خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في تهديد جديد من جانب الدول الأوروبية لردع “إيران” عن التمادي في تخفيض إلتزاماتها النووية، قال وزير الخارجية الفرنسي، “جان إيف لو دريان”، إن “باريس” تبحث بجدية تفعيل آلية فض النزاع المنصوص عليها في “الاتفاق النووي” مع “إيران”؛ والتي قد تؤدي إلى توقيع عقوبات دولية، وذلك بالنظر إلى إنتهاك “طهران” المتكرر لأجزاء من الاتفاق المبرم، عام 2015، مع القوى العالمية.
جاءت تصريحات “لو دريان”؛ بينما تزداد حدة التوتر بين “إيران” والغرب مع إنتهاك “طهران” تدريجيًا القيود المحددة في الاتفاق ردًا على انسحاب “واشنطن” من الاتفاق ومعاودة فرض العقوبات عليها، بحسب (رويترز).
وقال “لو دريان”، في جلسة برلمانية: “كل شهرين هناك تقليص، (في الاتفاق من جانب إيران)، إلى أن وصلنا للنقطة التي نسأل فيها أنفسنا اليوم، وأنا أقول هذا بكل وضوح، عن تفعيل آلية فض النزاع المنصوص عليها في الاتفاق”.
مساعٍ لم تفلح في إنقاذ الاتفاق..
ومنذ انسحاب “الولايات المتحدة”، العام الماضي، تسعى “بريطانيا وفرنسا وألمانيا” إلى إنقاذ الاتفاق الذي تعهدت “إيران” بمقتضاه بالحد من برنامجها لتخصيب (اليورانيوم) مقابل تخفيف العقوبات التي أصابت اقتصادها بالشلل.
لكن القوى الأوروبية الثلاث لم تفِ بتعهداتها لـ”إيران” فيما يتعلق بالتجارة وعوائد الاستثمار بموجب الاتفاق؛ كونها لم توفر الحماية لـ”طهران” من “العقوبات الأميركية”، التي ضيقت الخناق على تجارتها الحيوية من “النفط”.
تسبب ذلك في قيام “إيران” بالتخلي تدريجيًا عن إلتزاماتها بعدم الانتشار النووي بموجب الاتفاق. وتفضل القوى الأوروبية إلى الآن الإحجام عن تفعيل الآلية خشية أن يؤدي ذلك إلى المزيد من عرقلة الجهود الدبلوماسية، لا سيما من قِبل “فرنسا”، لنزع فتيل التوتر.
وتجتمع الأطراف التي لا تزال ملتزمة بالاتفاق في “فيينا”، في السادس من كانون أول/ديسمبر المقبل، لبحث كيفية إحراز تقدم.
ما تقتضيه آلية فض النزاع..
وتقضي آلية فض النزاع بأن يقوم أي طرف، في حال حدوث خلاف، بإحالة الأمر إلى لجنة مشتركة تضم “إيران وروسيا والصين” والقوى الأوروبية الثلاث و”الاتحاد الأوروبي”، وإذا لم تستطع اللجنة حل الخلاف يرفع الأمر إلى “مجلس الأمن الدولي”.
وإذا لم يصوت “مجلس الأمن”، خلال 30 يومًا، على مواصلة تخفيف العقوبات؛ فسوف يُعاد فرض العقوبات التي كانت قائمة بموجب قرارات سابقة لـ”الأمم المتحدة”.
أسباب التهديد الأوروبي..
وسبق وأن هددت “أوروبا”، في بداية الشهر الجاري، بإعادة الملف النووي إلى “مجلس الأمن”؛ وهو الأمر الذي أرجعته بعض الدراسات السياسية الأوروبية لمجموعة من الأسباب؛ أولها: تخلي “إيران” عن بند واضح في الاتفاق ينص صراحة على تعطيل، (فوردو)، وتحويله إلى مركز بحثي، وثانيها: موقعه الجغرافي بالغ التحصين والعصي على التدمير.
وثالث الأسباب يكمن في احتمالات مد منشأة، (فوردو)، النووية بأجهزة طرد مركزية من الجيل السادس من شأنها تسريع إنتاج كميات من (اليورانيوم) المخصب ورفع نسب التخصيب من مستواها الحالي، (أقل من 5%)، وربما الوصول بها إلى تخصيب أعلى من ذلك.
ورابعها: إشارة تقرير لـ”الوكالة الدولية للطاقة النووية” إلى العثور على مواد نووية في موقع لم تعلنه السلطات الإيرانية وتجهله الوكالة.
وبحسب الخبراء الفرنسيين؛ فإن الجهة القادرة على التخصيب بهذه النسبة، لا يستعصي عليها الوصول إلى نسبة 90%؛ وهي الضرورية لإنتاج القنبلة النووية.
ووفقًا للدراسات الأوروبية، فقد بات لدى الأوروبيين قناعة مفادها بأن طهران “لا تعير بالاً” لتحذيراتهم المتلاحقة ولدعواتهم الملحة لكي تحترم بنود الاتفاق؛ لا بل أن تتراجع عن التجاوزات التي قامت بها؛ سواء من ناحية حجم مخزونها من (اليورانيوم) المخصب، أو نسبة التخصيب، أو نصب أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وأخيرًا إعادة تشغيل (فوردو).
لهذا كان هناك رهان أوروبي على مبادرة الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، الدبلوماسية التي كان يراد لها أن تتوج بلقاء قمة، في “نيويورك” على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، وخطة “ماكرون” كانت تقوم على إقناع الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، بتخفيف الضغوط على “طهران” نفطيًا وماليًا مقابل عودتها إلى الإلتزام بـ”الاتفاق النووي” وقبولها الدخول في مفاوضات جديدة بشأن نشاطاتها النووية لما بعد عام 2025، فضلاً عن تحجيم برنامجها الصاروخي – (الباليستي)؛ وتغيير سياستها الإقليمية.
موقف أوروبي أكثر حزمًا..
وسبق وأن قال الإعلامي والمحلل السياسي المقيم في فرنسا، “مصطفى الطوسة”، إن: “إعلان دول الاتحاد الأوروبي إمكانية اللجوء إلى آلية فض النزاع مؤشر قوي بأن أوروبا بدأت في إتخاذ مواقف أكثر حزمًا، تجاه الخطوات التصعيدية الإيرانية، فهي تبعث برسائل تقول فيها إن التهديد الإيراني المتواصل لا يجب أن يبق بدون رد، أو معالجة أوروبية”.
وأضاف أن: “اللجوء لهذه الآلية، في حد ذاته، خطوة سياسية مهمة، تحمل عدة رسائل أهمها أن أوروبا لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه الخروقات المتعددة والإنتهاكات المتكررة من طرف إيران للاتفاق النووي، فطالما نصح الأوروبيون طهران بأن لا تسقط في الكمين الذي نصبه لها، دونالد ترامب، بأن تتنصل من إلتزاماتها تجاه الاتفاق”.
ضربة للموقف الأوروبي..
وتابع: “الآن؛ وبعد أن بعثت إيران برسائل تؤكد أنها ستتنصل من الاتفاق، وستضع إستراتيجيتها في طريق الحصول على السلاح النووي، هذا يُشكل ضربة قوية للموقف الأوروبي، وهو في قناعته يرفض أن تحصل طهران على ذلك السلاح، لأن في عقيدته الأمنية يعتبر هذا ضربة قاتلة للأمن العالمي، والاستقرار الإقليمي”.
وعن التحركات الأوروبية، أضاف: “دول الاتحاد الأوروبي ستلجأ إلى كل الوسائل من أجل ردع إيران وجعلها تتراجع عن خطواتها، واللجوء لمثل هذه الآلية أحد هذه المؤشرات القوية، لكن حتى الآن لا يوجد أي تأكيد بأن الاتحاد الأوروبي سيلتحق بمنظومة العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران”.
وأنهى حديثه قائلًا: “نحن الآن في مرحلة المناورة السياسية، بعث الرسائل والرسائل المضادة، ومحاولات إقناع إيران بأن ليس من مصلحتها أن تعادي الاتحاد الأوروبي، والذي طالما دافع في المحافل الدولية عن الاتفاق النووي، وعن مصالح إيران الحيوية”.
لا يحق للأوروبيين اللجوء إليها..
فيما قال الكاتب والمحلل السياسي الإيراني، “محمد غروي”، إن: “ما يصرح به الأوروبيون مزيد من الضغط على الطرف الإيراني، في محاولة لإجباره على ألا يتقدم بخطوة جديدة كما تم في (فوردو)”.
مضيفًا أن: “أوروبا باتت مضغوطة أكبر، لأن الخطوة الإيرانية أدخلته في المحظور، والدول الأوروبية لا تعلم كيف تدافع عن وجهة نظرها، ففي الظاهر مواقفها مساند للاتفاق النووي وللخطوات الإيرانية، وفي الباطن تعاديها”.
وتابع: “أتصور أن إيران كان يجب عليها اللجوء إلى فض النزاع وليس أوروبا، لكن عندما خرجت أميركا من الاتفاق النووي، كان واحدًا من الخيارات أمام طهران، لكن الإدارة الإيرانية لجأت إلى البندين، 36 و26، من الاتفاق، حتى لا توسع إطار الرد، ولكي لا يتم تضخيم الأمر، وجعل خطوط الرجعة موجودة لكل الأطراف”.
واستطرد: “حتى الآن إيران لم تخرج من الاتفاق، ولم تناقد أي بند من بنوده، وهذه الآلية وضعت ليتم اللجوء إليها في حال خالف أي طرف من أطراف الاتفاق، لذلك إيران هي المعنية باللجوء إليها، ولا يحق للأوروبيين ذلك، حيث يقفون بجانب أميركا في فرضها للعقوبات على إيران”.
مرحلة عض الأصابع..
ومضى قائلًا: “لكن على ما يبدو، يريد الأوروبيون، ومن خلفهم أميركا، الذهاب إلى هذه الآلية، لجر ملف إيران لمجلس الأمن، وهذا أقصى ما يرغبون فيه، لذلك نحن أمام مرحلة صعبة، شديدة التعقيد، مرحلة عض الأصابع”.
وعن الرد الإيراني، أضاف: “إيران مُصرة على حقوقها النووية، تُصر على أنها لم تخرج إلى الآن من الاتفاق النووي، فعلى عكس ذلك هي من حافظت على الاتفاق النووي، بعد أن ضربت به أميركا عرض الحائط”.