عبد المهدي هو اخر من يمكن ان يسلم حكم العراق، وإن لم يتدارك المخلصون الكارثة التي يحملها، فسوف تكون نهاية العراق على يده. أن كل من اسهم في ايصاله الى السلطة، سواء بالانتخاب او الترشيح أو الضغط، أو حتى مجرد الموافقة، قد ارتكب جرماً مخلاً بالشرف بحق وطنه، وخيانةً لشعبه وانسانيته، ومهما كانت صفته الحزبية أو الدينية!
لماذا نعتبره اخطر شخصية على العراق على الإطلاق في هذه اللحظة التاريخية، فهو باختصار
1- – يمثل الخضوع التام والعلني للأوامر الامريكية كما كشفه حادث التصويت على قانون المحافظات في سنة 2008، عندما كان نائباً لرئيس الجمهورية، حيث قاوم إقرار القانون بكل شراسة حتى هدد ذلك بإسقاط الحكومة، لكنه تراجع فوراً بمجرد ان ابدى تشيني رغبته بذلك، وهذا يشي بنوع العلاقة ذات التبعية التامة والمطلقة للإرادة الأمريكية.
2- – يمثل الخضوع التام لإرادة كردستان (وهو نتيجة للنقطة الأولى بلا شك وأسباب أخرى) حيث انه الرجل المسؤول عن إطلاق الابتزاز الكردستاني للعراق بزيادة حصتها من الميزانية العراقية حينما كان وزيراً للمالية، بمقدار مرة ونصف (من 11,5% – إذا حسبنا اقصى نسبة تم احصاءها لكردستان في التاريخ، إلى 17%) وبدون تقديم أي مبرر.
3- – قام فور توزيره على النفط، وبدون ان يصحب أي مستشار يفهم في النفط، بزيارة كردستان وتوقيع اتفاقية فورية، اطلقت فيها الحرية لكردستان لتصدير النفط، حيث كانت شاحناتها تطارد في الموانئ قبل ذلك باعتبارها محملة بنفط مسروق، إضافة إلى شرعنة سطوها العسكري على كركوك ونفطها وهذا يكفي ليجلل بالعار هذا الرجل وكل من دعمه، لكن هناك أخطر قادم
– في وزارته للنفط، حاول عبد المهدي إعادة العلاقة مع شركات النفط الى ما كانت عليه حتى قبل ثورة 14 تموز! فنعى ما اسماه “القوانين الجائرة” التي تعرضت لها “الدولة العراقية” منذ أكثر من خمسة عقود! ووصف فترة حكم عبد الكريم قاسم بأنها “خربت الكثير من البناءات التي حصلت سابقاً”.)
– كيف ولماذا سمى عادل قوانين الفترة التي أنجزت أكبر الإنجازات في تاريخ العراق، وباتفاق الغالبية الساحقة من أبناء الشعب بكل اطيافه، بأنها “قوانين جائرة”؟
كما نعلم، فقد استعادت حكومة عبد الكريم قاسم المناطق غير المستثمرة، للعراق، وتم انشاء وزارة النفط وبناء الكادر الفني النفطي القادر على مراقبة الشركات في نشاطاتها المعقدة المختلفة. وتم تأسيس منظمة البلدان المصدرة للبترول – اوبك، ووضعت الأسس اللازمة لتأميم النفط بعد ذلك. إضافة إلى ذلك تم إقرار قانون الإصلاح الزراعي الذي حدد ملكية الاقطاعيين في الأرض، ووزع الباقي على الفلاحين الذين يزرعونها، إضافة الى قوانين اجتماعية كانت ثورة كبيرة في تاريخ البلد. وفوق هذا تم بناء المساكن التي وطنت “المعدان” الذين كانوا يسكنون الصرايف حول بغداد، فأمنت لهم مساكن كريمة، وغيرها من الإجراءات المماثلة التي اكسبت قاسم شعبية عظيمة. هذه هي إذن “القوانين التي تعرضت لها الدولة العراقية” التي يريد عادل عبد المهدي الغاءها، لأنها حسب قوله “خربت البناءات”، فمن وجهة نظر من تعتبر هذه القوانين جائرة؟
لا يمكننا ان نفهم هذا الكلام، إلا بالعودة إلى تاريخ هذه العبارة وتاريخ عبد المهدي وتاريخ علاقة الشركات العالمية بالنفط العراقي
بالنسبة لتاريخ العبارة، فلدهشتنا، نجد أن شركات النفط أيضاً قد استعملت حينها ذات التعبير في وصف تلك القوانين وقالت بأنها “جائرة” وطالبت بالتحكيم الدولي، الذي تجاهله عبد الكريم قاسم,لماذا يتكلم عادل عبد المهدي بلسان الشركات؟ وكيف بقي يحفظ التعبير ستين عاماً!
عادل عبد المهدي هو ابن الوزير الملكي عبد المهدي المنتفكي، الإقطاعي المعروف ووزير المعارف عام 1926. وهذه الحقيقة تشرح لنا دوافع الرجل لمواقفه، وقد تشرح لنا أيضا تصرفاته الماضية المثيرة للاستفهام في التنقل بين الأحزاب فأمثال عادل عبد المهدي يحكمهم حقد طبقي لا تشفيه السنين، فينطبق عليهم الوصف الذي ذكره عامر محسن في مقالته “زفرة ماو الأخيرة -1”، حين تحدث عن “طبقة تكنوقراط طفيلية أرستقراطية، وأحفادها”، فقال “لا حقد في العالم يشبه الحقد الذي يحمله النخبوي على من «سرق» منه، أو من جدّه، أملاكه وامتيازاته.
فهؤلاء يعتبرون الزعيم الذي استعاد أملاك البلاد ليوزعها بطريقة اقل ظلماً على الناس، بأنه قد “سرقها منهم”، وأن هذا الحقد يحدد نظرتهم إلى أنظمة الحكم التي يرونها “اشتراكية” ويجعلهم “لا يكلّون عن تعميق قبرها، حتى بعد عقودٍ على فشلها واندثارها هذا الحقد يجعل منهم المادة الخام الأنسب لخدمة أي احتلال او استعمار، وإلى أقصى الحدود، خاصة ان كان في ذلك امل استعادتهم لما يعتبرونه حقوقهم الموروثة في ثروة البلد. هؤلاء يحتقرون الناس ويشعرون أن الفقراء ليسوا بشراً مثلهم، لكنهم تدربوا جيداً على إخفاء هذه المشاعر وتدربوا على استدرار تعاطف الناس. فترى عبد المهدي في مواقف تستعرض الإيمان والتدين المفتعلين بشكل مفضوح احياناً، وتراه، بدلا من أن يقول صراحة: “فترة حكم عبد الكريم قاسم”، فهو يفضل ان يقول: “فترة نهايات الخمسينات وبدايات الستينات”، لأنه يدرك أن ذكر قاسم بالسوء لا يخدم صورته.لقد تمكن رفاق عادل بتوجيه من السي آي اي، من اغتيال قاسم، وحطموا ما استطاعوا من إنجازاته، وهاهو عبد المهدي يعود لإكمال المهمة. ولنلاحظ أن الاحتلال دفع بعادل عبد المهدي منذ البداية ووفر له الفرص للوصول إلى مناصب عديدة لم يكن لاختصاصه أية علاقة بأي منها! فمن أتى به، يعلم أنه لم يكن مطلوباً منه ان يعمل على تطوير مكان عمله، بل على توقيع اتفاقيات قد تم تجهيزها له مسبقا، مثلما حدث في اتفاق النفط مع كردستان. كما يسعى لتغيير عقود تراخيص الشركات إلى عقود انسب للشركات، كما هي عقود أصدقائه في كردستان. وهو اليوم يضع نفسه داعية لكل المشاريع الرأسمالية مثل منح المصافي للاستثمارات العالمية، وهو يدعم صراحة كل اجراء لصندوق النقد الدولي وبقية المؤسسات المالية الدولية المشبوهة، والتي يمتلئ سجلها الإجرامي بضحايا من الشعوب، وبمساعدة الفاسدين والخونة من أبنائها أمثال عادل عبد المهدي والمؤامرة لن تقتصر على النفط، فعادل عبد المهدي “جوكر” امريكي يستطيع الاحتلال وضعه في أية وزارة أو اية مهمة، طالما المطلوب منه هو التوقيع فقط. العبادي الذي تم تعيينه قبله وبطريقة مشابهة، لم ينجح في انجاز كل التدمير المخطط. فقد فشل في اخطر مشروع كلف به واقره في اول جلسة لحكومته وهو مشروع “الحرس الوطني” الذي كان مخططا له ان يقسم العراق عسكريا إلى محافظات متفرقة ويمنع الجيش العراقي من دخول اية محافظة بدون إذن سلطاتها المحلية.عادل عبد المهدي، لن يكلف فقط بإكمال ما عجز الحرس القومي في 63 عن إنجازه، بل أيضا ما عجز العبادي الذي سبقه في إنجازه من اهداف أمريكية، وخصوصاً ا في إزالة الحشد. وهذا ليس ضرباً في الغيب، فقد صرح عادل عبد المهدي في وقتها داعماً: “الحرس الوطني يمنع تكوين المليشيات”! بل أنه يكاد مقالة أخرى يكشف تآمره حتى على وجود العراق كأرض ووطن. فهو يهاجم ما اسماه “عراق الجغرافيا”، وينصحنا أن نستبدله بشيء اسماه “عراق الشعوب…ليست هذه العبارات مجرد العاب لفظية، فقد اعتدنا ان تسبق مؤامرات معدة جيدة، لتهيئ الإنسان لقبول تخليه عن وطنه بإضاعة المفاهيم عليه لكن لعل اخطر ما يحمله عبد المهدي في جعبته هو مؤامرته لخصخصة النفط العراقي ومنحه للشركات الأجنبية من خلال ما اسمي غشاً “قانون شركة النفط الوطنية”. القانون مرر في نهاية الدورة البرلمانية بطريقة غريبة ومشبوهة، تماماً كما مرر انتخاب عبد المهدي وحيدر العبادي قبله. وقام عادل عبد المهدي بدور قيادي في دعم القانون وتمريره، مع مجموعة من امثاله من الفاسدين، مدعومين بعصابة من نوع جديد غير معروف في البلد، تطلق على نفسها “القوة المجتمعية” وبإمكانيات تثير الدهشة أرجو أن استطعت ان ابرر رأيي بمن اسهم أي اسهام في إيصال هذا المسخ ليحكم بلده، كما اشرت في بداية المقالة، وأتمنى ان يفتضح هؤلاء جميعاً ويعرف الشعب حقيقتهم الوضيعة. اكتب هذا قبل ان اعرف من يكون هؤلاء، خشية أن يؤثر على تعبيري معرفتي بهم، تحيزاً لهم أو ضدهم ولقد اطلق هؤلاء وحشاً إضافياً على بلدهم الذي تتناهشه الوحوش، وفي لحظة حاسمة، ليخنقه بمؤامرة تهدد بقطع متنفسه الوحيد: موارد نفطه. لكن لحسن الحظ أن هذه المؤامرة تجابه اليوم، رغم تمرير قانونها وإقراره بسرعة مشبوهة، بتصد باسل قادته شخصيات نزيهة من الكادر النفطي العراقي القديم، فقدمت طعناً بالقانون في المحكمة العليا، ونأمل أن ينجحوا بإسقاط هذه المؤامرة وكل مؤامرات هذا المسخ الذي لا يعلم أحد حتى اليوم كيف تم ايصاله الى السلطة، بمساعدة من تخلى عن ضميره من القادة. وسوف نكتب عن تلك الطريقة وعن ما يراد لنفط العراق على يد عادل عبد المهدي.. الأخطر
إن رئيس مجلس الوزراء، عادل عبد المهدي، كان كثير الاستقالة وعُمي حين تسنم منصبه،.. حتى وصفه عمار الحكيم بأنه مَنْ أدخل (ثقافة الاستقالة) إلى العملية السياسية!”.وأردف: “ولما أصبح عبد المهدي رئيساً للوزراء تبيّن أنه أعمى وچلَّب بشباچ العباس!”، مضيفا باللهجة الدارجة “وما كو أي استقالة!”.واين هي (استقالة الثقافة)!”.يشار إلى أن عبد المهدي كان قد شغل منصب نائب رئيس الجمهورية في الدورة الانتخابية لعام 2010، ثم استقال منه، وشغل في الدورة الانتخابية لعام 2014 منصب وزير النفط، وقدم استقالته من المنصب أيضاً، وهو السياسي الوحيد الذي استقال مرتين من منصب حكومي رفيع، كما خرج من المجلس الإسلامي الأعلى في عام 2016
السيد عبد المهدي بات متهما بهدر دماء المتظاهرين الأبرياء أو بالتستر على قتلتهم. إذ على طوال خمس أيام من استمرار قتل المتظاهرين لم يستخدم صلاحياته في منع استخدام القوة المفرطة، وكانت النتيجة استشهاد 149 مدنيا، وأضاف عليهم عشرات الشهداء في اليوم الأول من تظاهرات 25 أكتوبر,اذا، استقالة أو إقالة السيد عبد المهدي، لن تغير في تاريخ الأحداث شيء. فحكومته، في سنتها الأولى، حفرت في ذاكرة العراقيين ذكرى قمع وقتل المتظاهرين بدم بارد، وبشهادة اللجنة الوزارية العليا للتحقيق في كيفية استشهاد المتظاهرين. فالشعب الذي يريد تغيير المعادلة لم يعد مقتنعا بقدرة عبد المهدي والقوى الداعمة له على تحقيق الإصلاح. ويدرك عبد المهدي تماما أن استمرار بقاءه في السلطة في هذه الأيام ليس بسبب قناعة الكتل السياسية أو الشخصيات التي أتت به إلى رئاسة الحكومة، وإنما لفاعلية منطق التخادم المصلحي بين الأطراف السياسية والدينية التي جمعتها الرغبة بعدم إقالة أو المطالبة باستقالة حكومته في هذا التوقيت؛ كونها ستفتح أبواب عدم استقرار الحكومات القادمة في حال سقطت الحكومة الحالية بمطلب من المتظاهرين فالمهم في تفكير القوى التي جاءت بعبد المهدي ليس الاستجابة لمطالب الشارع الذي عبر من خلال التظاهرات عن عدم مشروعية الحكومة، وإنما عدم تقديم تنازل للشارع المتظاهر في هذه الأيام، والتلويح بكون استقالته في هذه الفترة تعني الذهاب نحو الفوضى طبقا لما جاء في خطابه الأخير. ويبدو أن السيد عبد المهدي نجح في تمرير هذه الفكرة لمن أتى به للسلطة…السيد عبد المهدي فطوال سنة كاملة ظلَّ يدير الدولة على أساس التوازن بين مطالب القوى التي أوصلتها لرئاسة الوزراء، والإقطاعيات السياسية المهيمنة منذ 2003، وحلقة المقربين من شخصه، فضلا عن لعبه دور حامل الرسائل إلى الدول المجاورة وفي خطابه الأخير في الساعة الأولى من يوم الجمعة 25 أكتوبر، تحدث عن تغير في المعادلات السياسية السابقة وعن إدراك الشعب لذلك؛ لكن يبدو أنه تجاهل قضية ثقة الشعب بشخصه وحكومته على تحقيق حزمة الإصلاحات التي وعد بتنفيذها,خيبتنا الآن كبيرة جدا، والآمال التي عقدناها على شخصية السيد عبد المهدي في تغيير مسار المعادلة باتجاه بناء الدولة وإنهاء الهيمنة الحزبية على مؤسسات الدولة، تحولت إلى أوهام. ووصفه التظاهرات بأنها “صراع بين الدولة واللا دولة” في أوّل خطاب له بعد تظاهرات اليوم الأول من أكتوبر، يبدو أنه حسم لصالح الدولة الموازية التي هيمنت على قرار عبد المهدي وبجردة حساب لجميع خطواته التي يعتقد أنها إصلاحية، لنا أن نتأكّد بأن إدارته للأزمة كانت وفق رؤية السياسي الباحث عن المكاسب الآنية، وليس نموذج تفكير القائد الذي يعمل وفق سياسات عامة توازان بين القدرات والموارد المتاحة حكومة عبد المهدي حفرت في ذاكرة العراقيين ذكرى قمع وقتل المتظاهرين بدم بارد الحكومة والقوى السياسية فقدت زمام المبادرة لجهة احتواء التظاهرات، ولم يعد بقاء حكومة عبد المهدي أو استقالتها قادرا على إقناع المتظاهرين في الساحات العامة ومن ثم، التركيز على أن الحكومة لا تملك عصا سحرية للتصحيح الأخطاء وتحقيق جميع المطالب، هو تبرير للهروب من تحمل المسؤولية. فالقيادات الحقيقية تبرز في أيام الأزمات وليس في أيام الرخاء