خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة قد تشكل أزمة بالنسبة لـ”الولايات المتحدة”، خاصة بعدما يحدث من تطورات على أرض الواقع، أعلن القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، (قسد)، “مظلوم عبدي”، التوصل لاتفاق مع “روسيا” يقضي بإنشاء الأخيرة لثلاث قواعد عسكرية في محافظتي “الحسكة” و”الرقة”.
وقال “عبدي”، أمس الأول، في تغريدة على حسابه في (تويتر): “تشرفنا اليوم باستضافة قائد القوات الروسية العاملة في سوريا، العماد ألكساندر تشايكو، لقد كان اجتماعًا مثمرًا جدًا، واتفقنا على نشر القوات الروسية في كل من عامودا وتل تمر وعين عيسى”.
هذه التطورات تأتي بعد هجوم شنه وزير الخارجية الروسي، “سيرغي لافروف”، على القيادات الكُردية متهمًا إياها بالتذبذب في مواقفها؛ فتارة تريد الصلح مع الحكومة السورية، وحين تستأنف “الولايات المتحدة” دعمها للأكراد يقومون بدحض الصلح مع الحكومة والتوجه نحو “الولايات المتحدة”، مطالبًا إياهم بالتوازن وإتخاذ موقف واحد.
بعد ذلك ردت (قسد) على “لافروف” ببيان اتهمت فيه، “روسيا”، بأنها لا تنفذ إلتزاماتها “شرق الفرات”، حيث العدوان التركي وإنتهاكات الهدنة مازالت مستمرة.
دخول قوات النظام وروسيا..
كما جاء هذا الاتفاق بين “روسيا” و(قسد) في نفس اليوم الذي جرى فيه اجتماع بين القوات التركية والروسية في “صوامع العالية”، شمال غرب “الحسكة”، والذي انتهى بانسحاب الجيشين التركي والوطني السوري من الصوامع وحلت قوات للنظام و”روسيا” مكانهما.
ويوم السبت الماضي، إتخذت قوات روسية من مركز “أكاديمية الحماية الذاتية للمرأة”، في مدينة “عامودا”، مقرًا جديدًا لها، ورفعت فوقه العلم الروسي، بحسب ما أكدته وكالة (سمارت)، وبذلك أمتلكت “روسيا” أول قاعدة لها في المنطقة خارج مطار مدينة “القامشلي”.
وباشرت القوات الروسية، يوم السبت الفائت، بتجهيز قاعدة لها في مدينة “الدرباسية”، غربي مدينة “عامودا”.
وأكدت وكالة (الأناضول)، الأسبوع الفائت؛ بأنَّ 50 جنديًا روسيًا تمركزوا في قاعدة “عين عيسى”، شمالي “الرقة”، وجنوب شرق “عين العرب”، والتي انسحبت منها “الولايات المتحدة” خلال عملية “نبع السلام”، في التاسع من الشهر الماضي.
وسبق أن تمركزت قوات روسية في قاعدة “صرين”، جنوبي “عين العرب” و”سد تشرين”، شمالي مدينة “منبج”، شمال شرق “حلب”، بعد انسحاب القوات الأميركية منها.
وما يزال عناصر “وحدات حماية الشعب” ينتشرون في مدينة “عين العرب”، (كوباني)، فيما ينحصر وجود النظام في نقطة واحدة وسط المدينة، و”روسيا” في نقطة شمالها.
إنشاء قاعدة أميركية جديدة..
أما القوات الأميركية فقد أنشأت، الأسبوع الماضي، قاعدة جديدة في منطقة تسمى، “التلول”، وتقع جنوب مدينة “القامشلي” بنحو 15 كم، وذلك بحسب ما نقلته وكالة (سمارت) عن مصادر عسكرية من (قسد).
وبعد إنشاء الجيش الأميركي قاعدة “التلول”، أصبحت مدينة “القامشلي” محاطة بالقواعد الأميركية من جهاتها الأربع، فبالإضافة إلى منطقة “التلول”؛ تمتلك القوات الأميركية قاعدة في قرية “هيمو” غرب “القامشلي” وقاعدة في منطقة “القحطانية” شرقها، عدا قواعد في مناطق أخرى مثل “الرميلان” و”المالكية”.
“قسد” تطالب بالضغط على تركيا لوقف هجماتها..
وأمس، طالبت “قوات سوريا الديمقراطية”، (قسد)، المجتمع الدولي والحكومة السورية و”روسيا”، بالضغط على “تركيا”؛ لوقف هجماتها على شمال شرق “سوريا”.
وقالت (قسد)، في بيان لها: “ما يتعلق بإنشاء منطقة آمنة من قِبل الدولة التركية هي حجج لا علاقة لها بالأمان والاستقرار؛ بل هو للبحث عن منطقة أمنية كي تمارس من خلالها القتل والدمار”.
وأضافت “قوات سوريا الديمقراطية”: “بعد سلسلة الهجمات على شمال وشرق سوريا من قِبل الاحتلال التركي وإرتكابه المجازر بحق السكان الآمنين، والتي تضاف إلى سجل حكومة العدالة والتنمية الحافل بالمجازر مجزرة جديدة بحق أهالي تل رفعت، حيث تعرضت هذه المنطقة أمس لمجزرة جديدة راح ضحيتها 9 شهداء وعشرات الجرحى أغلبهم من الأطفال والمدنيين”.
وتابعت “قوات سوريا الديمقراطية”: “نحن في مجلس سوريا الديمقراطية ندين، وبأشد العبارات، هذه المجزرة التي أضيفت إلى سجل المجازر المرتكبة من قِبل حكومة العدالة والتنمية بحق شعبنا في شمال وشرق سوريا”.
لدى تركيا مشروع احتلالي..
واستطردت “قوات سوريا الديمقراطية”، في بيانها؛ بالقول: “هذه الجريمة تؤكد للعالم مرة أخرى على أن لدى تركيا مشروع احتلالي كبير لشمال وشرق سوريا، وأن هذه المجزرة تأتي مع مساعي المجتمع الدولي من أجل حل الأزمة السورية وفق القرارات الأممية ذات الصلة وتطبيقها؛ وإن ما يتعلق بإنشاء منطقة آمنة من قِبل الدولة التركية هي حجج لا علاقة لها بالأمان والاستقرار”.
واستطردت “قوات سوريا الديمقراطية”: “هو البحث عن منطقة أمنية كي تمارس من خلالها القتل والدمار، وتكرس الاحتلال، وأن الغاية من إرتكاب مثل هذه المجازر؛ هي لترويع السكان وتخويفهم وإرهابهم، من أجل النزوح وترك مناطقهم، لاستكمال عملية التغيير الديمغرافي والتطهير العرقي التي تنتهجه تركيا”.
ما موقف الولايات المتحدة ؟
تعليقًا على الاتفاق الروسي مع (قسد)، تساءل موقع (عربي اليوم)؛ عن موقف “الولايات المتحدة الأميركية” من هذا الاتفاق، أم أنها أكتفت بالتفرد بحقول “النفط” وتركت موضوع حل الخلاف “الكُردي-التركي-السوري” لـ”روسيا” ؟!
وأضاف أنه بالمقابل كيف سيكون موقف “تركيا”، التي تطمع بدخول هذه البلدات واحتلالها، منذ شنت عدوانها على منطقة “شرق الفرات”، في التاسع من شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي، قبل أن ينتهي العدوان، يوم الثاني والعشرين من شهر تشرين أول/أكتوبر ذاته؛ عقب التوصل لاتفاق بين الرئيسين الروسي، “فلاديمير بوتين”، والتركي، “رجب طيب إردوغان”، يقضي بانتشار الجيش السوري في المنطقة الحدودية وانسحاب (قسد) منها مسافة ثلاثين كيلومتر.
موضحًا أنه يبقى الاتفاق “الكُردي-الروسي”، الأكثر أمانًا بالنسبة لـ”دمشق”؛ مقارنة بالاتفاق الكُردي الأميركي، على أمل أن يثمر الاتفاق الجديد عن عقد اتفاق موازي بين “دمشق” والقيادات الكُردية متمثلة بالإدارة الذاتية.
خطوة في إتجاه استكمال تنفيذ “اتفاق سوتشي”..
من جهته؛ قال الصحافي المتخصص في الشأن الروسي، “رائد جبر”، إن هذا الاتفاق يُعد خطوة في إتجاه استكمال تنفيذ “اتفاق سوتشي”، الذي كانت “تركيا” أعربت عن قلقها من تأخير تنفيذ بعض بنوده، وتفهمته “روسيا”، كما يمثل عنصرًا ضامنًا لأمن الأكراد أنفسهم، لأنهم يخشون من تداعيات العملية العسكرية التركية، وأيضًا عنصر أمان للقوات التركية.
الاتفاق الذي يمنع إرهاب تركيا جيد..
ويقول رئيس المركز الكُردي، “نواف الخليل”، أن: “كل اتفاق يمنع الاحتلال التركي والمجموعات الإرهابية للأراضي السورية؛ فهو اتفاق جيد على الصعيد الرسمي والشعبي، وهذه الاتفاقيات ربما تساهم في مزيد من الثقة بين (قسد) والإدارة الذاتية مع الجانب الروسي، والتنسيق مع دمشق أيضًا بما يؤدي إلى خروج كل القوات الأجنبية من سوريا”.
من جهته، علق الأمين العام لحزب الشعب، “نواف الملحم”، على الاتفاق بقوله: “نبارك أي اتفاق يصب في مصلحة الحكومة والشعب السوري، والتدخل الروسي ليس له أبعاد ومصالح كما المعتدين، وللروس دور إيجابي في حل الكثير من نقاط الخلاف بين (قسد) والجيش السوري، والاتفاق سيحل الخلافات السياسية والعسكرية في المنطقة”.
مكاسب روسيا من التدخل في النزاع السوري..
وتحت العنوان أعلاه، كتب “إيليا بولونسكي”، في (فوينيه أوبزرينيه)، حول المكاسب الروسية من التدخل في النزاع السوري، وعلى “أميركا” أن تستعد لوجود “روسيا” في كل مكان.
وجاء في المقال: في الـ 2 من تشرين أول/أكتوبر الماضي، نشر “مركز الأبحاث الأميركي”، (RAND Corporation)، تقريرًا ملفتًا بعنوان: “فهم التدخل الروسي في سوريا”. مؤلفوه، المحللون: “سام شاراب” و”إلينا تريغر” و”إدوارد غيست”.
ويؤكد خبراء (RAND Corporation)، في تقريرهم التحليلي؛ أن إدخال القوات إلى “سوريا”، في العام 2015، أصبح ممكنًا بسبب تضافر فريد لجملة من الظروف.
وهم مقتنعون بأن الظروف، في أي بلد آخر وضعه مماثل، كـ”أفغانستان” أو “اليمن” أو “ليبيا”، لم تكن لتتيح إدخال القوات الروسية. لذلك، لم تتدخل “موسكو” في النزاع الليبي أو اليمني. أما بالنسبة للصراع في “أفغانستان”، المليء بالمخاطر الجدية لـ”روسيا”، بما في ذلك التهديد الإرهابي وزعزعة استقرار الوضع في “جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية” سابقًا، فلا تزال “موسكو” تفضل عدم التدخل فيه.
ومع ذلك، يخلص الخبراء الأميركيون في تقريرهم إلى استنتاجين رئيسيين وحاسمين. فأولاً، يجب على “الولايات المتحدة” أن تفهم أن “روسيا” لن تتردد بعد اليوم في حماية مصالحها الوطنية خارج الفضاء السوفياتي السابق؛ وثانيًا، يجب أن يكون الجيش الأميركي مستعدًا لوجود القوات الروسية في جميع “المناطق الساخنة” في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومناطق أخرى من العالم.
وعلى الرغم من أن عددها لن يكون كبيرًا، إلا أن القوات الروسية ستؤكد وجودها، خاصة في البلدان التي لدى “موسكو” فيها خطط سياسية أو اقتصادية.
وبمقارنة نفوذ “روسيا” في الشرق الأوسط، قبل العملية السورية وبعدها، يمكن رؤية إلى أي مدى تعززت مكانة بلدنا، ومدى جدية ذلك في مجال سياسات الشرق الأوسط. والآن، لا يقتصر الحديث على العواقب السياسية والعسكرية، مثل ظهور قواعد عسكرية جديدة في منطقة ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لـ”روسيا”، إنما ومكاسب اقتصادية مباشرة.
لذلك، لا ينبغي القول إن المخاوف الأميركية، بشأن تنامي نفوذ “روسيا” في الشرق الأوسط وميلها إلى التدخل في النزاعات المسلحة خارج الفضاء ما بعد “السوفياتي”، لا أساس لها.