خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في تصريحات قد تنشيء أزمة دبلوماسية بين “تركيا” و”فرنسا”، شهدت العلاقات، أمس، جرعة زائدة من التوتر على خلفية التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”.
إذ وجه “إردوغان” انتقادات شديدة لنظيره الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، معتبرًا أنه: “في حالة موت دماغي”، مصعدًا الضغط قبل أسبوع من قمة حاسمة لـ”الحلف الأطلسي”.
وأقتبس الرئيس التركي توصيف “ماكرون” نفسه لـ”الحلف الأطلسي”، قائلاً: “عليك قبل أي شيء أن تفحص موتك الدماغي أنت نفسك. هذه التصريحات لا تليق سوى لأمثالك الذين هم في حالة موت دماغي”، وذلك ردًا على انتقادات “فرنسا” لهجوم “تركيا”، العضو في “الحلف الأطلسي”، على المقاتلين الأكراد في شمال “سوريا”.
كما اعتبر أن تحذير الرئيس الفرنسي من أن “حلف شمال الأطلسي” يعاني من “موت إكلينيكي”؛ تعكس فهمًا “مريضًا وضحلًا”، وإن عليه أن يتأكد مما إذا كان يعاني هو نفسه من ذلك.
استدعاء السفير التركي..
وكرد فعل على هذا الهجوم الحاد، قررت “فرنسا” التحرك عبر الطريق الدبلوماسي؛ فأعلن مسؤول بالرئاسة الفرنسية أن “وزارة الخارجية” الفرنسية ستستدعي سفير “تركيا” عقب تلك التصريحات المهينة.
وقال المسؤول: “فيما يتعلق بالتجاوزات الأخيرة من جانب الرئيس التركي، هذه ليست تصريحات هذه إهانات. نحن نتوقع توضيحًا من الرئيس، إردوغان”.
وأضافت الرئاسة: “هناك مسألة العملية التركية في سوريا وتداعياتها، واحتمال عودة (داعش)، لكن أيضًا هناك مسائل أخرى يجب الحصول على رد عليها من تركيا”.
اتهام لفرنسا بحماية الإرهاب..
وكانت “تركيا” قد اتهمت، أمس الأول، الرئيس الفرنسي، بـ”حماية الإرهاب” في “سوريا”، في رد على انتقادات جديدة أطلقها الأخير ضد عملية “أنقرة” العسكرية.
وقال “ماكرون” إن “تركيا” وضعت “حلفاءها أمام الأمر الواقع” وعرقلت “عمل التحالف الدولي ضد (داعش)، التي أذكر أنّ حلف شمال الأطلسي عضو فيه”.
وهو الأمر الذي أثار غضب “أنقرة”، التي تتهم “باريس” بشكل متكرر بأنها تدعم الأكراد في “سوريا”. ونقلت وكالة (الأناضول) الرسمية عن وزير الخارجية التركي، “مولود تشاوش أوغلو”، قوله: “بأي حال، ماكرون حام للمنظمة الإرهابية، وتتم استضافتهم في القصر الرئاسي الفرنسي باستمرار”، في إشارة إلى معارضة “فرنسا” للعملية التركية شمال “سوريا”، والتي أدت إلى نزوح آلاف السوريين الأكراد.
اجتماع “ماكرون” مع “قسد”..
وكان “ماكرون” قد عقد اجتماعًا مع المتحدثة باسم “قوات سوريا الديمقراطية”، “جيهان أحمد”، في “باريس”، في 8 تشرين أول/أكتوبر 2019.
لكن مكتب الرئيس الفرنسي قال إن الاجتماع كان تعبيرًا عن تضامن “فرنسا” مع “قوات سوريا الديمقراطية” في قتالها ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”، وكذلك ليعرب عن قلقه إزاء تنفيذ عملية عسكرية تركية في “سوريا”.
وبعد يوم واحد من الاجتماع، شنت “تركيا” هجومًا مسلحًا شمالي “سوريا” لإنشاء “منطقة آمنة” خالية من الميليشيات الكُردية.
وتعتبر “تركيا”، “وحدات حماية الشعب” الكُردية، المنضوية تحت “قوات سوريا الديمقراطية”، “كيانًا إرهابيًا”.
تصاعد التوتر قبل قمة “حلف الأطلسي”..
تصريحات “إردوغان” الأخيرة؛ تعكس تصعيدًا في التوتر بين “تركيا” و”الحلف الأطلسي”، وهي من أعضائه، قبل قمة حاسمة للحلف، الأسبوع المقبل في “لندن”.
وتتعرض العلاقات بين “تركيا” وحلفائها في (الناتو) لضغوط؛ منذ أن أشترت “أنقرة” نظام الدفاع الصاروخي الروسي، (إس-400)، في وقت سابق من العام الجاري.
ويعقد اجتماع على هامش القمة، بين “إردوغان” و”ماكرون”، والمستشارة الألمانية، “أنغيلا ميركل”، ورئيس الوزراء البريطاني، “بوريس غونسون”، لبحث ملف “سوريا”.
وانتقدت الدول الغربية العملية التركية؛ وقال “ماكرون” معلقًا عليها، في مقابلة أجرتها معه مجلة (ذي إيكونوميست): “نشهد عدوانًا من شريك في الحلف، تركيا، في منطقةٍ مصالحنا فيها على المحكّ، من دون تنسيق”، معتبرًا ذلك من مؤشرات “الموت الدماغي” الذي اعتبر أن “الأطلسي” يعانيه.
ماذا يريد “ماكرون” من “الحلف الأطلسي” ؟
في السياق ذاته؛ أشار مسؤول أميركي رفيع، أمس، إلى أن ماكرون “لا يزال يحاول معرفة ما الذي يريده” من “الحلف الأطلسي”.
ودعا “ماكرون” إلى تحويل الأولويات من التركيز على قوى كبرى على غرار “روسيا” و”الصين” إلى مواجهة الإرهاب الذي اعتبره “العدو المشترك”.
لكن المسؤول الأميركي، الذي رفض كشف هويته؛ أشار إلى أن “ترامب” سيؤكد في قمة الحلف أن “الصين” و”روسيا” لا تزالان بين أبرز التحديات التي يواجهها التكتل، قائلاً: “الصين قبل كل شيء”.
وقال المسؤول إنه: “ليس من الغريب” أن كثيرًا من أعضاء “حلف الأطلسي” يشعرون بالقلق حيال “عدم إكتراث، (روسيا)، المتواصل لسيادة ووحدة أراضي جيرانها”.
ورفض المصدر التعليق على ما وصفه: “بالأخذ والرد” بين الرئيسين، الفرنسي والتركي، بينما شدد على “الاحترام” المتبادل بين “ماكرون” و”ترامب”.
هجوم تركي مسبق..
ولم يكن هجوم “إردوغان” الأول من نوعه، على “ماكرون”، ردًا على انتقاده لها. ففي تشرين أول/أكتوبر الماضي، شبّهه وزير الخارجية التركي، “مولود تشاوش أوغلو”، بـ”ديك يصيح”، بعدما انتقد الرئيس الفرنسي سجل “أنقرة” على صعيد حقوق الإنسان في خطاب أمام “مجلس أوروبا”.
تعليقًا على ذلك، اعتبر الباحث لدى المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والإستراتيجية، “ديدييه بيليون”، أن تدهور العلاقات بين “فرنسا” و”تركيا” بات “تقريبًا بدرجة الخطورة نفسها التي سجلت في عهد، (الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا) ساركوزي”.
ويُذكر أن “ساركوزي” قد أثار حفيظة “تركيا” عبر معارضته لطموحاتها بالإنضمام إلى “الاتحاد الأوروبي”.