قبل سنوات خمس تمكنت المملكة السعودية من حشد حلف كبير ساندها في شن غارات جوية تطورت لاجتياح بري لليمن بغرض انهاء الطموح السلطوي لجماعة انصار الله (الحوثية) وحليفها الجديد المتمثل في حزب الرئيس اليمني السابق “الراحل” علي عبدالله صالح!
قد تكون المخاوف السعودية مفهومة خصوصا عندما يتعلق الامر بنفوذ ايراني عند خاصرتها الجنوبية؛ لكن ليس هذا هو الامر برمته، وليست كذلك صورة كاملة لأبعاد الصراع في اليمن،
فالسعودية ومن خلفها الحلف الخليجي كانت اياديهم تعبث بالملف اليمني منذ أمد بعيد، وهم والغون تماما ومساهمون في زيادة تعقيد المشهد اليمن، فمثلما سعت السعودية في الستينات من أجل وقف مد انقلابات الضباط واقامة جمهوريات علي انقاض الممالك العربية؛ وخاضت لأجل ذلك حرباً ضد مصر الناصرية علي ارض اليمن ودعمت حينها الامام الزيدي (أحمد) ملك اليمن، ما يعني ان الحرب في اليمن ليست حربا مذهبية في الاساس وانما حرب لها ابعاد سياسية بامتياز وبعيدة كل البعد عن ان تكون حرب لأسباب او اهداف دينية.
السعودية تدخلت في العام 2011م من أجل عرقلة ثورة شباب اليمن وجاهدت من اجل ان يكون المخرج (خليجي /سعودي) وليس يمينياً ، وذلك حين ساندت علي عبدالله صالح حتي آخر رمق ؛ ثم فرضت بعدها تسوية حرصت بموجبها علي ان يحتفظ علي صالح بنفوذه وقوته العسكرية والسياسية و وفرت له حصانة تامة ضد الملاحقات القضائية، ونصبت الرجل الضعيف عبد ربه هادي، والذي بدا زاهداً في السلطة وعاجزاً كذلك عن قيادة اليمن في هذا الظرف العصيب، وبذا فان اي تطور بعد ذلك بما فيه تشكل وتقدم حلف الحوثي/صالح و ظهور المجلس الانتقالي الجنوبي يصب في المصلحة السعودية والخليجية ويمنحها الحق في مزيد من التدخل..
ولأنها السعودية! فانها تمكنت من تشكيل حلف ضم كل الغرماء والخصوم الذين وضعوا تناقضاتهم جانباً وهبوا تلبيةً لنداء (عاصفة الحزم) السعودية، فاصطف خلف الملك الرئيس السيسي وعدواه امير قطر ورئيس تركيا قبل ان تعود السعودية فتلغي دور قطر و قبل ان ينسحب الاخوان انسحاباً خجولاً من هذه “الحرب الفتنة”! وايده “حلف الحزم” الاخوان (المصنفون ارهابياً) من الاردن ومصر، ولحق بهم البشير المغضوب عليه من الامارات والكويت وسائر الخليجيين، وايده الامريكان والبريطانيون والفرنسيون…
كل هذا يمكن استيعابه، لكن ان يتم جر السودان الي هكذا حلف وحرب فهذا ما لا يفهم ولا يستقيم، لكن في الغالب فان الملك السعودي (الذي استدعي “المعزول لاحقاً” البشير علي عجل للرياض قبيل العاصفة) ربما كان قد امر البشير بتحديد موقفه من الحرب المقبلة؛ فالامر ما عاد يحتمل المماحكات السياسية و وصل الي مرحلة (إما معنا وإما ضدنا علي طريقة جورج بوش)، وربما لم يكن يتوقع هذا التراجع السخي من نظام البشير والاقدام علي المساهمة الفعلية في الحرب وانما مجرد اعلان دعم الخطوة وتأييدها واعلان انتهاء حلف طهران-الخرطوم، والغاء كل البرتكولات العسكرية والامنية بين العاصمتين،
لكن لأن نظام البشير كان قد اضحي كالغريق الذي يتعلق بكل قشة آثر ان يلقي بكل ثقله خلف السعودية عسي ان ينال بعض من الغنائم والمكافاءات التي تقيم أوده..
تلك مغامرة ما كانت محسوبة العواقب فالسودان الذي يخوض حرب أهلية (والحرب الاهلية من أقسي انواع الحرب واعلاها كلفة) منذ ما يزيد علي الثلاث عقود ليس له قبل ولا قدرة علي مجابهة التكاليف العسكرية او السياسية أو المالية لمثل هذه الحرب.
في سياق متزامن مع حرب اليمن اعلنت الجامعة العربية انها تزمع انشاء (قوة عسكرية عربية مشتركة)، لكن يبدو انها لاحقاً صرفت النظر عنها دون إعلان و حسناً فعلت بكونها عدلت عن تلك الخطوة التي تدفع اليها السعودية وبقية دول الخليج والتي في الغالب لن تعدو كونها قوة علي نسق قوات (درع الجزيرة) الذي استخدم مؤخرا لقمع التظاهرات السلمية في البحرين،
ما يدفعني لهذا القول هو ان اي حلف عسكري بين دول مستقلة ينبغي ان يكون الحافز نحوه هو تقارب سياسي بين اعضاء هذا الحلف، والدول العربية ليس هناك أي تقارب في الانظمة السياسية الحاكمة .. فكل دولة تحكم بنسق مختلف وبتقاليد مختلفة وبنظام مختلف، وليس هناك أي قاسم مشترك، ان أي تقارب عسكري في ظل انظمة لا تتمتع شعوبها بحق الممارسة السياسية الحرة (الديمقراطية) سيكون بمثابة حلف يصب في مصلحة الانظمة القمعية المستبدة ويهدف لحماية الانظمة وليس لمجابهة التحديات والمهددات التي تواجه الدول والشعوب.
علاوة علي ان المؤسسة الميئوس منها (الجامعة العربية) لن تكون قادرة علي اقامة مثل هذا المشروع والذي يتطلب علاوة علي التأسيس النظري المحكم تتطلب ايضا عملا مضنيا لن يقدر عليه من درجوا علي الكسل والخمول بعد صياغة بيانات الشجب…
وكان من الأجدي الدعوة لصياغة اتفاق علي انشاء قوة مهام محددة أي تشكيل القوة عند حدوث أي طارئ ويتم التوافق في كل حالة علي حدا علي عدد القوات وتسليحها ومساهمة الدول فيها وتمويلها ومهامها وقيادتها وأمد تفويضها …الخ، وتأسيس مكتب يتبع للجامعة يتولي التخطيط والمتابعة لهذه الحالات.