في البداية لستٌ روائياً و لا كاتب مسرح و لا طبيباً جراحاً ، و لكنه الحب والضرورة يدفعان بي الى الكتابة بهذه الشاكلة وهذا النمط، أملاً ان يكون همسة في الآذان وبداية الطريق نحو التصحيح والعلاج وباباً ندخل به الى صالة العمليات .
نعم انها صالة العمليات المكتضة بالارسِرة والاجهزة المتنوعة والادوات المتعددة في الحجم والاستعمال واجراءات التنظيف متشددة لكي لا تفسح المجال للبكتريا والفايروسات ان تنمو و تتكاثر وتعمها الهدوء الحذر، حيث طاقم العمليات تنتظر تلك اللحظة التي تقرع باب الصالة ليأتي بمريض يشكو من الجراح او الآلام وسرعان ما ينهض الجالسون في جوٍ من الوئام و يتوجهون الى هذا المسكين الذي ينتظر قرار اجراء العملية له الذي يتطلب توقيعه او توقيع ولي أمره احتياطاً لأي امر سوء , وعندها تبدأ العملية بالتخدير لتنتهي بالخيط والتداوي حيث كانت الانسانية شعار ومبدأ العاملين في الصالة وانقاذ روح انسان هدفهم , ولكن المصيبة تكمن في ان يقوم هؤلاء الاطباء بالمناقشة الطويلة وتشتد الخلاف بينهم، بين من يرى ضرورة العملية و اخرين يكتفون بعلاج وقتي مسكن لفترة من الزمن لتعود الالم ثانية ، والمريض يتصارع مع الحياة ويشكو من الالم و يرتفع اصواتهم و يبدأ البعض بالاستعداد للمواجهة و يزداد الاوضاع سوءاً عندما يتنقل صراعهم على المريض الى خلافات شخصية سابقة و احداث ماضية و تتحول صالة العمليات الى حلبة الملاكمة لتصفية الحسابات القديمة، و المريض يرى بأم عينيه موته المحتوم على ايدي مجموعة من لاعبي المصارعة الحرة و تستمر الشِجار و نطق الالفاظ البذيئة و ترتفع اصوات المحايدين بضرورة الانتهاء، و ان المريض على حافة الموت ،و لكنه دون نفع و لا تجد آذاناً صاغية و حينها يتدخل من خارج الصالة وحتى يتم استدعاء الشرطة لتفرقتهم و كل هذا يكون على حساب المريض المسكين الذي يأن تحت الالم و لا يعلم به الا هو (هذه مجرد صورة تقريبية للمشهد السياسي في العراق و اتمنى ان لايكون حال صالات العمليات في المستشفيات كما ذكرناه)
ففي العراق الذي يأن من امراض عديدة منها المحاصصة الطائفية و الفساد المستشري ، فانه يأتي في المرتبة 168 – 180 من بين اكبر الدول فساداً في العالم حسب تقرير منظمة الشفافية العالمية ،و قلة الخدمات مثل الكهرباء و الماء و الشوارع، ناهيك عن البطالة و الفقر ، هذه الامراض دفع بالمواطن العراقي ان يفقد حبه لوطنه و يحسد على اوطان غيره، رغم ما وهبه الله من الانهار الجارية و الاراضي الخصبة و النفط المتدفق و الخيرات الكثيرة .
هذه الامراض سببها طبقة سياسية حاثت في العراق فساداً و دماراً , و لم تستطع ان تتعامل مع الشعب الاعزل على اساس المواطنة و عدم التمييز في الدين و العرق و القومية . و ادخلوها الى صالة العمليات لأن حلولهم كانت مجرد مسكنات وقتية تصب في صالحهم ،و ان العراق على فراش الموت السريري وقادتهم لا يزالون يتصارعون فيما بينهم على تأمين اكبر حصة من المناصب و جمع الاموال و يبحثون في الامور الجانبية من اجل قتل الوقت، لانه الفرصة الذهبية التي لاتتكرر لهم و لا يهمهم العراق .
ففي هذه المرحلة العصيبة حيث خروج آلاف من ابناء الشعب الى ساحات الاعتصام و يطالبون بحقوقهم المشروعة و وصلت العنف الى الذروة و المؤسسات الحكومية على حافة الانهيار و يتجه العراق الى المصير المجهول و لكن الطبقة الحاكمة يتصارعون فيما بينهم على المناصب و كسب المال او على اقل تقدير كسب اصوات الشعب للانتخابات القادمة فيما اذا جرت بل و البعض منهم يعتبرونه فرصة ذهبية لا تتكررعليه الاستغلال في احسن وجه لصالحه ،و هذا ما يجعل شعاراتهم الوطنية تحت المجهر و يستمر صراعاتهم على ضمان مستقبل لهم في حكم البلاد .
السؤال المهم متى يكون للعراق قيادة سياسية همهم و هدفهم خدمة العراق قبل ملئ الجيوب على حساب الشعب المسكين الذي لا يرحم إذا قام؟!!