28 نوفمبر، 2024 11:29 م
Search
Close this search box.

رواية الزوجة التي بيننا.. العنف الذكوري ينتقل عبر الأجيال

رواية الزوجة التي بيننا.. العنف الذكوري ينتقل عبر الأجيال

 

خاص: قراءة – سماح عادل

رواية “الزوجة التي بيننا” رواية أمريكية للكاتبتين “غرير هندريكس” و”ساره بكانن”، تحكي عن زوج مريض نفسي يعامل زوجته بتسلط، ويحاول طوال الوقت محو شخصيتها وجعلها تابعة له، وحين يفقد السيطرة عليها يعاملها بعنف.

الشخصيات..

فانيسا: البطلة، سيدة في أواخر الثلاثين من عمرها، تزوجت من رجل ثري، كانت تعيش في فلوريدا ثم انتقلت إلى نيويورك لتعمل، ثم تعرفت على زوجها الذي استحوذ على حياتها مدة سبع سنوات وتخلصت من الزواج منه بصعوبة.

نيللى: هي نفسها البطلة لكن اسمها الآخر هو اسم اختاره لها زوجها، لكن الكاتبتين ستوهمان القارئ في البداية أنهما شخصيتان مختلفتان “فانيسا” و”نيللي”.

ريتشارد: الزوج، في الأربعينات من عمره، تزوج مرة سابقة قبل “فانيسا” لكنه لم يذكر أبدا شيئا عن زوجته السابقة، رجل ثري ناجح يعمل كثيرا لكنه يهتم بالاستحواذ على زوجته ومراقبتها، وبث الرعب فيها لتكون دوما في حاجة إليه، يكتشف أمره في آخر الرواية ويدخل مصحة نفسية.

مورين: شقيقة ريتشارد، هي التي ربته بعد أن توفى والداه في حادث سيارة نتيجة لعنف والده وغضبه ومزاجه المتقلب.

الخالة شارلوت: رسامة تعيش في نيويورك، وهي التي اهتمت بتربيه “فانيسا” ورعايتها لأن أمها كانت تعاني من مرض نفسي، وحين طلقت من “ريتشارد” رعتها أيضا واستقبلتها في بيتها.

إيما: فتاة شابة عملت مع “ريتشارد” وسرعان ما تقرب منها وأحبها ليترك “فانيسا” بسببها، ونكتشف أنها كانت تنتوي الانتقام من “فانيسا” بسبب حكاية قديمة.

الراوي..

بدأت الرواية ب”فانيسا” وهي تحكي عن نفسها بضمير المتكلم، وراو عليم يحكي عن “نيللي” بضمير الغائب، ثم أصبح الحكي بصوت “فانيسا” بضمير المتكلم باقي الرواية، وفي النهاية خصصت الرواية جزء صغير ل”ايما” تحكي فيه بصوتها لتكشف سرا جديدا في مجريات الأحداث.

السرد..

الرواية مكتوبة بواسطة كاتبتين، ورغم أن القارئ قد لا يلحظ ذلك إلا عند قراءة تلك المعلومة على الغلاف بسبب تماسك الرواية وبنيتها المحكمة، إلا أن الكاتبتين تعمدتا إيهام القارئ بأشياء، لتفاجئانه فيما بعد بما يخالف تلك الأشياء، ولم يكن ذلك الإيهام موفقا في كثير من الأحيان، تنقسم الرواية إلى ثلاثة أجزاء، وكل جزء ينقسم إلى فصول، وتقع الرواية في حوالي 490 صفحة من القطع المتوسط، السرد يعتمد على التشويق رغم أن الرواية تحكي عن علاقة زواج عادية، فكان اختيار الإثارة والتشويق غير موفق من جانب الكاتبتين، حتى أني ظننت في البداية أنها قصة بوليسية أو تعتمد على المغامرة لاكتشف في النهاية أنها تحكي عن علاقة زواج فاشلة، يعني تندرج تحت إطار الروايات الاجتماعية التي يفسدها التشويق.

العنف الذكوري ينتقل عبر الأجيال..

تحكي الرواية عن سيدة ضعيفة تمر بأزمة نفسية لأن زوجها طلقها لأجل فتاة شابة شقراء، ويمضى الجزء الأول في ترسيخ تلك الفكرة أن “فانيسا” محطمة من فقدان “ريتشارد” ومن ذهابه إلى أخرى أصغر سنا، وبالتوازي تحكي عن “نيللي” الفتاة الشقراء التي تستعد للزواج من “ريتشارد” وتبدأ في تجهيز كل طقوس الزواج، من شراء الفستان وحتى اختيار المصور وتجهيز المكان الخاص بالحفلة، حتى تمضى الرواية في حوالي ثلثها لنكتشف أن “فانيسا” و”نيللي” شخصا واحدا، وأن الحكي عن “نيللي” في شبابها كان ماضي “فانيسا”.

ويركز الجزء الثاني على محاولات “فانيسا” مقابلة “ايما” تلك الفتاة التي أحبها “ريتشارد”، وكشف بعض التفاصيل عن حياتها، مثل أنها حملت في سن العشرين من رجل متزوج لم يخبرها أنه كذلك، واضطرت إلى إجهاض الجنين، ثم موت فتاة في الأخوية التي كانت “فانيسا” مسئولة فيها بسبب إهمال “فانيسا” نفسها، وإحساسها بالذنب سنوات طويلة بسبب ذلك، بجانب رعبها من انتقام أخو الفتاة منها، ومحاولته قتلها، لنكتشف أن ذلك الرعب كان وهما وأن أخو الفتاة لم يكن يلاحقها كل تلك السنوات، وإنما “ريتشارد” كان يستغل خوفها من تلك الحادثة القديمة ليبث الرعب فيها وتظل في حاجة إلى حمايته وتكتشف هي ذلك بعد أن يطلقها.

وتكشف “فانيسا” في الجزء الثالث من الرواية أنها هي التي سعت إلى التخلص من زوجها بعد سبع سنوات من التسلط والمعاملة الخشنة والقاسية والتلاعب بها، حتى أنه محا شخصيتها وتعمد أن يفقدها كل قوتها النفسية، وكان حين يشعر أنها ستتركه يعتدي عليها جسديا ثم يصالحها بهدية ثمينة، ويحرص على أن تكون معه وتنفذ متطلباته وأوامره، وإلا يعاقبها أكثر ويشوه صورتها أمام الناس، كما أنه خدعها وأوهمها أنها لا تستطيع الإنجاب في حين أنه هو من كان يعاني من مشاكل في الإنجاب وأخفى ذلك.

سعت “فانيسا” إلى تقريب زوجها من “ايما” بعد أن التحقت بالعمل كمساعدة له، وذلك لتتخلص من قبضته ومن تمسكه الشديد بها ولتتحرر أخيرا من ذلك الزواج، الذي أفقدها شخصيتها وأصابها باكتئاب وضياع لمدة سبع سنوات، لكنها بعد ذلك لم تترك “إيما” وإنما سعت بكل الطرق لإخبارها بأمر “ريتشارد” وأمر تسلطه وتلاعبه، ونجحت “فانيسا” في النهاية في إنقاذها منه بعد أن حاول خنقها وكاد أن يقتلها، ودخل بسبب تلك الحادثة إلى مصحة نفسية.

يكتشف القراء بعد ذلك أن “فانيسا” تقابلت مع زوجته الأولى وهي التي ساعدتها في حل لغز زواجها، لأنها لم تكن تفهم ما يفعله “ريتشارد” بها ولما يعاملها بلطف زائد واهتمام مبالغ فيه، في حين أنه يقوم ببعض الألعاب غير المفهومة، إلى أن تكشف وجه “ريتشارد” الغاضب حين بدأت “فانيسا” في مقاومته ومحاولة التحرر منه وعرفته على حقيقته أخيرا.

كما تكشف الرواية أن “ايما” هي ابنة الرجل المتزوج الذي خدع “فانيسا “في شبابها، وكانت تود الانتقام لأمها منها لأنها أقامت علاقة مع أبيها، لتكتشف “ايما” نفسها أن “فانيسا” كانت ضحية كذب وخداع أبيها كما هي ضحية ل”ريتشارد”.

لم تصرح الرواية بأنها تكشف عن العنف الذكوري داخل مؤسسة الزواج أو خارجه، لكن ببعض التحليل يستطيع القارئ أن يستنتج أن المجتمع الأمريكي، رغم دعاوى تحرره وحصول المرأة على حريتها واستقلالها فيه، إلا أنها فيه تتعرض لعنف متنوع من الذكر، تتعرض لعنف داخل علاقة الحب حين يكذب عليها الطرف الآخر أو يتركها دون تحمل مسئولية أفعاله، وتتعرض الزوجة لعنف بخيانة الزوج لها وهجرها مثلما فعل والد “ايما” مع والدتها، كما تتعرض لقهر وتسلط قد يدوم لسنوات طويلة مثلما فعل “ريتشارد” مع زوجته، ولم تجد من يحميها رغم دعاوي حرية المجتمع الأمريكي وديمقراطيته وحصول النساء فيه على حقوقهن، حتى أنها حين طلقت لم تحصل على حقوقها المالية لأن زوجها غني ويستطيع جلب محامين، إنما هي فقيرة ولا تستطيع الحصول على حقوقها بسهولة. الرواية تكشف عن كل تلك التفاصيل في المجتمع الأمريكي، رغم أنها تحكي عن قصة زواج واحدة إلا أنها تعري سلبيات المجتمع الأمريكي تجاه المرأة والفقيرة بالذات.

لكن تبقى فكرة هامة جدا أيضا لم تصرح بها الرواية، وإنما ظهرت من ثنايا الأحداث، وهي أن العنف الذكوري يتم توريثه عبر الأجيال، فقد كان أبو “ريتشارد” عنيفا مع زوجته وكان يعتدي عليها جسديا ويفقد أعصابه ويضربها بعنف وقسوة، وحين كان يقود السيارة قبل الحادث الذي أودى بحياتهما هو وزوجته فقد أعصابه، وقاد السيارة بسرعة جنونية، مما أدي الى مقتله هو وزوجته، وترك علامة لا تمحى داخل نفس ابنه “ريتشارد” الذي كان معهما في نفس السيارة، فقد ورث “ريتشارد” عنف أبيه وغضبه ومزاجه المتقلب، وحاول جاهدا إخفاء ذلك الضعف في شخصيته باللطف الزائد والحنان والاهتمام الذي يعامل به من يحب، لكن تفلت الأمور من يديه حين يجد المرأة التي يحبها تتحداه ولا تخضع له ولأوامره، ولأسلوب الحياة الذي يريد أن يعيشه معها، رغم أنه لا يهتم بمعرفة هل تقبل هي بأسلوب الحياة هذا أم لا، العنف الذكوري يتم توارثه ربما في الجينات الوراثية لكن الأكيد أنه يسبب عقدا نفسية داخل نفوس الأطفال لا تمحى بسهولة، وتظل تلاحق الأطفال في حياتهم الجديدة فيتمثلون آباءهم حين يقومون بنفس أدوارهم كزوج وأب.

الكاتبتين..

غرير هندريكس: عملت أكثر من عقدين محررة في دار نشر Simon Schuster ، كما عملت في مجلة Allure. حصلت على ماجستير في الصحافة من جامعة كولومبيا، ونُشرت مقالاتها في كبريات المجلات العالمية. هذه روايتها الأولى.

ساره بكانن: من الكتّاب الأكثر مبيعاً في قوائمUSA Today  . عملت في الصحافة الاستقصائية، كانت تنشر في جريدة واشنطن بوست. أم لثلاثة أطفال، تعيش في ضواحي العاصمة واشنطن.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة