خاص : كتبت – هانم التمساح :
وحد الفقر والظلم العراقيين بكل طوائفهم وشرائحهم نحو هدف واحد؛ هو بناء وطن واحد قوي مستقل حر عادل؛ لا يُظلم فيه أحد ولا تحكمه طبقة بعينها أو مذهب بعينه، هناك من شارك في التظاهرات وجاد بدمه ومستقبله، وهناك من ليس لديه رفاهية حق التظاهر.. نعم التظاهر بالنسبة لشرائح معينة في “العراق” رفاهية لا يجرؤون على الإقدام عليها، من هؤلاء “مسيحيو العراق”؛ أصحاب المكون الأصيل في المجتمع، والذي يكاد ينقرض، لكن هؤلاء عبروا عن دعمهم لمطالب شعب “العراق” الثائر ضد الأوضاع المتردية وأرسلوا قافلة تحمل تبرعات لدعم الجرحى والمتظاهرين، أكثر من سبع ساعات طريقًا، إلى قلب العاصمة، “بغداد”، لدعم المتظاهرين بخوذ تحمي رؤوسهم من القنابل المخترقة للجماجم، والمستلزمات الطبية للجرحى، والماء، والطعام منذ بدء التظاهرات، مطلع تشرين أول/أكتوبر الماضي.
5 آلاف دولار تبرعات “مسيحيو بغديدا” للمتظاهرين..
وحمل الشاعر، “جميل الجميل”، وبرفقته صديقين له، نحو 5 آلاف دولار أميركي، تم جمعها من خلال مجموعة في موقع التواصل، (فيس بوك)، من ناحية “قرة قوش” أو المعروفة، بـ”بغديدا”، وهي بلدة سريانية، جنوب شرق “الموصل”، مركز “نينوى”، شمال العراق.
وتحدث الشاعر، “الجميل”، في تصريحات صحافية؛ قائلًا: “جمعنا مبلغ قدره 6 مليون دينار عراقي، (ما يعادل 5 آلاف دولار أميركي)، من أبناء المكون المسيحي، وعائلات ناحية بغديدا، عبر مجموعة، (كروب)، قمنا بإنشائه في الـ (فيس بوك)، وجئنا إلى بغداد، لشراء المستلزمات التي يحتاجها المتظاهرين في ساحة التحرير”؛ وسط العاصمة.
وأضاف “الجميل”؛ قمنا بشن حملة بصور وشعارات، وعبارات منها: “نحن مسيحيو سهل نينوى، نتضامن مع إخوتنا المتظاهرين، ونعتذر عن الخروج في تظاهرة؛ لأن مدننا لا يسمح لها بالتظاهر”، “دعونا فيها إلى إسناد المتظاهرين، ودعمهم، لتنهال علينا التبرعات من العائلات المسيحية”.
وأكمل: “حال وصلنا إلى بغداد، قادمين من بغديدا، بعد طريق استغرق 7 ساعات ونصف، وضعنا ما يحتاجه المتظاهرين، بأموال التبرعات التي جمعناها، وهي: أغطية، قناني أوكسجين، دروع ضد قنابل الغاز المسيل للدموع، وخوذ، وأقنعة، وأدوية، والمياه، والطعام، وقناني البيبسي، وكارتات تعبئة الرصيد للهواتف، والجوارب، والكثير من المواد الأخرى”.
ووزع الشاعر من المكون المسيحي، القادم من “سهل نينوى”، الذي يضم أقدم سكان “العراق”، مع صديقيه في رحلتهم الإنسانية هذه، أظرف ورقية تحمل تبرعات مالية، للمتظاهرين الجرحى، على سائقي عجلات (التوك توك)، الذين حولوها إلى سيارات إسعاف لنقل المصابين والقتلى والوافدين إلى “ساحة التحرير”، مجانًا.
“داعش” خيرهم بين المغادرة أو دفع الجزية !
وكان تنظيم (داعش) الإرهابي، قد خيّر العائلات المسيحية، في “سهل نينوى”، الذي يُعتبر أقدم موطن للمكون المسيحي في “العراق”، وباقي مناطق المحافظة ومركزها، “الموصل”، في الشهر الأول من إستيلائه على المدينة، التي تُعتبر ثاني أكبر مدن “العراق” سكانًا بعد العاصمة، “بغداد”، في منتصف عام 2014، ما بين إعتناق الدين الإسلامي، أو دفع الجزية، أو المغادرة مع مصادرة أموالهم وممتلكاتهم جميعها.
وفي منتصف العام الماضي 2018، دقت أجراس الكنائس في منطقة “سهل نينوى”، شمالي “العراق”، الواقعة شمال غربي “الموصل”، مركز المحافظة، أملًا وسلامًا لحياة جديدة خالية من العنف والإبادة، ورغبة في التعايش مع باقي المكونات مرة أخرى، دون تهجير قسري أو تخيير ما بين ترك دينهم وإعتناق دين آخر تحت شروط وجزية وذبح؛ مثلما طبق (داعش)، إبان سطوته التي دحرت على يد القوات العراقية، أواخر آب/أغسطس عام 2017.
السُنة أيضًا قدموا مساعدات..
ووصلت مساعدات مالية إلى “ساحة التحرير”، من أبناء محافظات: “نينوى، وصلاح الدين، والأنبار”، شمال وغربي البلاد، والتي منع الناشطون فيها من الخروج في تظاهرات تحت تهديدات؛ تباينت ما بين الاعتقال، والتغييب، والمحاكمة بتهم أولها “الإرهاب”.
وتناقل ناشطون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صورًا لتبرعات مالية جمعت من أبناء محافظة “الأنبار”، التي تُشكل وحدها ثلث مساحة “العراق”، غربًا، لدعم المتظاهرين في “ساحة التحرير”، لشراء الخوذ.
ودخلت التظاهرات العراقية، يومها الـ 11 حتى الآن، في العاصمة، “بغداد”، ومحافظات الوسط، والجنوب، مطالبين إقالة رئيس الحكومة، وحل البرلمان، ومحاكمة المفسدين، والمتورطين بقتل المتظاهرين، واستهدافهم، وإعلان حكومة إنقاذ وطني، وانتخابات مبكرة تحت إشراف دولي أممي.
من هم مسيحيو العراق ؟
المسيحية هي ثاني أكبر الديانات في “العراق”، من حيث عدد الأتباع بعد الإسلام، وهي ديانة مُعترَف بها حسب الدستور العراقي؛ حيث أنه يعترف بأربعة عشر طائفة مسيحية في “العراق” مسموح التعبد بها. يتوزع أبناؤها على عدة طوائف؛ ويتحدث نسبة منهم اللغة العربية لغةً أمًّا، في حين أن نسبةً منهم تتحدث اللغة السريانية بلهجاتها العديدة واللغة الأرمنية.
يُعتبر “مسيحيو العراق” من أقدم المجتمعات المسيحية المستمرة في العالم، والغالبية العظمى منهم هم من الآشوريين الأصليين الناطقين باللغات الآرامية الشرقية. هناك أيضًا مجموعة صغيرة من الأرمن والتُركمان والأكراد والعرب المسيحيين. ويعيش المسيحيون في المقام الأول في “بغداد والبصرة وأربيل ودهوك وزاخو وكركوك”؛ وفي البلدات والمناطق الآشورية؛ مثل “سهل نينوى”، في الشمال.
الإنقراض يتهددهم..
وأحتفظت المسيحية في “العراق”، وعلى خلاف سائر الدول العربية، بطابعها الأصلي، فظلت “مسيحية سريانية” ولم تتعرب بنسب كبيرة، كما حصل في بلاد “الشام” و”مصر”، وإن كان معظم أتباع هذه الكنائس يجيدون العربية حاليًا كلغة تخاطب يومي، سيّما في المدن الكبرى.
وتُعد أكبر كنيسة في “العراق”؛ هي “الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية”، ومقرها بـ”بغداد”، تليها “كنيسة المشرق” الآشورية؛ التي نقل مركزها من “الموصل” إلى “شيكاغو” بعد “مجزرة سميل”، عام 1933، بالإضافة إلى تواجد لـ”الكنيسة السريانية الأرثوذكسية” و”السريانية الكاثوليكية”.
هناك أقليات أخرى من الروم الملكيين والأرمن والبروتستانت في “العراق”. يعيش أغلب “مسيحيي العراق” خارج البلاد ولا توجد أرقام دقيقة عن نسبة المسيحيين العرب؛ غير أنه باستثناء المسيحيون المنتمين للكنائس السريانية والأرمنية؛ فإنه لا يتبقى سوى عدة آلاف ممن قد يصنفون كمسيحيين عرب.
إتخذت الأنظمة الحاكمة في “العراق” سياسة تعريب بلغت ذروتها، في السبعينيات من القرن العشرين، عندما تم تصنيف جميع المسيحيين على أنهم عرب.
ممثلون في البرلمان..
بالنسبة للوضع السياسي، لدى المسيحيين قانون أحوال شخصية خاص بهم، وتُعتبر “السريانية” لغة رسمية في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية في شمال “العراق”. ويوجد عدد من الأحزاب السياسية المسيحية، ويمثل المسيحيين العراقيين في البرلمان العراقي كل من الحركة الديمقراطية الآشورية بثلاثة مقاعد و”المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري” بمقعدين.
تاريخيًا أدّى “مسيحيو العراق”، خاصًة “السُريان” من “يعاقبة” و”نساطرة”، دورًا مهمًّا في الترجمة والعلوم والطب خلال فترة الدولة العباسية، لقد ترجم المسيحيون من اليونانية والسُريانية والفارسية، واستفادوا من المدارس التي أزدهرت فيها العلوم قبل قيام الدولة العربية، خصوصًا مدارس مدن “الرها” و”نصيبين” و”جنديسابور” و”أنطاكية” و”الإسكندرية” المسيحية؛ والتي خرجت فلاسفة وأطبّاء وعلماء ومشرّعين ومؤرّخين وفلكيّين وحوت مستشفى، ومختبرًا، ودارًا للترجمة، ومكتبة ومرصدًا.
مجزرة سميل..
تعود هجرة “مسيحيي العراق” إلى بداية القرن العشرين؛ بسبب “مجزرة سميل”، في شمال “العراق”، والتي دعت عشرات الآلاف للنزوح لـ”سوريا”، وبعد الاستقرار خلال منتصف القرن العشرين عادت ظاهرة الهجرة متأثرة بعوامل اقتصادية واجتماعية، خصوصًا بعد حصار “العراق” وحرب الخليج الثانية، إلا أن وتيرتها تسارعت بشكل كبير في أعقاب غزو “العراق”، عام 2003، وما رافقه من انتشار لمنظمات متطرفة شيعية وسُنيّة. وبحسب تقارير انخفض عدد الطوائف المسيحية في “العراق” إلى النصف، في السنوات الأخيرة، بسبب الهجرة، حيث قُدِر عددهم بحوالي مليون نسمة، في عام 2013، لكن انخفضت هذه النسبة بسبب الهجرة، حيث تم استهداف الكنائس والمجتمعات المسيحية؛ والتي شملت أعمال اختطاف وتعذيب وتفجيرات وقتل في جميع أنحاء البلاد، منذ سقوط “صدام حسين”، في عام 2003.