خاص: قراءة- سماح عادل
رواية (فتاة الرحلة (5403 للكاتب الفرنسي “ميشيل بوسي” تحكي عن قصة إنسانية نجمت عن حادثة مروعة لسقوط طائرة آتية من تركيا إلى باريس، وكيف أن نجاة رضيعة من هذه الحادثة، التي مات فيها جميع من كانوا في الطائرة، خلقت صراعا بين عائلتين إحداهما غنية والأخرى فقيرة، الرواية تعتمد على التشويق بشكل أساسي لكنها ترصد سيكولوجية الأبطال.
الشخصيات..
ليز-روز- إيميلي- ليلي: هي بطلة الرواية، الطفلة الرضيعة التي نجت من حادث تحطم طائرة في منطقة جبلية في فرنسا، وحدث صراع عليها بين عائلتين استمر 18 عاما، لتنتهي الرواية باكتشاف هام، عاشت البطلة في صراع نفسي طوال حياتها بسبب انجذابها لشقيقها الذي عاشت معه، لتكشتف أنه في النهاية ليس شقيقها وتكتشف عائلتها الحقيقية وتتزوجه.
بيير فيترال: هو بائع فقير مات ابنه وزوجته في حادث الطائرة بصحبة رضيعتهما، وحين يتم الاعلان عن نجاة ليلي يعلن أنها حفيدته، ويصر على تربيتها في بيته، ثم يموت بتحريض من رب العائلة الأخرى مختنقا بالغاز في الشاحنة التي يعمل فيها هو وزوجته لتحضير الطعام.
نيكول فيترال: الجدة، بائعة طعام هي وزوجها، وهي يسارية تناصر الكادحين من أمثالها، وتعيش طوال حياتها من عمل يديها، تفقد ابنها الأول في حادث سيارة، ثم تفقد ابنها الثاني في تحطم الطائرة، وتقاتل لكي تحتفظ بالرضيعة وبالفعل تقوم بتربيتها حتى تصل إلى سن 18.
مارك فيترال: شقيق “ليلى” وحفيد “نيكول”، ينجذب إليها طوال حياته بشكل غريب، ويظل يؤنب نفسه على ذلك إلى أن يكتشف حقيقية أنها ليست شقيقته.
مالفينا دو كارفيل: أخت الرضيعة “ليز روز”، وقد بقت بعد وفاة والديها في تحطم الطائرة، وظلت تحلم طوال حياتها باسترجاع أختها الرضيعة مما تسبب لها في خلل نفسي، خاصة وأن جدها قد استخدمها كشاهدة في صراعه مع العائلة الأخرى.
ماتيلدا دو كارفيل: الجدة الغنية التي رضت بمشيئة الله، ولم تسع إلى إلحاق الشر بالعائلة الأخرى، لكنها تركت أموالا ل”ليلى” وتمنت أن تعيش معها، ثم تقتل زوجها في النهاية وتنتحر.
ليونس دو كارفيل: الجد الذي خاض الصراع بعنف، وتآمر على قتل “بيير” وكان يريد قتل الجدين ليحصل على الرضيعة، وبعد فشله في الحصول عليها يصاب بجلطات تجعله مشلولا باقي عمره.
كريدول غران دوك: محقق خاص سعت “ماتيلدا دو كارفيل” إلى توظيفه ليحقق في أمر الرضيعة طوال 18 عاما، وأغدقت عليه الأموال، لكنه كان غير شريف وقام بقتل “بيير فيترال” بتحريض من زوجها، كما سعى طوال تلك السنوات لحل لغز الرضيعة ولم ينجح إلا بعد كل هذه السنوات في اكتشاف اللغز، وقد كتب مذكراته التي فيها رحلة بحثه عن اللغز.
ناظم اوزان: محقق تركي ساعد “كريدول غران دوك” في عمله طوال السنوات الطويلة، وحين أحب الانسحاب من هذه العمل نشب شجار بينه وبين “كريدول” انتهي بقتله.
إيلا أوزان: زوجة “ناظم” تعيش في فرنسا وتبيع الكباب، وظلت متابعة لعمله طول هذه السنوات، وحين يختفي زوجها تبحث عنه ويقتلها “كريدول” أيضا في النهاية.
الراوي..
تبدأ الرواية بالحكي بصوت “كريدول غران دوك” ثم بحكي راو عليم يحكي عن باقي الشخصيات، ليعود صوت “كريدول غران دوك” من خلال مذكراته التي أرسلها إلى “ليلى” مع حكي الراوي العليم عن باقي الشخصيات والأحداث.
السرد..
تعتمد الرواية بشكل كبير على التشويق رغم أنها لا تندرج تحت إطار الرواية البوليسية أو رواية المغامرات، وهي تشغل القارئ طوال الوقت باللغز، لغز الرضيعة التي اكتشفوها في موقع حادث تحطم الطائرة في 1980، وهل هي ابنة أية عائلة من العائلتين، ويظل الكاتب طوال الرواية يزيد من التشويق حول هذا اللغز، والرواية تقع في حوالي 576 صفحة من القطع المتوسط، وتعتبر طويلة نسيبا وقد تعمد الكاتب الإطالة والحكي عن تفاصيل كثيرة وتتبع خطوات التحقيق حول هذا اللغز، كما اهتم برصد سيكولوجية “مارك” و”ليلى” و”مالفينا” بشكل كبير، لكنه بنى الرواية بناء محكما وحافظ على خط التشويق إلى النهاية..
المال قد يخسر أمام التعاطف الإنساني
رغم أن أهم ما حكته الرواية هو رحلة البحث عن حل لغز الرضيعة وتصوير نفسية المحقق الخاص، الذي نكتشف في النهاية أنه قاتل محترف أيضا وأنه انتهازي ويسعى وراء المال، إلا أن الرواية في ثنايا ذلك وصفت أماكن في باريس، كما صورت الصراع بين العائلتين من منظور طبقي، وكيف أن العائلة الغنية استطاعت أن تستميل إليها القاضي وتحشد المحامين وتحقق مكاسب كبيرة، إلى أن قرر “بيير” و”نيكول فيترال” أن يحاربا بقوة، فاستخدما الإعلام وتعاطف الناس تجاه كفاحهم وابتزاز الأغنياء لهم وضغطهم عليهم، كما وبدون قصد مباشر ساعدت “نيكول” جاذبيتها الجنسية وكونها امرأة جذابة مما عزز موقفها، وقد استطاعت في النهاية الاحتفاظ بالرضيعة لكن استمر الجد في العائلة الغنية يحارب بشراسة مستخدما أسلحته القوية وهي المال والنفوذ، وقد رصدت الرواية كيف أن عائلة “فيترال” عائلة فقيرة لكنها مناضلة لها نشاط سياسي وتساند الكادحين.
كما وصفت الرواية الفرق الطبقي الهائل بين المكان الذي تقطن فيه عائلة “دو كارفيل”، فهي تعيش في قصر على مساحة أرض واسعة وتخصص أرضا كبيرة لزراعة الأشجار والنباتات، كما أن للعائلة تقاليدها الراسخة، في حين أن عائلة “فيترال” تعيش في بيت ضيق جدا حتى أنهم يستخدمون شاحنة الطعام التي يعملون بها مخزنا لأشيائهم، وقد عانى “بيير”و “نيكول” من أمراض جراء عملهم الشاق لإعالة الأسرة.
كما ترصد الرواية مشاعر “مارك” و”ليلى” التي كانت مصدر إحساس بالذنب وتأكيد ل”مارك” أن “ليلى” ليست أخته.
يعتمد الكاتب على إيهام القارئ بأشياء ليعود ويكتشف أنها لم تحدث، مثل قتل “كريدول غران دوك” ومثل هروب “ليلى” وسفرها بعيدا، ومثل كون “ليلى” ابنة العائلة الغنية، ثم يرجح كونها ابنة العائلة الفقيرة ليكتشف السر في النهاية، وهو أنها ليست ابنة للعائلتين، وإنما ابنة لفتاة مراهقة حملت بها نتيجة علاقة عاطفية غرر بها فيها، وحين تلد لا تعرف ماذا تفعل بالطفلة خاصة بعد تنكر شريكها لها ورفضه فكرة الإنجاب، فتضطر أن تصبح متشردة في الشوارع، ثم في النهاية تضع ابنتها في مكان حادث تحطم الطائرة وتلبسها ملابس الرضيعة التي ماتت.
وتعود لأسرتها دون أن تخبر أحدا أنها أنجبت طفلة وتخلت عنها، وتعيش مع أحدهم دون أن تخبره أيضا، وتخاف من كشف حقيقة كونها أم ليلى، مما يعكس نقطة هامة وهي أن المجتمع الفرنسي مجتمع محافظ، رغم أنه مجتمع غربي متحرر ويدعي اتصافه بالديمقراطية وتحقق المساواة بين الجنسين إلا أنه مازال يدين الإنجاب خارج إطار الزواج، ويدين المرأة أكثر لذلك الفعل، حتى أن تلك الفتاة المراهقة خافت أن تتحول لمتشردة طوال حياتها بسبب إنجابها في سن صغيرة وخارج إطار الزواج، فاضطرت إلى التخلي عن طفلتها وإخفاء أمرها عن الجميع.
الرواية حكاية مشوقة وفقط، ولا يسعى الكاتب إلى شيء غير ذلك، لكنه استخدم لغة مميزة وقدرة عالية على التشويق وإثارة القاريء.