( أنطباعية تنصيصات المهاجر و إشكالية مهجر النقد النظير )
خلفية مقدماتية : أن عملية الدخول إلى عوالم الناقد و الباحث إيهاب حسن ، تتطلب منا ضرورات فهمية و تثاقفية خاصة ، في الوقت الذي فيه يلوح إيهاب عبر افكاره في كتابه ( النقد النظير ) و كتاب ( الخروج من مصر / سيرة ذاتية ) و كتاب ( براءة جذرية : الرواية الأمريكية المعاصرة ) و كتاب ( إرث العائلة ) و كتاب (تقطيع أوصال أورفيس ) و مجمل هذه المؤلفات ما أخذ منها يتراوح ما بين حدود النقد الأدبي من حيث الجملة و سياق الإنشاء الموضوعي و محتوى خطابه الشكلي دون توافر أية حدود تقويمية أو معيارية للنقد الأدبي الجاد ، فيما راح كتاب ( النقد النظير ) يشغل لذاته ذلك الإحياز المتمرد و الرافض لموقفية الناقد الأدبي ، حيث راح يتحفز حول مهام الناقد الأدبي النمطي ، مشيرا إلى كونه لا يتخلى عن طابعية أدواته و رؤيته الشخصانية في دراسة النص المطروح نقدا . أن القارىء لكتاب ( النقد النظير ) لربما يعاين موقف إيهاب حسن في وضع منهاجية غريبة لذاته الكتابية و التي أخذ يزعم لنفسه من وراءها كهذه التي حلت بنا في هذه الفقرات : (في هذه المقالات لم أكتب بصفتي ناقدا أو باحثا .. و لم انتحل شخصية الشاعر أو الروائي أو الكاتب المسرحي .. ولكني أحاول أن أجد صوتي في الأشكال الفردية التي يقتضيها التأمل أحيانا . / النقد النظير ) لهذا السبب ظلت الأنا النقدية المفهومية لدى إيهاب بعيدا عن حدود مصدرية التجنيس و التعريف و التصنيف في غياهب المصطلح النقدي المابعد الحداثوي ، و دخولها المباشر في آليات خطاب ترتسم ملامحه في أفق انشطارية الذات المفكرة و المتحررة ، دون أدنى أحكام أو قيود نوعية معروفة الأفق النقدي و أيديولوجية النص المناظر . أن عوالم رؤى إيهاب حسن رديفة لفاعلية الخطاب النمطي في التجنيس ، فهو في منجزه المؤلفاتي ، غدى يعكس ثمرات و معارف و ثقافة ( الأنا الشخصانية ) دون إلزامها بشرائط مشروعية الهوية التجنيسية . لذا نجده يزعم لذاته مثل هذا الكلام : ( لقد شاهدنا هذا النقد يحدق طويلا في العالم بعيني أبوللو الصامتين .. هل يمكن أبدا أن نراه يشارك مرة أخرى في اللحم المقدس لديونيسيو ؟ و لماذا هذا الهوس بالتمييزات ؟ هل لدى هؤلاء النقاد الرغبة في الحديث بمهنية لصالح مبدأ الأنثى القديم .. القبول و الاندماج و الكلية المغلفة للأشياء ؟ . / النقد النظير ) يتضح لنا استخدام الناقد إيهاب حسن لعناصر تطور ما بعد الحداثة ، و ذلك استنادا إلى مفهوميته الأبعادية ، و التي من شأنها معالجة مصنفات مرجعية الذات ، بفواصل و واصلات ليست مقيدة بمواقع تمييزية فاترة .
1ــ حساسية البحث في منظورية الخروج عن مألوفية البحث :
أن التركيز في مفاصل اسهامات إيهاب حسن ، عبر جملة دراساته الـ ( ما بعد حداثة ) حيث تحفزنا إلى فهم حركية أفكاره الناشطة ، في مجال الأنواع الأدبية و منها تحديدا الشعر ، و نتبين من ذلك أن الحدود الامعانية لمصطلح ( ما بعد الحداثة ) ذا نفوذية خاصة لدى الناقد ، و لدرجة وصول الأمر إلى عدم موازاته لأية محاولة فعلية بيد أننا نراه في سياق مباحث دراسته ، راح يقدم لنا ثمة مقاربات من شأنها مراجعة أفق المصطلح ، كقوله : ( وهي الخمسينيات في أمريكا تحدث تشارلز أولسون و معه مجموعة من الشعراء و الفنانين المنتمين لمتحف بلاك ماونتين كولدج عن ما بعد الحداثة .. و بالقرب من نهاية العقد أشار لكل من إرفنج هاو وهاري ليفين على التوالي إلى أن مصطلح ما بعد الحداثة يشير إلى انحسار ثقافة الحداثة العليا ، و يؤكد إيهاب حسن مضيفا : و في أواخر الستينيات و مطلع السبعينيات بدأت ما بعد الحداثة تدل ــ عبر العديد من المقالات التي كتبتها أنا ولزلي فيدلر من بين آخرين ــ على تطور مميز في الثقافة الأمريكية و تعديل للمسار النقدي . / النقد النظير / تقطيع أوصال أورفيس ) و حين ننتقل إلى مستوى أخر من أسهامات إيهاب حسن التنقيبية في مفهومية ما بعد الحداثة ، لوجدناها تكمن في ثلاثة أقطاب منها أولا ( تحديد معنى المصطلح) ثانيا ( ترويجه و ممارسته ) ثالثا ( التأصل أو اللاتحديد ) و من هنا لعلنا ندرك بأن هذا الناقد المصري الأصل ، ليس بالمنظر إلى ما بعد الحداثة ، بل هو قد تعدى شفافية و عقدية هذه التسمية ، لأنه غدا أحد أربابها ، حتى بات مشتملا في نشاطاته كباحث و ناقد في مجال الإنسانيات متجاوزا مواقع و شرائط اجناسية الأنواع المعرفية و الأدبية ، وصولا إلى كونه أضحى يشكل نوعا من التناظرية التي تحتل أعلى لغات الإحساس الخلاب في فعالية الاتجاه الجديد في ثقافة ما بعد الحداثة .
ــ مفهوم نظرية أزمنة الفعل الثلاثية .
و بهذا المعنى واصل إيهاب حسن براعات هائلة أخذت تتخطى (الماضي / الحاضر ) أي في كيفية ( كتابة السيرة ) إقترابا من زمن المستقبل ، و بعملية من شأنها تصحيح خاصية سرد الحكاية في اللحظة الراهنة . أن مفهوم نظرية تصوير عالم من عدم الانتظام الزمني ، أخذ يتوافر على كيفية كتابة إيهاب لسيرته الذاتية في كتابه الموسوم ( الخروج من مصر ) و القارىء لهذه السيرة لربما لا يجد فيها من جهة ما عناصر السيرة الذاتية الكاملة ، اللهم إلا بوصفها من ناحية ما ، سلسلة من اللغة المحكية التي تجمع بين فعالية و دلالة ذكريات ماضوية و بعض من حالات حوارية مشهدية ، جرى حدووثها في سياق خاصية من الزمن المضارع .
ــ تعليق القراءة ــ
نستطيع القول ختاما ، أن أفكار و أسهامات المفكر و الناقد أيهاب حسن في مفهوم ما بعد الحداثة ما يتلخص في قولنا هذا : لقد قام أيهاب حسن في فك قيود و مقاييس الناقد النمطي ، توسعا إلى ذلك النحو الذي يجعل منه باحثا مسهبا في مصطلح و خاصية نظرية ما بعد الحداثة . فضلا عن هذا وجدناه يمتاز بأسلوبية شاقة ، ما جعلنا نطيل الأمعان بطرائقه الغريبة في بعث شظايا المعارف و الادماج فيما بينها ، داخل انساق معرفية معللة ، أخذت تعكس لنا فكرة و صورة أنطباعية تنصيصات ذلك الناقد المهاجر إلى أمريكا و المتكبل بإشكالية مهجره المائز في حوارية نقده النظير ، لأنه ببساطة ، راح يمعن في صورة كتاباته التنظيرية و سياق دراساته وصولا إلى فكرة فصل الكتابة لديه ، عن مواطن ضوابط الأجناس الأنواعية في مركبات النص . أعتمادا لديه على مرايا حواريات معرفية موغلة في الذاتية الشخصانية ، و الموغلة أيضا في ثنائية و جدلية زمنية ( الماضي / الحاضر ) خلوصا منه إلى تدوين أسطورته التي تقع في حدود قصوى من التأمل النظري ، حول كيفيات تصارع ضوابط الأجناس مع كيفيات الكتابة المابعد حداثوية ، لتدخل القارىء و القراءة نحو مرحلية خطاب منظور الحداثة في قراءة جديدة من خصوصية تنصيصات و تنصيص آفاق و معارف ما بعد الحداثة .