خاص : ترجمة – آية حسين علي :
تسبب وصول 3.7 ملايين لاجيء سوري إلى “تركيا”، منذ بداية الحرب، في تقويض سوق العمل الذي كان من قبل مصابًا بالإختلال؛ إذ تُقدر قيمة الاقتصاد الموازي بما يقارب 30% من الناتج المحلي الإجمالي، مع ذلك تمكن حوالي مليون منهم من الحصول على عمل، رغم أن بعضهم لا يزالون قُصّر، أغلبهم يعملون في “قطاع النسيج” و”الإنشاءات” أو في “الزراعة”، لكنهم يواجهون ظروفًا صعبة تضاف إلى معاناة الغربة؛ إذ يحصلون في العادة على رواتب أقل من المتفق عليها.
وبحسب “وكالة إدارة الكوارث والطواريء” التركية، فإن 82.5% من السوريين المقيمين في “تركيا” يتقاضون أقل من 100 يورو في الشهر، لكن من ناحية الكفاءة فإن نصف المهاجرين لم يحصلوا سوى على التعليم الابتدائي، لكن الأوضاع الاقتصادية السيئة لم تقتصر على هؤلاء؛ إذ أن كثير ممن حصلوا على شهادات جامعية عليا يلجأون إلى العمل في وظائف بسيطة لتأمين احتياجاتهم اليومية، ومنهم أطباء ومحاسبين.
حقوق ضائعة لأنهم مهاجرين..
يُعتبر العمال العرب من الأمور التي باتت تهتم بها الفنادق التركية، مع تزايد أعداد السياح العرب إليها، كما يفضل رجال الأعمال الأتراك العمالة السورية؛ لأنهم يقبلون العمل مثل الأسرى والعبيد، دون تأمين حماية لهم أو إتاحة تقديم شكاوى ضد الإنتهاكات التي تُرتكب في حقهم، وصرح أحدهم بأن: “العمل بشكل غير قانوني وكونهم فئات ضعيفة يضمن لصاحب العمل تمسكهم به، لكن هذا الوضع يفتح المجال لإنتهاكات لحقوقهم”.
وعلى سبيل المثال، في مجالات مثل “النسيج”، رغم أنهم يعملون لصالح علامات تجارية عالمية مثل: “زارا” و”مانغو”، إلا أنه مقسم إلى عدة مستويات من العقود التي تُوقع من الباطن، إذ يوجد عدد هائل من المدراء والوسطاء وكل طرف يحاول تحقيق استفادة مادية، يضاف إلى ذلك حوادث العمال أثناء العمل، التي شهدت تزايدًا كبيرًا خلال الفترة الماضية، وتوفي 110 مهاجرًا ولاجئًا في مكان العمل، خلال العام الماضي، أي بزيادة قدرها 5 أضعاف معدلات عام 2013 قبل سيولة المهاجرين.
صرح مدير “منظمة العمل الدولية” في العاصمة، “أنقرة”، “نعمان أوزكان”، بأنه: “خلال 2014 و2016؛ عندما بدأ المزيد من المهاجرين يفرون إلى تركيا، كان الاقتصاد التركي يسير على نحو جيد ويفرز فرص عمل كافية للمواطنين المحليين وللسوريين أيضًا”، وأضاف أنه على العكس بعد تلك الفترة دخل الاقتصاد التركي في أزمة وارتفعت معدلات البطالة حتى وصلت إلى 14%، موضحًا أن المشكلة الأساسية تكمن في قبول اللاجئين العمل بدون عقود ومقابل رواتب أقل؛ وكل هذه الأمور أدت إلى تدهور عام في أحوال سوق العمل.
وكانت “أنقرة” قد تعهدت، ضمن الاتفاق الذي وقعته مع “الاتحاد الأوروبي”، بتقنين أوضاع اللاجئين السوريين في العمل بمنحهم تراخيص، لكن حتى الآن لم تلتزم بتعهداتها سوى مع 31 ألف شخص فقط، أي 3% من العاملين السوريين على الأراضي التركية، وأوضح “أوزكان” أن السبب يرجع إلى أن الشركات تفضل تجنب تكاليف البيروقراطية وتوفير المال، لكن هذا يخلق نوعًا من المنافسة غير عادلة بينهم وبين الشركات التي تقوم بالفعل بدفع تأمينات اجتماعية للعاملين لديها.
خادم في فندق ويشعر بالسعادة..
من بين آلاف الشباب السوري، الذي خلف وراءه آماله وأحلامه في بلد لفظتهم ولم تُعد تبكي عليهم، يشعر “محمد”، الذي أضطر إلى ترك بلاده والفرار من الحرب، منذ 4 سنوات، بقليل من السعادة بعدما حصل على فرصة عمل في أحد الفنادق الواقعة وسط مدينة “إسطنبول”، مقابل 2021 ليرات شهريًا، رغم أن وظيفة خادم في فندق لم تكن أقصى آماله، لكن ظروف الهجرة وعدم إكماله لدراسته في الجامعة بـ”دمشق”، لكن على الأقل يشعر أن أوضاعه باتت أفضل مما سبق، فقد حصل أخيرًا على عمل بدون عقد ويتقاضى مرتبًا أقل من الحد الأدني للرواتب بنحو 30%، إلى جانب ساعات طويلة متواصلة من العمل.
وأوضح الشاب أن أقل فترة يعمل فيها يوميًا هي 12 ساعة، وأحيانًا يعمل لـ 15 ساعة متواصلة، مع ذلك لا يملك خيارًا بديلًا لترك هذا العمل، عليه أن يواصل حتى على حساب صحته، لأن الحصول على هذه الوظيفة كان إنقاذًا له مما كان فيه، مشيرًا إلى أنه يفضل الآن عدم التركيز في المستقبل، رغم أنه يحلم بالعودة إلى دراسته في كلية “الفنون الجميلة” والتعمق أكثر في التصميم الداخلي، لكن ربما يحدث كل هذا في المستقبل.
وكان “محمد” قد حصل على الوظيفة من خلال برنامج التأهيل الذي أعدته “وزارة العمل” التركية بالتعاون مع “منظمة العمل الدولية”، ويموله “الاتحاد الأوروبي”، كما شارك عدد كبير من الشباب أيضًا، لكن في النهاية يحصل واحد أو إثنان فقط على الوظيفة، وكان “محمد” محظوظًا.