مع بداية موسم الأمطار في العراق، كان الجميع يأمل بامطار غزيرة على غرار الموسم الماضي، تجنب البلاد مشاكل شحة المياه، ولكن الى الان لم تتلبد السماء بالسحب التي تحمل الأمطار، وإنما كان هناك احداث آخرى أنست العراقيين حاجتهم الى الماء!
فقد شهدت البلاد أمواجا بشريا ملأت شوارع المدن العراقية، أخذت تضرب حواجز المنطقة الخضراء، مهددة إياها بسيل جارف، وأصبحت دبكات الشباب في ساحة التحرير، تهز تلك الكراسي التي لم ير العراقيون منها خيرا، وصرخات الجموع المطالبة بالتغيير، مزقت آذان قوم كانوا لاهين في ملذاتهم، متنعمين في خيرات الوطن يتكالبون على سلب ثرواته، دون أن يرف لهم جفن أو يرق لهم قلب، وينزلوا من بروجهم العاجية، ينظرون الى الحال التي أصبحت عليهما الأمة.
كان الرهان كبيرا على التغيير، ودروس السنين السابقة كانت حاضرة عند الجميع، فلن تنطلي خدعة مهلة مائة يوم مرة أخرى، والوعود بتعيينات وإعطاء الأموال، لن تجعل ذلك السيل البشري يتوقف عن الوصول الى هدفه، وأساليب القمع والترهيب ورصاص القناصين، قابله المتظاهرون بصدور عارية، فهم يريدون عزيزا كادوا أن يفقدوه، إنهم يريدون.. وطن.
شهدت المظاهرات العراقية طوال الفترة الماضية أحداثا وتداعيات كثيرة، فبين صدقية المطالبات التي خرج من أجلها المتظاهرون، وتفاعلت معها كافة اطياف الشعب العراقي بمرجعياته الدينية ومؤسساته النقابية والإجتماعية، وبين من حاول تشويه تلك المظاهرات بعمليات القتل والتسليب وحرق الممتلكات العامة والخاصة، والتجاوز على مؤسسات الدولة.
بينما حاولت قوى خارجية إستغلالها لفرض أجندات معينة، محاولة جعل العراق مسرحا للصراع في المنطقة، وفرض إرادتها على الواقع السياسي العراقي، مستغلة أدواتها الداخلية لفرض مشهد آخر عن الإحتجاجات المطالبة بالإصلاح، وتحويلها الى أداة للتناحر والإقتتال، والذهاب بالبلاد الى المجهول.
في ذروة الصراع وتصاعد الغبار الذي حجب الرؤية عن المشهد القادم، جاء صوت المرجعية الدينية من النجف، معلنا تضامنه مع ” ثورة الإصلاح ” راسما الحل الأمثل للخروج من الأزمة، داعيا الى الإستمرار بالضغط الجماهيري حتى تستجيب الكتل الحاكمة لرغبة الشارع العراقي في الإصلاح والتغيير.
قانون جديد للإنتخابات، يضمن تساوي الفرص للمرشحين وعدم وصول الطبقة الحاكمة الحالية – إذا ما أرادت الجماهير ذلك – ومفوضية عليا مستقلة للإنتخابات بعيدة عن سطوة الأحزاب الحاكمة التي سخرتها للوصول الى السلطة، ذلك ما نادت به المرجعية الدينية في الإسبوع الأخير، وإذا ما تحقق ذلك ربما يتبعه الدعوة الى إنتخابات مبكرة، تزيح السلطة السياسية الحالية.
هي فرصة للسلطة الحاكمة بالإسراع في اثامر الحجاميلإصلاحات التي نادت بها الجماهير والمرجعية الدينية، قبل أن تسقط أوراقهم رياح التظاهرات العاتية، وإستعادة ثقة الجماهير التي يئست من الوعود الكاذبة، وإلا فإن البلاد ستذهب الى أوضاع لا تحمد عقباها.