أظنني أفتيت الاسبوع الفائت ، بأنّ الوضع خطيرٌ في بلادي . سأضيف الليلة مقطوعة هامّة فوق قطعة الإسبوع البائد ، وأفتي بأنّ الوضع جدُّ خطير . سيقول قائل منكم ، أو كثرة كاثرة ، أننا نشمّ من مفتتح مكتوبك هذا ، رائحة خديعة لغوية تمشي على أربع . سأفهم الأمر وأقطع ، وأبدّل وجهة المكتوب . وجهتي الجديدة تلبط الآن قدّام حكاية ، أشتهي الليلة ثردها فوق مواعين الكلام المباح . ثمة بقّة حرمسة محرمسة تطنطن الآن على سور مائدتي . ألبقّة البعوضة لم تقترب منّي ولم تلسعني بعد ، لكنّ طنينها الواضح على مبعدة شعرة من صيوان أذني ، جعلني أحكّ ظهري ، وأخمش خشمي ، وأهلس تسع شعرات بيض من سمين لحيتي . ألحقّ هو أن لا رغبة لديّ في قتل تلك الطائرة المسكينة ، والصحيح جداً هو أنني جاهدت كثيراً ، لإرهابها بحركات عشوائية ، وكنسها خارج سور مائدتي ، لكنها عاندت وأصرت وألحّت ، ولم تلتفت صوب عرضي الرحيم . هششتها سبعين مرة ومرة فلم أفلح . كانت تطير مبتعدة ، وتلفّ وتصنع دائرة ، ثم تهبط مثل صقر يحوم حول فريسة منتقاة ، فتفوز بمصّة من دمي الفائر . فتّشتُ عن لغة تواصل مشتركة ، أصل من خلالها إلى إقناع البقّة ، بأنّ مائدتي الليلة ، مفروشة بطيّب الطعام ، وعذب الشراب ، وما اشتهت الأنفس من البوارد والحوامض والموالح ، وزجاجة شراب تعتّقتْ سنة في قبو أمّ رمزي الطيبة ، حتى صار منقوعها المسحور ، على فائدة ولذة وسلطان . يا بقّتي الصغيرة المغرورة ، أرجو أن تعلمي أنّ بعبّي من الأحابيل والحيل والفخاخ ، ما لا تقوين على مواجهته ، فأنت صغيرة مسكينة عريانة ، لا ساتر يقيك ، ولا مصدّ رمل يحميك ، فأحذري غضبتي وهي غضبة حليم صابر ، واعلمي أنني إن استمكنتك في واحدة من سكناتك الحمقاء فوق الحائط ، سأهوي عليك بكفّي الثقيلة التي لا تثنّي ، فتكوني من بعدها أيتها المغفلة ، من الخاسرات . لا تجعليني أقرط إصبعي نادماً ، لأنني عفوت عنك قبل لحيظة من الآن ، إذ كنت قاب حرفين من يميني . أنت ضعيفة وطائحة حظّ ومقاسك من مقاس عفطة ريح ، وأنا قويّ جبار ذكيّ ، أقوم على مائة وسيلة ، أوّلها العفو عند التمكن والمقدرة ، فخذي جناحيك والريح وما مصصت من دمي ، وشفطت من زمني ، واستغفري من فطرك وسوّاك وقوّمك على هذه الخلقة ، وتذكّري أنّ لك أطفالاً تنطر ، وزوجاً يسعل ، وصباحاً قد يكون أسعد سعدين . إكسري – يا ابنة الحلال – شرّ الليلة ، فليس في الجسم حيل على مرأى بقّة ضعيفة صغيرة خبلة ، وهي تتفلّش على حائط الصبر الجميل . طيّب ، ماذا لو شاركتِني مائدتي الموحشة ، فكما ترين إلى صاحبها الدرويش ، وحيداً غريباً مستوحشاً ، يسوق كأسه وحده ، مرة يشفطها ويكرّز الأصدقاء ، وثانية يكرعها صرفاً ، ويدخّن الأيام الساخمات . تعالي أيتها الحرمسة المبروكة المحظوظة . إدني منّي فأنا السند والمتكأ . سأعمّر لك كأساً طيبة ، وسأغنّي لك ما تشائين وتشتهين . حنجرتي قوية جداً . أقوى من حنجرة صاحبي الحميم سعد السيلاوي . بمستطاعي أن أجوّد وأرتّل كلّ المقامات والسلالم والبسْتات والطقاطيق . إنْ كنت تنفرين من شمّة ضوع الخمر ، فتعالي يا حلوتي ، وانزرعي فوق وجنتي ، ومصّي واحلبي ما تيسّر من بعض دمي . هذه خوخة غير معضوضة . ذوقيها ولن تندمي . إنْ صرت الآن على رغبة ملحاحة في أن تطمسي ساقيك بماعون الجاجيك ، فسوف أكون ممتنّاً جداً لهذا الفعل الجميل . عندي الآن فكرة مذهلة . سأغني لك خلطة تعاتبٍ مسحورة ، من شعر كامل العامري ، وتنويح حسين نعمة ، وملحون محمد جواد أمّوري . إنصتي إليّ صديقتي ، لكن من دون بكاء :
جاوبْني تدري الوكتْ ، بوگاته غفلاوي
موش انت نبعة عشگ ، بالحسن متغاوي
ليش المعاتب كَلِفْ .. والشوگ سكتاوي
چا وين أوَدّي الحچي ، واتعاتب ويامنْ .
مرّن فخاتي الصبح ، نشدنّي وين اهوايْ
سمعنّي چلمةْ فرحْ ، وَي مشيتك بهدايْ
ذبلان گلبي اشكثر ، وانت العطش والمايْ
چا وين أودّي الحچي ، واتعاتب ويامنْ
[email protected]