لا اعلم لماذا تجاهل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي النصيحة التي تحدثت بان “سفك الدماء يؤدي الى زوال الحكم” وتمسكه بكرسي السلطة على الرغم من مشاهد سقوط الشهداء والدماء التي غطت ساحات الاحتجاج والمدن المنتفضة في الوسط والجنوب، وكان تلك المشاهد لا تصل لمكتب سيادته او انها لشباب من خارج كوكبنا ارتكبوا جريمة الخروج على حكومتهم “النزيهة” التي وفرت لهم جميع متطلبات الحياة.
لكن عبد المهدي لم يتوقف عند تجاهل تلك المشاهد وأصبح يبحث عن طريقة لتثبيت سلطته فاختار نظرية “الحاكم العسكري” التي اعتمدها قبله جميع من يفكر بعقلية الديكتاتور وسلطة الفرد الواحد، والتي قد تكون واحدة من نصائح مستشاريه الذين يحاولون “تقليد” جميع ممارسات النظام السابق في التعامل مع جميع الأصوات التي كانت تهتف ضده، وقد تناسوا بانهم كانوا يرفعون شعار “المظلومية” من التصرفات ذاتها التي يطبقونها اليوم على الشباب المحتج والرافض لسياساتهم، ليكون القرار إرسال قيادات عسكرية للمحافظات الجنوبية ومنها ذي قار التي وصل اليها الفريق الركن جميل الشمري بعنوان اعادة فرض الامن، ليرتكب مع ساعات الفجر الأؤول مجزرة بحق المتظاهرين امتدت لأكثر من اثنتي عشرة ساعة قبل ان يجد نفسه محاصرا داخل قيادة الشرطة، ليخرج علينا عبد المهدي بخبر عاجل يستعدي خلاله الشمري إلى بغداد بحجة قرارات فردية اتخذها الاخير بالتعامل مع المحتجين، وكأنه يريد ان يمارس سياسة الكذب بعد ان كشفت جميع اوراقه، فكيف لقائد عسكري ان يصدر أوامر من دون معرفة القائد العام للقوات المسلحة.
وفي متابعة بسيطة لمواقف عبد المهدي وخطاباته الأخيرة التي اخبرنا فيها بان “الناس تريد ان تعود الى مصالحها لانها تضررت كثيرا والدولة لا يمكن ان تبقى مكتوفة الأيدي امام مثل هذه الأمور وإلا سينهار النظام العام، وإذا انهار النظام العام فهذه خسارة للجميع لانه سيحدث هناك صدام اهلي خطير”، تجد ان تلك الكلمات كانت مقدمة لبداية “المجازر” ومحاولة لتبرير عمليات القتل بحجة “استغاثة” اصحاب المصالح المتضررين، ليكون هذا الموقف دليلا واضحاً على النية المبيتة التي اكتملت باتفاق سياسي من أطراف الموالاة للحكومة بضرورة ايجاد حلول عاجلة لانهاء التظاهرات بأية طريقة كانت، ولعل واحدة من تلك الطرق البيانات التي اصدرتها بعض القوى السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة حينما روجت لوجود عملية استهداف يخطط لها المتظاهرون تتمثل باستهداف المرجعية الدينية في مدينة النجف، لتتحرك مجاميع مسلحة لقتل المتظاهرين تحت عنوان الدفاع عن المرجعية، في حين تتجاهل تلك الأطراف دعوات المرجعية المتكررة لتلبية مطالب المتظاهرين وإصلاح العملية السياسية، لانها خارج حساباتهم.
نعم.. في كل مرة يحاول عبد المهدي وفريق الموالاة من القيادات السياسية تجاهل الشعب ومطالبه ويحاولون ممارسة دور “المدافع” عن الحقوق وتثبيت مبادى وأسس الدولة، لكن تصرفاتهم على الأرض تختلف، فهم يمارسون عمليات القتل لجميع من يؤشر اخطائهم، لإيمانهم بان لغة السلاح ستكون كفيلة بإسكات المطالبين بحقوقهم في الناصرية والنجف وكربلاء وبغداد، حتى انقلب السحر على الساحر وأصبحت عمليات القتل مؤشراً على نهايتهم وتبادل الاتهامات بتحمل المسؤولية حتى أصبحت القيادات العسكرية تحمل عبد المهدي المسؤولية في وقت تتهرب تلك القيادات من أوامر إطلاق الرصاص وتدعي بان المنتسبين اتخذوا قرارات فردية بمواجهة المحتجين، وتحاول القوى السياسية المؤيدة لعبد المهدي الوقوف على التل هذه المرة للظهور بصورة الباحث عن الحلول، ولكنهم لا يدركون بانهم جزء كبير من الازمة، وتأييدهم لمطالبة المرجعية الدينية لمجلس النواب باقالة عبد المهدي لن تنفعهم فجميعهم مذنبون.
الخلاصة… ان استقالة عبد المهدي التي أعلن استعداده لتقديمها لمجلس النواب كانت ابرز اسبابها اللجوء للحاكم العسكري الذي يجب ان يكون درسًا لمن سياتي بعد عبد المهدي لمنصب رئيس الوزراء، لكن الاستقالة لن تعفي عبد المهدي وجميع من ايده بممارسة القتل من المساءلة بداية من مستشاريه وأطراف الموالاة للحكومة وخاصة من يمتلك فصائل مسلحة التي كانت تقنع عبد المهدي بانها ستوفر له الحماية ببنادقها… اخيرا السؤال الذي لابد منه… هل ستتعلم القوى السياسة من تجربة عبد المهدي “الفاشلة”؟…