17 نوفمبر، 2024 4:39 م
Search
Close this search box.

اليوم, الشعب يُملي شروطه عليهم !

اليوم, الشعب يُملي شروطه عليهم !

سنون عجاف مرت والشعب يعاني. منذ ان انتزعوا من الشعب الموافقة على الدستور الجديد في استفتاء التحدي في تشرين اول عام 2005 ( يا لمفارقات التاريخ, الانتفاضة الحالية اندلعت ايضاً في تشرين اول ! ), بتحديه لأرهاب منظمة القاعدة, حتى سارعت الاحزاب المهيمنة بأدارة الوجه لكل تطلعاته, حيث مارست سياسة التنكر لتضحياته وارادته وتجاهل توقه نحو نظام ديمقراطي حقيقي, بل اعتبرتها كلها صفراً على اليسار مقابل تطمينها لجشعها الفئوي اللامتناهي لابتلاع الوطن وثرواته واركاع مواطنيه.
لقد قامت باخضاع بنود الدستور الى عمليات لوي وتأويل تضمن استمرارها في الحكم وتأبيد تسلط احزابها الفاسدة بالاتفاق على نهج المحاصصة الطائفية – العرقية سيء الصيت وسن قوانين جائرة متخلفة تتعارض مع كل ماهو ديمقراطي وعادل, وعلى قياسها, لمنع صعود اي صوت وطني مخلص… وانتهجت سياسة تمييز طائفي بغيضة أدت الى تقسيم المجتمع الى شيع وطوائف وأفخاذ, أحاطتها بسور من ميليشيات طائفية مسلحة متقاتلة لترويع المواطنين وتسخير أجهزة الدولة الإدارية لإهانة كرامتهم ولامتصاص دمائهم بإشاعة الرشوة والمحسوبية والمنسوبية.
وبرغم المناشدات الشعبية وقوى الديمقراطية وحقوق الانسان للسلطات بضرورة الالتفات الى ما يعانيه الشعب من مآسي ووجوب اخذ حاجاته بنظر الاعتبار من خلال الاحتجاجات والتظاهرات, الا ان قوى المحاصصة استكبرت وركبت رأسها.
و كلما احست هذه الاحزاب التي تحولت الى اوليغاركيا متنمرة بسمات مافيوية, بتصاعد النقمة الشعبية عليها, كما في احتجاجات 2011 و 2015 وما تبعها من انتفاضة البصرة والاحتجاجات المطلبية والوقفات الاسبوعية في ساحات التحرير, كانت تشرع بأتخاذ خطوات تتسم بالاصلاحية لكنها سرعان ما تتراجع عن وعودها وتتنصل عن عهودها بعدما تلحظ خفوت الضغط الشعبي, وفي حالات كثيرة قاموا بتجيير كل اجراء اصلاحي شكلي ليصب في صالحها بتدبيره محاصصياً, ليشبع جشعها الأشعبي ولا يجني الشعب منه نفعاً.

انتفاضة تشرين 1 / اكتوبر 2019 قلبت المعادلة راساً على عقب.

لقد ظنت الطغمة الحاكمة وهي تشعر انها في أوج جبروتها وغطرستها ان معالجة انتفاضة شباب اكتوبر بالحديد والنار سيحطم ارادة شبابها الثائر وسيرغمهم على الانكفاء والاذعان … وان مصير انتفاضتهم ستكون كما سابقاتها تهب لتخمد… لم تقرأ هذه الطغمة, جيداً, شعار المنتفضين الاول ” نازل آخذ حقي ” وعزمهم وتصميمهم على الوصول الى الهدف, فأرتقى شبابها سلم الشهادة على ايدي قناصين اوباش, سارعت السلطة بالتبرؤ منهم واسمتهم ” طرفاً ثالثاً “, لنفض يديها عن الجريمة… لكن الجريمة كانت راكبة عليهم تلبيس لما لأحزابها من أذرع مسلحة لم تتورع يوماً عن اغتيال او اختطاف اي ذي صوت جريء ونافذ وحر.

وقد تفاجأت احزاب الفساد بحجم الغضب الشعبي العارم ضدها, والتلاحم الشعبي مع شبيبة الانتفاضة الابطال الذي تمثل بالمشاركة البطولية في حمايتهم وتدعيمهم وتمرير وسائل استمرار ثورتهم المظفرة.

اليوم وبعد ان اسقط منتفضو ساحات التحرير على مدى الوطن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وكل كابينته الوزارية, اعلنوا بأن عادل عبد المهدي ليس شيئاً مهماً وهو لم يكن اساس اهتمامهم بل هو مجرد صامولة سايفة وخطوة نحو اسقاط نهج المحاصصة النهبوي, بكله وكلكله…كل اطرافه واحزابه وميليشياته ومافياته, واسترجاع العراق لحضن شعبه.

لقد تجاهل المنتفضون كل اوراق الاصلاح الكاذبة المتزلفة التي سارعت اجهزة السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية الى تمريرها بسرعة سيارات الفورميلا 1, حتى ظن المرء انها واحزابها يعانون من اسهال تشريعي وصحوة اصلاح عاتية, لولا ما رافقها من عمليات قمع وحشي, يندى له الجبين, طال انبل ابناء الشعب العراقي من رفاقهم السلميين المتطلعين لمستقبل افضل…

البون طبعاً شاسع بين التجاهل السلطوي المتعجرف لحقوق شعب أبيّ, وتجاهل هذا الشعب العادل لتوسلات طغمة ولغت في دماء ابناءه بخسة, وسرقت ثرواته و جيّرتها لرخاءها وتسلطها ولقمعه وجعل ارض وطنه ضيعة للاجنبي, بأعطائها فرصة اخرى لأصلاح ما مضى…

اصبحت الشرعية اليوم لدماء الشهداء التي سالت مدرارة, والقول الفصل لرفاقهم الابطال في سوح الكفاح.

لقد وعى شبابنا ومعهم شعبنا لبديهية بسيطة : ” فاقد الشيء لا يعطيه !”.

أحدث المقالات