مهما حاول المتثقلفون تجريد الحقائق التاريخية مصداقيتها وإلباسها ثوبا يتناسب اهوائهم ورغباتهم بسرقة مداد القلم من اصحاب الفكر والمعرفة اعتقادا منهم ، من سارق الحقيقة تشويهها في مختبرات التزييف والتحريف وإعادة كتابته وفق مقاييس تيارات الاهواء خارج اصول المنهج البحث العلمي الاكاديمي وكأن التاريخ سيتوقف عن التدوين والكتابة في الرواية والرد على الاباطيل والعبارت المدسوسة بين السطور متناسين ان العيون ترقب والذاكرة تحتفظ لسرد وقائعها بأمانة تفسيرا وتحليلا لكل ما هو خلاف الواقع .
تصحيحا لإخطاء خلاف الحقيقة تحتم ضرورات فروض الامانة العلمية على العارفين من الباحثين المتخصصين وضع حد وباستمرار لهكذا حالات غسيل عقول وافكار المشاهد والقارئ والمستمع بالمعلومات الزائفة عن حيثيات وقائع واحداث وقعت قبل عقود وعقود مهما كانت نوعها ومصادرها وما اكثرها في زماننا زمن تقنيات الاتصال السريع .
من تلك الحالات التى يريد المتثقلفون إسدال الستار على حقيقة وقائعها اولى عمليات الإرهاب الوحشية في تاريخ العراق الحديث حيث بدأت وقائعها عصر يوم 14 تموز 1959 فقد وصفها البعض بـ ( المسرحية ) رغم انها تعد صفحة سوداء لمنفذيها والمخططين لها وصفحة قاتمة في تاريخ العراق السياسي المعاصر ، شتان بين المسرحية والقتل العام ولو فرضنا جدلا أنها مسرحية فان توزيع الادوار جاء متناسبا مع المواهب والقابليات فالبطولة والادوار الرئيسية وحتى الكومبارس كان من نصيب خريجي معاهد الإجرام بشهادة السلب والنهب والسطو على البيوت والمحلات في كركوك اثناء منع التجوال العام فيها الى جانب القتل المقصود المتعمد والتمثيل بالجثث وسحلها وتعليقها على اعمدة الكهرباء والاشجار ، وكان نصيب التركمان في المسرحية المزعومة دور المتفرج المغلوب على أمره عندما اندلعت النار لم تقيد ضد مجهول في قاعة المسرح المغلقة ابوابها ومنافذها باحكام داخليا وخارجيا ( الاتصالات السلكية واللاسلكية وغلق حدودالإدارية للمدينة ) لذلك كان التركمان فقط هم الضحية وان من سقط من غيرهم صرعى جاء بسبب الخلافات على تقاسم المسروقات والغنائم غير الشرعية . وهناك من يُحمل التركمان اسباب المجزرة باستفزازهم الطرف الاخر ( المنفذون لها ) متناسيا بقصد التستر عليها ان مجرد إستفزاز المتهئ المستعد سبق تنفيذها خطط سرية ومحاولات عديدة في ( اواخر تشرين الاول 1958 و 27 كانون الاول 1958 و 28 شباط 1959 ) ايام كان المرحوم ناظم الطبقجلي قائدا للفرقة الثانية لإثارة الفتنة ونشر الفوضى والبلبلة وخلق اجواء الولوج لتنفيذ المؤامرة لكن حنكة قائد الفرقة الثانية ودوره المتميز وتواجده مباشرة في ساحة الحدث حال دون وقوعها او تنفيذها آنذاك ، حتى جاءت الفرصة المؤاتية ( بعد أقصاء الطبقجلي من قيادة الفرقة الثانية وعدد من ضباط القيادة العليا والاتيان باخرين مناصرين لاصحاب الحبال ) وإذا كان الاستفزاز سبب المجزرة في كركوك وبهذه الصورة البشعة من القتل والتمثيل والسحل بالجثث التى لا تنم سوى عن حقد وضغينة وكراهية اصحابها للتركمان في كركوك فلماذا . . . . . . . . ؟ جرت نفس المحاولات ايضا وتحديدا وبنفس النيات المبيتة وبطريقة كما يسميها البعض المسرحية ضد التركمان في ( اربيل ، التون كوبرو ، شهربان ) وبشهادة الشهود منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر تجاوبا مع ما جرى ويجري في كركوك انذاك ولانها لم تكن ضمن خطة مسبقة ولضعف الاستعداد والتهئ لها بائت بالفشل اضافة الى وجود شخوص لعبت دور الحؤلة من وقوعها في شهربان مثلا المرحوم خليل الكهوجي ومن معه من الشرفاء ، وفي آلتون كوبرو موظفوا البريد في مقدمتهم مدير البريد انذاك وموظف الاتصالات المرحوم ( نجم الدين علي ) الذين تمكنوا من قطع الاتصالات بين الزمر ، اما في اربيل فقد حاولت الفئة الباغية إسكات صوت التركمان فيها بمنعهم من الاحتفال بالذكرى الاولى لثورة تموز 1958 إلا ان الموحوم ( حمزة عثمان و المرحوم رشيد اغا واخرين ) كانوا لهم بالمرصاد .
وعودة لاصحاب نظرية ( الاستفزاز ) ، هل كان الاستفزاز حادا الى درجة استوجب استقدام رجال بـ ( اللوريات ) من بعض المناطق الكردية الى كركوك لاستباحة ممتلكات اهالي المدينة من التركمان فقط ولثلاثة ايام متواليات في وقت كان حضر التجوال ساريا فيها . . . ؟ وبعد تزايد الاعداد القادمة تفاقمت عمليات النهب والسلب وحل الهرج والمرج على المدينة وخوفا من افتضاح المستور وتغطية للاعمال المشينة المتزامن مع أنباء قدوم النجدة العسكرية من بغداد لأعادة الامن والاستقرار لكركوك تم منع تدفق المخربين اليها . واخيرا السؤال الذي يفرض نفسه لماذا غياب دور قيادة الفرقة الثانية الايجابي بقائدها ( داود الجنابي ) وضباطها الذين سايروا بل سهلوا لعمليات المجزرة التى تبقى تطارد اصحابها الى يوم الحساب القادم لا محال . . .؟ . اما بالنسبة للحكومة المركزية فقد كان دورها سلبيا لم يتناسب وحجم ما خلفتها المجزرة من أثار الجروح النفسية العميقة لا زالت القومية الاساسية تعاني منها ومن تركاتها ونتائجها وتدفع فاتورتها الى الان بسبب عدم إتخاذها إجراءات حاسمة ورادعة ، ولم يتجاوز دور الحكومة ايضا سوى الوعود الفارغة والمحاكمات الصورية للقيادات المسؤولة عن ما جرى قبل واثناء الايام 14،15،16 / تموز / 1959 ، وان الإعدامات التى جرت في 23 / 6 / 1963 بحق الرؤوس المشاركة في المجزرة الارهابية لم تعلق على اعمدة الكهرباء امام بيوت عوائلها كما يدعي البعض ، وهنا لا بد من الاشارة الى – من لسانك ادينك – ان المدعي يقر ويعترف ضمنا ان شهداء المجزرة المغدورين علقوا على اعمدة الكهرباء لهذا يحاول مقايضة الحالة بالمقابلة مع استخدام كل وسائل التمويه والخداع من زاوية ( غسيل الافكار والعقول والتلاعب بها كيفما يشاء ) بينما الجميع يعلم جيدا والمدعي بضمنهم في المقدمة ان منصات الإعدام تم نصبها في اربعة مناطق محددة من كركوك شهدت تعليق الجثث المُمَثلة بها بالادلة الثبوتية المصورة على اعمدة الكهرباء او على الاشجار ( الكالبتوز ) والتى تم إزالتها فيما بعد حقنا لتركات الاثار النفسية وهى : –
1– قرب القشلة امام جمعية المحاربين القدماء سابقا وبيت المقام العراقي حاليا في نفس المكان الذي كان يعج باشجار الكالبتوز حيث علقت اجساد بعض الشهداء عليها ، ثم جاءت البلدية وازالتها لمحو أثار الجرم الإرهابي عن اذهان ابناء المدينة .
2– محلة المصلى قرب سوق بيع الاغنام سابقا ( قوين بزارى ) .
3– قرب جسر الشهداء المعروف بـ ( طاش كوبرو ) في نفس مكان الذي ينتصب هيكل الشهيد ( عطا خيرالله ) مقابل مصرف الرافدين .
4– الساحة الوسطية مقابل سوق الهرج ( المزاد خانة )من الشارع المؤدي الى دائرة الجوازات والاحوال المدنية، تحديدا مكان بيع العملات الاجنبية في الوقت الحاضر . نستخلص بالمقارنة والدراسة بين ماجرى انذلك في كركوك قبل ما يزيد على نصف قرن من زمن الإرهاب الجسدي والترهيب النفسي وشبيهات اختلاقات تعكير الاجواء بالفوضى والبلبلة الأنية غير المخطط لها سبيلا الى سفك الدماء في تلك المناطق التركمانية وبين ما جرى ويجري فيها بعد 2003 مضافا اليها مناطق تركمانية اخرى مستهدفة مثل ( طوزخورماتو ، تلعفر ، ينكجة ، شريخان . . . . الخ من المدن والقصبات التركمانية ) نجد في الخلاصة تطابق النوايا والرغبات السابقة وامتدادها من ذلك الزمن اللعين بصور ونوعيات تختلف باختلاف الحالة الزمنية وإفرازاتها المقترنة باختلاف شخوصها وكيفية توظيفها في الزمن الحالي وتفاعلات مركز القرار العراقي مدا وجزر والوضع الدولي وتداعياته في الرد على او الوقوف بوجه كل ما ينافي السلام والعدل وحقوق الانسان والتعايش السلمي باسم الحرية والديمقراطية المنتهكة لتلك الشعارات والمبادئ .