كم عسكري محترف، من قادة الحشد الشعبي، أو مجنديه، مشهود له بالخبرة والكفاءة والنزاهة لنأتمنه على أرواحنا وكراماتنا وأرزاقنا بدل الجيش؟
ليس سهلا أن نكذب الكلام السيء الذي نسمعه كل يوم عن الحشد الشعبي، والإدانات والشهادات الدولية والعراقية التي تتلاحق بحقه.
وكان سهلا علينا أن نهبَّ مع حزب الدعوة للدفاع عن كرامة الحشد الشعبي وسمعته، بكل ما نستطيع، فقط لو:
لو لم يستمر الوكلاء العراقيون لإيران في استخدام داعش مسمار جحا لترئيس الحشد الشعبي على الجيش والشرطة والحكومة والبرلمان والأحزاب والمساجد والحسينيات، واستلهام تجربة توليد الحرس الثوري في إيران، خطوة خطوة، وعلى نار خفيفة، وبإتقان.
ولو لم يستمر هادي العامري وأبومهدي المهندس وقيس الخزعلي وباقي قادة الميليشيات الطائفية في الإعلان، دون خوف ولا حياء، عن أن ولاءهم لإيران، لا للمرجعية في النجف، ولا للوطن الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
ولو كان تسليم عصا القيادة العراقية لقاسم سليماني وباقي ضباط الحرس الثوري وفيلق القدس حبّا في الله وللإخوة في الدين، وإنصافا لأهلِ الرمادي والفلوجة والموصل وتكريت والبيجي والشرقاط، وليس لخدمة الحلم الفارسي الذي لا يكف أصحابه عن الإعلان، صراحة، عن ضم العراق، كل العراق، إلى أملاك الإمبراطورية الفارسية الجديدة.
ولو كان الانخراط في الحشد الشعبي تطوعيا، وبدون رواتب، ولا مكافآت، وفقط لمن استطاع إليه سبيلا، وليس لمجندين فضائيين بالمئات والألوف.
ولو حمل المتطوعون في الحشد الشعبي أعلام العراق وحدها دون شعارات وأعلام طائفية متطرفة مفرقة مخربة تعلن أن الغاية من محاربة داعش وطردها من المحافظات المحتلة هي فقط لذبح أحفاد يزيد.
ولو لم يكن رئيس الوزراء قياديا في حزب الدعوة الإيراني، بالتبنّي، ورئيس الجمهورية من حزبٍ كردي لا يَعتبر نفسه عراقيا، ورئيس البرلمان من سنة المالكي، فيباركون، أو يسدّون آذانهم وعيونهم عن المخالفات والتحديات والإهانات التي لا يكف (أرباب) الحشد الشعبي عن توجيهها للجيش وقوى الأمن، ولكل الدولة، من رأسها إلى أخمص قدميها، كل يوم وكل ساعة.
خلاصة القول، لو لم يكن ذلك كلُّه واقعا وحاصلا ولا مجال لستره والتسامح فيه، لكنّا نفرنا، شيبا وشبانا، ومن كل الطوائف والقوميات والأديان، وجميع المدن والقرى والقبائل والعوائل، ولانخرطنا في الحشد الشعبي (الوطني)، ولأعددنا لداعش ولغيرها من الأعداء والغزاة والمحتلين ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل، ولأنجزنا التحرير، بأسابيع، أو شهور معدودة فقط، ثم عدنا إلى منازلنا آمنين.
ولكن الذي يزيد اقتناعنا بما تقوله الدول والمنظمات المحلية والعربية والعالمية عن سوء سلوك الحشد الشعبي أربعة أخبار أعلن عنها في الأيام الثلاثة الماضية.
الأول: الإدانة الصريحة الموثقة التي صدرت عن منظمة العفو الدولية التي يصعب تكذيبها. فقد أعلنت هذه المنظمة الدولية التي لم يُعرف عنها موقف انحيازي أو تعسّفي أو غير موثق ومؤكد “أن الفصائل التي تحارب إلى جانب القوات العراقية ضد تنظيم داعش، ترتكب جرائم حرب، باستخدام أسلحة قدمتها الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وإيران للجيش العراقي”.
و”الفصائل المعروفة باسم الحشد الشعبي تستخدم أسلحة من مخزون الجيش العراقي لارتكاب جرائم حرب، تشمل الإخفاء القسري، والتعذيب، وعمليات إعدام دون محاكمة”.
وركز تقرير المنظمة على أربع جماعات تتلقى دعماً من إيران وهي: منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وسرايا السلام”.
الثاني: بيان حزب الدعوة الذي اتهم دواعش السياسية والبعثيين بتشويه صورة الحشد الشعبي لدى المجتمع الدولي، من خلال إساءة منظمة العفو الدولية للحشد بتقريرها الأخير. وطالب حيدر العبادي وإبراهيم الجعفري بنقل الصورة الحقيقية لما يجري في العراق، والدور الذي يؤديه الحشد الشعبي.
أما الثالث فهو المجازر التي أحدثتْها وتحدثها المفخخات التي لا تتوقف، في بغداد بشكل خاص، وكان المطلوب والواجب والمعقول هو تفريغ الحشد الشعبي لمهمة حراسة المدن والقرى العراقية، وضبط الأمن فيها، ومنع تسلّل الإرهاب إليها، في فترة انشغال الجيش والقوات المسلحة بمقاتلته في الموصل وغيرها.
وآخرها: إعلان مكتب خارب بيوت العراقيين والسوريين، وناهب أموالهم، “أن نائب رئيس الجمهورية، نوري المالكي، دعا، في اجتماع عقده مع قادة تشكيلات الحشد الشعبي، إلى ضرورة الاهتمام بالحشد، وتقديم الدعم والمساندة لتشكيلاته، لكي يصبح (القوة الأولى) في العراق، وإعطاء الأسبقية له (قبل الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب)، في تجهيزه بالأسلحة المتطورة والطائرات”.
فعلى أيّ أساس، وكيف، وبأيّ مبررات، وأيّ عدالة وعقلانية ووطنية، يُحال جيش الدولة على التقاعد، ويُنصّب هادي العامري وأبومهدي المهندس وقيس الخزعلي (قادة) للدفاع والداخلية والشرطة والأمن والمخابرات، وأوصياء، بالتالي، على رئاسة الوزراء والجمهورية والبرلمان، ليصبح الحشد الشعبي هو جيش الدولة وشرطتها ورئاسة جمهوريتها ووزرائها وبرلمانها؟
فكم عسكري محترف، من قادة الحشد الشعبي، أو مجنديه، مشهود له بالخبرة والكفاءة والنزاهة لنأتمنه على أرواحنا وكراماتنا وأرزاقنا بدل الجيش؟
وكم واحد منهم متعلّم، وحامل شهادة غير مزوّرة، وصاحب خبرة في شيء، أيّ شيء؟ ولديه شهادة حسن سلوك؟
وكم واحد منهم كان موظفا أو تاجرا فتخلّى عن وظيفته أو تجارته تلبية لنداء الواجب (الوطني) المقدس، تطوعا، وليس ارتزاقا؟ وكم واحد قرأ يوما كتابا، أو حتى جريدة؟ وكم واحد قرأ التاريخ الدموي لهذا الوطن العراقي وما مر به من دول وممالك وإمبراطوريات قامت ثم دالت وأصبحت هباءً في هباء؟
وكم منهم من يتذكر دولة القرامطة التي أسقطت ثلثي مساحة العراق وسوريا ومصر والحجاز والخليج العربي؟ وكم منهم من يتذكر المقاومة الشعبية 1959، والحرس القومي 1963، وفدائيي صدام؟ وأخيرا ماذا يريد المالكي وحزب الدعوة والعبادي وفؤاد معصوم والمرجعية من تغويل الحشد الشعبي؟
هل يريدونه فقط لدعم جيش الدولة الوطني، وإعانته في حربه لتحرير المدن المحتلة من داعش، ثم تنتهي مهمته (المقدسة)، ويعود (مجاهدوه) البواسل إلى منازلهم سالمين غانمين، ليفسحوا المجال لحدوث معجزة المصالحة الوطنية الشعبية الشاملة، ويحلّ السلام والوئام بين أبناء الوطن الواحد، وتُطوى أيامُ الاحتراب الطائفي الكريه، والتهجير، والتفخيخ، والاختلاس؟ أم يريدونه مسمار جحا لبسط اليد الإيرانية على كامل الدولة، وإذلال أهلها وإرهابهم.
إنهم بذلك إنما يزيدون من الفرقة الطائفية والقومية والدينية في البلاد، وسيعود العراقيون، من جديد، يقاتلون الدواعش الجديدة التي لا بد أن تتوالد في ظل طائفية المالكي والعامري والمهندس والخزعلي التي لا تقطر إلا سمّا، ولا تُنتج غير خراب بيوت؟
نقلا عن العرب