قبل ايام قامت جماعة من السلفيين والغوغاء المتأثرين بهم بمهاجمة منزل تجمع فيه عشرات الشيعة المصريين من بينهم حسن شحاتة رئيس رابطة الشيعة المصريين للاحتفال بذكرى النصف من شعبان بقرية زاوية ابو مسلم بمحافظة الجيزة . وقامت المجاميع المهاجمة بحرق المنزل وقتل اربعة من الموجودين، بينهم شحاتة وجرح اخرين قبل ان يتم سحلهم في شوارع القرية.. فماذا يعني هذا الحدث؟
ان مصر كانت على مدى تاريخها مثالا للتعايش والتصالح بين مختلف المذاهب والاديان … والمجتمع الاسلامي المصري هو سني بكامله ،عرف عنه الاعتدال ونبذ التطرف والتعصب وحبه لآل البيت علما ان عدد الشيعة في مصر لا يزيد عن بضعة الاف…ما الذي اوصل الامور الى مثل هذه الحادثة الخطيرة التي لم تشهدها من قبل ، وما الذي تغير في مصر ليصل الشحن الطائفي الى هذا المستوى الاجرامي الذي لا نشهده الا في العراق وسوريا (لغياب التعدد الطائفي وبالتالي غياب اسباب الاحتكاك )؟
الاجابة على السؤال تتكون من شقين : الاول يتعلق بالمهاجمين ، والثاني بالشيعة المصريين .
المهاجمون بالاساس كانوا من السلفيين ومن الفلاحين البسطاء الذين تم شحنهم بواسطة الخطاب الديني الذي اعتمده نظام الحكم الاخواني منذ استلامه للحكم . ان تجربة حكم الاخوان وحلفائهم السلفيين خلال سنة من حكم مرسي هي تجربة فاشلة بكل المقاييس الوطنية والامنية والاقتصادية ، واثبتوا انهم مجرد ظاهرة صوتية تستخدم الدين كوسيلة للوصول الى السلطة كهدف نهائي ، دون ان يكون لها برنامج حقيقي لبناء دولة وحكم شعب في عصر تواجه فيه مصر تحديات جمة داخليا وخارجيا . هذا الفشل ادى الى تفاقم تدهور الوضع في مصر وازدادت المعارضة للنظام ( الذي لم يفز اصلا وفي ظروف خاصة لن تتكرر الابـ25% فقط من اصوات الشعب فهددت الجماهير بالنزول الى الشارع في 30 حزيران سعيا للتغيير ….
لمواجهة الفشل لم يجد الاخوان وحزب النور السلفي – وكعادة احزاب السلام السياسي – برمي الاخطاء على شماعة المؤامرات الخارجية واعداء الثورة وازلام النظام السابق واظهار انفسهم كملائكة لا ياتيهم العيب من جانب في حين ان معارضيهم هم الشياطين ( وفي مرحلة لاحقة الكفرة ).وفي خضم معركة الوجود هذه وخلو خطاب الاسلاميين من اي بعد علمي يواكب حياة العصر كان لابد للعودة الى لعب الورقة الدينية ( كما حال زملائهم في العراق وغير العراق ) وتصعيد الخطاب الفئوي والتخويني والتكفيري المقزز لغرض الكسب السياسي الرخيص….
فأفتى القرضاوي “بان من يخرج عن ولي امر المسلمين مرسي ” هو كافر وان الجهاد ضد النصيريين الشيعة اوجب من الجهاد ضد الصهاينة ( كما صرح الحمساوي الدويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني)، واعلن مرسي ان من سيخرج في 30 حزيران هم : كفار” …. وفي هذا الجو المشحون ولحرف الانظار عن اسباب العلة في الفوضى الاخوانية تم توجيه الانظار الى سوريا بمؤتمر حضره من يسمون انفسهم ” علماء” من وعاظ السلاطين… وبعد ان ناقشوا وضع الامة العربية المتردي …وجدوا الحل يكمن في اعلان الجهاد ضد النظام في سوريا وتسريج الخيل لانشاء الوية اخوانية – سلفية لمقاتلة الشيطان القابع في دمشق لان الحالة السورية عاجلة وحالة فلسطين يمكن ان تنتظر اعلان جهاد مماثل 60 سنة اخرى وتكفير الشيعة وحزب الله ( حزب الشيطان حسب خطابهم )…. وزاد مرسي على ذللك وردح ماعلن وهو يرقص ملتفا بعلم الانتداب ( الثورة عند البعض ) قاطعا العلاقة مع سوريا ..مكفرا النظام ومكفرا الشيعة ووجوب الجهاد… ضد من يستبيحون الحرمات في سوريا”……..وكان السلفيون في كل الفترة الماضية يطلقون الدعاوي المحذرة من مؤامرات خارجية ” لتشييع المصريين” …وهي دعاوي لا تصلح الا للدعاية فمصر اكبر من ذلك بكثير وهي مقر الازهر … المرجعية السنية الاولى في العالم.
خلقت فتاوي التكفير بالجملة – وكاننا في عصر الاسلام الاول – والخطاب التكفيري المتصاعد جوا مشحونالدى الموتورين الدينيين والعوام الجهلة الذين يسيرون ورائهم بلا عقل ، وهذا الجو هو الذي ادى الى مذبحة قرية ابو مسلم ، وكأن مصر التي تعاني ماتعاني من مشاكل لا ينقصها الا الدخول في صراع طائفي مع شيعة مصر ومن ورائهم شيعة العالم ( هل شاهدتم سرعة ادانة الاحزاب الاسلامية الحاكمة في العراق للحاثة والمظاهرات ضد مرسي التي خرجت امام السفارة المصرية في بغداد ؟ ) بعد ان اصبح الصراع القبطي المسيحي والاخواني – العلماني والحلال والحرام هو زاد الحياة اليومي في الحياة المصرية .. وكل شيء اخر مهم مؤجل بأذن الله… مرة ثانية يثبت اصحاب عمائم السوء” والعلماء “الخالية رؤوسهم الا من تلافيف صدأة تعيش روحا وفكرا في العصر الحجري ولا تستطيع ان تتعامل مع متطلبات وحقائق الحياة الحديثة… ان لا دور لهم في مجتمعاتنا الا اشعال الفتن الجاهلية والتسبب بسفك الدماء وخراب الاوطان بلا طائل .
نأتي الى الشق الثاني من الاجابة والمتعلق بالشيعة المصريين خاصة والشيعة العرب عامة ،، فان المصيبة ذاتها لكن مع عكس الاشارة ( كما في الرياضيات ). لم يعرف الشيعة العرب قبل 2003 هذا الغلو في ممارسة العقائد والطقوس ، لذا لم تكن هناك حساسية خارجة عن المألوف بعلاقة الشيعة والسنة في المجتمع الواحد…ولم يعرفوا بكل تاريخهم هذا التطرف في التعامل مع الاخرين من باب الانتماء الطائفي …حتى اصبحت هذه الطقوس ومظاهرها المبالغ بها .. وهذا التطرف في اثبات وتحقيق الخصوصية المذهبية خارج نطاق المعقول والمقبول … بل وتحوله في بعض الاحيان الى ظاهرة مرضية بكل ماتفرزه من كراهية الاخر ورفض العايش معه.
وبغض النظر عن الاسباب والدفع السياسي المعروف الكامن وراء تشجيع حالة التميز والشحن المصطنع غير الصحية والتي لا تتوافق مع العقل والمنطق ومصالح الناس …. الا ان نتيجته تصب في تحقيق مصالح ضيقة لاحزاب وتيارات وافراد الاسلام السياسي الشيعي البعيدة عن اي صلة بالدين او المذهب … كما ترمي هذه الاطراف من وراء الضخ المالي الهائل والدعم السياسي الرسمي وتسخير عشرات القنوات الفضائية الى تكوين مجتمع شيعي وراي عام شيعي مميز عن باقي المسلمين بخصوصيته المذهبية والانتماء اليها اكثر من شعوره بخصوصية انتمائه الاسلامي والوطني والقومي ( بمعنى تقديم الانتماء للطائفة ، وفق المواصفات الطائفية لتلك الاحزاب بالطبع ، على غيرها من الانتماءات الاكبر ) حتى بتنا نخشى الخروج من الانتماء الاشمل للاسلام مقابل الانتماء الخاص للجزء ( الطائفة) .
الصعود المذهبي الشيعي في العراق ( اذا صحت تسميته كذلك ) وتسلمه السلطة واحتكارها لنفسه وتهميش باقي المكونات … كان له ردات فعل مختلفة في العالم العربي …. فمن جهة ادى ذلك الى صعود التيار السني المتشدد الذي يلاقي تاييدا واسعا في العراق ولبنان ومصر والخليج …وتضخيم التخوفات من الممارسات الخاطئة بحق سنة العراق واتهام الشيعة عموما وايران خاصة بممارسة دور تآمري في المنطقة وهو ما ادى الى تصاعد موجة الكراهية الطائفية والكراهية لايران في المنطقة العربية..وتعميم هذه الكراهية خطا على كل الشيعة العرب.. وبروز مظاهر التنظيمات السنية المتطرفة خاصة في المشرق العربي والموجهة ضد الشيعة وانصارهم ( ويصب ذلك طبعا في سعي شيعة السلطة الى جعل الانسان الشيعي امام خيارين فقط اما ان يكون عابرا للطائفية ويلقى مايلقى جراء ذلك من متطرفي السنة الذين لا يوفرون مثله في ” جهادهم ” ، او ان يذوب وينغلق طائفيا لحماية كيانه ) .
لا بد ان ننوه هنا ان الشعور والفخر بالانتماء لطائفة ما هو امر صحي بل ومطلوب ( لان من لم يشعر بالتزام تجاه مجتمعه الاصغر لن يشعر به تجاه مجتمعه الاكبر ) لكن الخطأ هو في الغلو والتطرف الطائفي وتقديمه على سائر الانتماءات الاكبر للدين والوطن .وهنا يكمن خطأ الشيعة العرب … اذ ان صعوده رموز تنتمي للطائفة الى سدة الحكم واطلاق الحرية على غاربها في ممارسة الطقوس الخاصة بالطائفة صحيحها وغريبهاوممارسة الطائفية في ادارة الدولة ، شكل مصدر الهام للشيعة العرب الذين بدأو يتحسسون خصوصيتهم ضمن مجتمعات عاشوا فيها مئات السنين دون تميز،لكن المشكلة انهم حاولوا اثبات هذا التميز وتأكيد الهوية الطائفية بشكل بغبغائي متاثرين بالمظاهر الشاحنة للنفوس فطائفي والشعائر التي تروج لها وسائل اعلام مجندة لهذا الغرض ( مع الدعم المالي لجماعات بعينها )…
فصرنا نرى الحوثيين الزيديين في اليمن وهم الاقرب الى اهل السنة يتشيعون ويغزلون العلاقات مع ايران ويميزون انفسهم عن باقي اليمنيين .وبدأو ممارسة الطقوس الحسينية على طريقة العراق وايران… وصرت ترى الشيعة في لبنان وخاصة بعد صعود الدور المقاوم لحزب الله ضد اسرائيل يتصرفون وكانهم دولة مستقلة داخل الدولة اللبنانية …. وبدأ تململ شيعة الخليج ، ولاول مرة بداوا يقومون بالطقوس الشيعية علانية وبذات الاسلوب الايراني، وكأنما هويتهم الشيعية لن تكتمل الا بها .. والعلويون في سوريا… وهم طائفة غير شيعية وليس لهم مرجعية الشيعة غير الامام علي … تراهم في مؤتمر يعقده زعمائهم في 2006 ويصدرون بيانا يصنفون النفسهم شيعة اثناعشرية ، ولم تعد من الغريب ان تراهم لاول مرة يستمعون الى المقاتل الحسينية ويرفعون ويعلقون الشعارات الحسينية في مناطقهم وبيوتهم ..( وعلى الجميع من هؤلاء ينطبق المثل : أول ماشطح .. نطح ).
والشيعة في مصر وعلى قلة عددهم ساروا على نفس الدرب ، فعقدوا المجالس الحسينيةواقحموا انفسهم بالخطاب الطائفي الذي لا يحترم الصحابة وغيرها مما عده المصريون امرا غير مألوف وخروج عن الاسلام سرعان ما استغل السلفيون ذلك للنفخ في البعبع الشيعي الذي يريد ان يبتلع مصر ..فالكثير يرى في بعض الممارسات الطقوسية الشيعة خروجا على الاسلام…. ونحن هنا لا نناقش صحة هذا الحكم من عدمه فغرضنا توصيف الحالة فقط .
وجاءت الاحداث في سوريا لتصب الزيت على النار فقد تم تفكيك انتفاضة الشعب السوري من اهدافها الديمقراطية والاصلاحية وتحولت بفعل الدعم الخليجي التركي الذي يعزف على وتر الصراع الطائفي في المنطقة .. الى معارضة سنية مسلحة متطرفة ترفع شعارات طائفية وداعية الى انشاء دولة الخلافة التي ليس فيها للاقليات مكان ( العلوي لازم يموت والمسيحي على بيروت ) . وادت تداعياتها الى استقطاب حاد سني – شيعي واسلامي –مسيحي واقليات اخرى في المشرق العربي ( المكونات الدينية الاسلامية غير السنية وغير الاسلامية من حقها ان تتخوف على وجودها ومستقبلهامن الخطاب التكفيري المغرق في تطرفه) . . مثال نتائج هذا الاستقطاب والصراع يتمثل بتدمير مقامات دينية لها قدسيتها ومكانتها لدى الشيعة وعموم المسلمين ، وعمليات انتقام من قرى شيعية وعلوية واسماعيلية في سوريا… وعمليات تفجير وانتقام من مناطق ومدن شيعية في العراق… والحملة الخليجية المسندة من جمهور سني واسع على حزب الله والشيعة عامة.. وقمع انتفاضة شيعة البحرين.. وهي امور لم يعها اساطين الطائفية من احزاب الاسلام السياسي الشيعية عندما تسلمت الحكم وانتهجت نهجا طائفيا بائسا في تهميش الاخر واقصائه وفسح المجال للميليشيات المدعومة من قبلها لتمارس القتل والاجرام بعلم الدولة واسنادها ( فكما تدينون تدانون ) …..
الثمن المدفوع والذي سيدفع لهذه الحروب المتنقلة باهض جدا ..جربنا ذلك في العراق وسوريا ولبنان والبحرين…..واخر من دفع الفاتورة هم شيعة مصر الذين صحوا متاخرين ليجدوا انفسهم شيعة.. فصاروا يقلدون الوجه البائس المتمثل بالطقوس الجامدة …ولم يمارسوا التشيع العربي على حقيقته القائم على العقل والاستنباط والاجتهاد والتمثل باخلاق اهل بيت النبوة….فصدموا الاخرين بظهورهم المفاجىء والغريب …. وكل ضحايا هذا الصراع الطائفي العبثي تقع مسؤوليته على السياسي الاسلامي الفاشل ورجل الدين المخادع الذي يفتي له ، والشراذم الصاعدة من قاع المجتمع ووجدت لنفسها في ظل ذلك السياسي وذلك رجل الدين فسحة للتكسب وممارسة الاجرام باسم الدين والمذهب والدين والمذهب منها ومن افعالها براء…. افلا تعقلون ؟