلك التيار واكتفاءه بدور المراقب لعدم قدرته على التنافس . .
بعد الثورة المصرية على الاخوان بدأت نهاية تيار الاسلام السياسي , تلك النهاية التي ستكون دراماتيكية في مصر وسوريا وتونس وليبيا والعراق وتركيا وايران ودول اخرى، ربما سيكون هناك فارق بالترتيب الزمني لكنها بداية النهاية. لم تكن تلك نبوءة بل اخطاء التيار الاسلامي وظلمه  وارهابه للناس وجهله وعدم قدرته على ادارة ولو قرية واحدة جعلته يفقد شعبيته… التيارات العلمانية تحتاج ان تستغل فرصة ترنح التيار الاسلامي وتراجعه واظهار احزابها كبديل لادارة شؤون المجتمع و السياسة والاقتصاد.
اظهركثيرمن اتباع التيار الاسلامي تسلط وسوء ادارة وفساد مالي واداري واخلاقي اينما حلوا، وهذه الامور تحفز التيارالعلماني ان ينتهج منهجية اخرى مخالفة لمنهجية التيار الاسلامي في اساليب الادارة والحكم في حال فوز احزابه في الانتخابات 
 
تحديات
نجحت دول الربيع العربي في استقدام اسس ديمقراطية وليدة على الرغم من التعثرات العديدة والمشاكل الادارية والسياسية والامنية المتنوعة التي تعاني منها تلك الدول. مع ذلك تمكنت احزاب التيار الاسلامي من االفوز مستفيدة من الاسس الديمقراطية الجديدة لانها كانت تستغل ثقافة الشارع (ثقافة دينية متوارثة)  وتمتلك تاثير مباشر على المواطن وهذا ماساعدهم على احراز التقدم في العملية السياسية على حساب منافسيهم العلمانيين والليبراليين والمستقلين التكنوقراط  كما حصل في العراق ومصر. التيارات اللادينية في الوقت الحاضر امام هذا التدي اذ كيف يمكن نشر ثقافة علمانية ليبرالية معتدلة لا تتقاطع مع الدين على اعتبار ان العامل الديني يشكل محور التفكير في ذهتية المواطن الشرق اوسطي . نمو الهاجس الديني هو حالة من التراجع المعرفي وسط البيئة الدكتاتورية التي حكمت ومازالت تحكم العديد من دول الشرق الاوسط ، تلك البيئة التي كانت تفتقر الى النمو والعدالة الاجتماعية وانعدام الجمعيات وتكبيل الحريات . تلك البيئة كانت الحاضنة الاولى لنمو الحركات الاسلامية المتطرفة والارهابية , لهذا لما ازيلت الانظمة الدكتاتورية في دول الربيع العربي حلت محلها تلك الحركات الاسلامية على الرغم انها لم تشارك في ثورات الربيع العربي بشكل فعال حيث معظم تلك الحركات كانت تستدعي مصالحها السياسية مهادنة تلك الانظمة , اي انها كانت تحمل اجندات فئوية لا مشروع وطني من اجل الشعب ولهذا سقطت في اول اختبار سلطوي لها كما هو الحال في مصر والعراق الذي مر على حكم الاسلاميين فيه عشر سنوات دون نجاحهم في اعادة بناء كيان الدولة العراقية. 
 
العلمانيون واجندتهم
 
العلمانيون عنوان عريض لفئات عديدة لا تتبنى الدين في اجندتها الفكرية والسياسية. اما الليبراليون فهم علمانيون يتبنون المذهب الليبرالي في الفكر والسياسة والاقتصاد والليبرالية كلمة لاتينية تتكون من كلمتين مدموجتين هما ليبرتي اي الحرية والمساواة ، وتلك معتقدات  معتقدات سادت منذ القرن الثامن عشر في بريطانيا وكان اول داعية لها هو العالم الاقتصادي البريطاني ادم سمث  . الليبرالية ربما لم يجد لها معجم اللغة العربية كلمة مرادفة لها, وهو امر ليس مهم لكن الاهم بقيت الليبرالية بعيدة عن واقعنا العربي ومفاهيم الفكر السياسي العربي المتخلف الذي تختصره فكرة القائد الاعظم وامير المؤمنين والفكرالديني الظلامي المزمن وبقية الافكار النمطية او مايسمى بالاستريوتايب الذي يتالف ويسلم بها المجتمع الشرق اوسطي المسلم
 الليبرالية تعني الافكار والمعتقدات التي تؤمن بالانسان وحريته ومعتقداته كفرد محترم له حقوق العيش الكريم على هذا الكوكب بلا تفرقة او تمييز ولا يجب التدخل بافكاره ومعتقداته ودينه من قبل اي جهة او حكومة. الليبرالية تعني الايمان باقتصاد السوق ومتطلباته وحرية النشاطات التجارية والتبادل الاقتصادي والاستثمار وعلى الحكومات ان لا تتدخل بشؤون السوق باستثناء القوانين المنظمة ودعم البنية التحتية من طرق واتصالات وتوفير مصادر الطاقة .  الليبرالية ايضاً تعني دعم الدستور والقانون وحماية الديمقراطية وممارسة الانتخابات النزيهة واعطاء حق للمجتمع بممارسة تكوين مؤسسات المجتمع المدني في دعم المنجزات ومراقبة الحكومة وتطوير المجتمع وتوسيع رقعة الوعي وحماية حقوق الانسان وحقوق الحيوان وحماية البيئة وعلى الحكومة تنظيم مؤسسات المجتمع المدني بقوانين خاصة. الليبرالية تعني اطلاق نشاطات القطاع الخاص في الانتاج والخدمات والصحة والدعم اللوجستي للشرطة والجيش وقوات الامن . الليبرالية تعني تطوير الفرد اقتصادياً وصحياً وتمتعه بالامان في حركته ونشاطه , الفرد في العقيدة الليبرالية هو اليد الخفية التي يقوم عليها المجتمع والدولة كما يقول ادم سمث. الليبرالية في المحصلة تدفع الدولة لان تكون عضو فعال في المجتمع الدولي وفي مجال الانتاج والنظام المصرفي والاقتصاد والاستثمار والتحالفات ولعب دور فيي مجال السياسة الاقتصادية الدولية. الدعوة الى الانضمام الى الفكر الليبرالي يعني الدعوة الى احترام الفرد ومعتقداته الدينية والفكرية والسياسية . الدولة بحاجة الى الفرد كطاقة منتجة مستثمرة بناءة بغض النظر عن معتقداته وافكاره التي يضمن الدستور احترامها من قبل الافراد والمؤسسات والحكومات.
 هذه الافكار تحتاج الى تسويق شعبي لانها بديل عن افكار نمط الاسلام السياسي التي تستخف بالانسان والانسانية وتفسر الاسلام وفق اجنداتها .
في الغرب نجحت هذه الافكار الى حد كبير ومنعت تدخل الكنيسة في شؤون الدولة وجعلت الدين علاقة شخصية بين الفرد ومعتقداته دون تدخل . في الغرب تحول الدين المسيحي الى قيمة عظمى للمحبة والسلام ومساعدة الاخرين  يتبناها من يشاء ويمارس طقوسها دون تدخل او ازعاج او فرض اجندات وافكار سياسية.  لقد ساعد العلمانيون واتباع المذهب الليبرالي الدين في الغرب ان يحافظ على وجوده داخل الكنيسة وتفرغ السياسيون والتكنوقراط والليبراليون الى بناء الدولة واطلاق مواهب الفرد وتطويره بعيداً عن اي تاثير ديني او سياسي . نحن بحاجة الى شرح كل تلك المفاهيم وتحويلها الى ثقافة شارع بعيداً عن افكار الاسلام السياسي التي تشجع على الفرقة والتخلف والحقد والقتل والارهاب. لم يكن الامر سهلاً امام التيار الليبرالي والعلماني لكي ينشر افكاره كثقافة امة مبنية على حسن الخلق واحترام الخصوصية معتقدات الناس واحترام الدين الاسلامي كاحد ثوابت المؤمنين به ولكن حري بالتيار العلماني ان يركز على بناء الدولة ومؤسساتها وتقوية الفرد والمؤسسة ورفع مستواه الانساني وجعله فوق مستوى السرقة والخيانة والالتفاف على القانون ونشر الحب والتسامح بمفاهيم انسانية راقية يفتقدها الشارع العربي .