الكهرباء الوطنية التي باتت عبئا على الموازنة الاتحادية بجانبيها التشغيلي والاستثماري لما تستنزفه من أموال وهما مشتركا لكل المواطنين ومشاكلها تتراكم وتزداد عاما بعد عام وتعد واحدة من معرقلات نمو وتطور اقتصادنا الوطني تقودها وزارة لم يقبض الشعب منها غير الوعود والأعذار، فمنذ سنوات يوعدون الناس بان العام القادم أفضل ولكنه في الواقع أسوا من سابقه بكثير ، وبعد أن كانت أزمات التجهيز ونقص الكهرباء تحصل في فصل الصيف لان الحرارة ( تبخر) التيار الكهربائي وارتفاع درجاتها المئوية بحدود المعتاد سنويا في أرجاء العراق تتطلب المعجزة لتوفير الكهرباء ، فان العدوى انتقلت إلى فصول العراق الأربعة بحيث لا يهنأ الشعب بأشهر معينة من ( دوخة ) ونفقات الاشتراك في المولدات ، فشهري تشرين الأول والثاني المعتدلين في اغلب مناطق العراق يفترض إن يشهدا استقرارا واستمرارا بالكهرباء دون انقطاع لان الحاجة تنتفي تقريبا لأجهزة التكييف ، وحسب مصادر في وزارة الكهرباء فان الإنتاج بحالة تصاعد وان النقص يتم تداركه من خلال استيراد الكهرباء ( الجاهز ) من دول الجوار ، ولكن واقع الحال إن الكهرباء تنقطع لساعات وأحيانا لأجزاء الساعات مما يترك تساؤلات لدى المواطن عن أسرار هذه الانقطاعات لاسيما عندما تكون السخانات في حالة انطفاء ارضاءا لمن لا يريد تشغيلها إلا في اشهر الشتاء ولساعات محدودة لا غير .
ولكثرة المؤامرات التي حيكت ونفذت على شعبنا المظلوم خلال عقود وقرون فان البعض اخترع نظرية المؤامرة للكهرباء لا بصياغات نظرية وإنما ببراهين ، وفحوى هذه النظرية إن إنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية هي أكثر من الطلب على الكهرباء حتى في أوقات الذروة او إنها متعادلة في أسوا الأحوال ، ولكن هناك أيادي خفية تتلاعب في التجهيز لتحدث انطفاءات خلال أيام وأوقات مستهدفة في الأشهر معتدلة الحرارة والبرودة من باب المشاكسة والإزعاج ، والقضية ( حسب ما يتم تداوله بين بعض المواطنين ) تتم باتفاقات بين مشغلي محطات التوزيع ( المراقبين ) وأصحاب المولدات إذ يتم اختيار الأيام الخمسة او العشرة الأخيرة من كل شهر لإحداث انطفاءات بعضها لساعة او أجزائها لغرض إجبار المواطن على الدفع لأصحاب المولدات الأهلية ، الذين من المفترض أن تنتفي الحاجة الكلية لخدماتهم لثلاثة أشهر خلال السنة على الأقل نظرا لانخفاض الطلب على الكهرباء ، فاغلب المواطنين يجدون إن استمرار تجهيز الكهرباء الوطنية مسوغ طبيعي في عدم الدفع الشهري لأصحاب المولدات لأنهم لا يقومون بالتشغيل كما إنهم ليسوا موظفين في بيوتنا لكي يستلموا دون تشغيل ، ولكن بعض أصحاب المولدات لا يعترفون بهذه الحجة فيطالبون المشتركين بمولداتهم بدفع بدلات الاشتراك بغض النظر عن التجهيز ، ولأن المواطن لا يدفع فأنهم يعقدون اتفاقات لقطع الكهرباء في الأيام القريبة من مواعيد الدفع وكأنها إنذارات للتسديد وفي حالة الامتناع فان الاشتراك في المولدة ينتهي في الأشهر اللاحقة التي تزداد فيها الحاجة للمولدات .
وهي لعبة تمارس في كل عام وخلال الأشهر التي تم وصفها من باب الابتزاز حتى بات المواطنون يتوقعون حدوث انقطاعات مفاجئة عند انتظام التجهيز بالوطنية لا لوجود أعطال بل بتنفيذ اتفاقات ، وهنا يأتي السؤال أين الرقابة والمحاسبة من هذه الألاعيب والجواب معروف للجميع وهو إن ما يمارسه موظف التوزيع ( إن صحت نظرية المؤامرة ) هو من باب الفساد والكل يعلم إن الفساد منتشر في بلدنا فوق الحزام وتحته والدولة بصدد معالجته من خلال المجلس الأعلى للفساد الذي من فوائده انه يعطي إشارات لمن يرغب بممارسة الفساد بان الفساد موجود فعلا والدولة تحاول اقتلاعه من ( الجذور ) ، وموظف التوزيع ( الفاسد ) الذي يقبض الرشاوى من أصحاب المولدات يمكن أن يبرر أفعاله بالتعمد في إحداث العطلات والتوقفات او الاتفاق مع زملاء الفساد لمعاونته في التلاعب من المصدر لان الفساد قد يتحول أحيانا من حالة فردية إلى منظومات في بعض الدوائر والتشكيلات ، والحلقة المعنية في الرقابة على المولدات الأهلية هي مجالس المحافظات ونظرا لكثرة عدد المولدات وارتباط أصحابها بأغطية حزبية وعشائرية وإجرامية فان الرقابة عليها جميعا بحزم من ضروب المستحيل ، ففي محافظة بغداد توجد أكثر من 10000 مولدة أهلية بعضها عصية على الجهات الرقابية ، اخذين بنظر الاعتبار إن أوضاع مجالس الاقضية والمحافظة تم بمرحلة حرجة لأنها في غرف الإنعاش مابين الحياة والموت والعديد من نشاطاتها معلقة بانتظار قرار المحكمة الاتحادية حول مشروعية قرار حلها او تجميدها .
وان الحالات التي اشرنا إليها في ابتزاز المواطنين وإجبارهم على الدفع رغم عدم تشغيل المولدات الأهلية كانت تمارس بحياء او كما يسمونها ( على البارد ) ، ولكنها استفحلت خلال شهري تشرين الأول الماضي والشهر الحالي لان البعض يستغل الانشغال بالتظاهرات ويفترض أن الحكومة في حالة ضعف ويستثمر هذا الوضع لممارسة أبشع الصور والسلوكيات في الطمع والجشع ، فبدلا أن تكون للبعض الذي يمارس هذا العمل ألجرمي مواقف في إثبات الوطنية ويكون ايجابيا في الوضع الذي يمر به بلدنا العزيز فانه يرتكب حماقات يعاقب عليها القانون لأن تلك الأعمال تعد من أساليب الجريمة المنظمة بسبق وإصرار وهي تخضع لأحكام مشددة في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 ، وان من واجب وزارة الكهرباء أولا وما تبقى من مجالس المحافظات متابعة هذه المخالفات والتذكير بتبعاتها القانونية ، كما إن من مسؤولية الإعلام الوطني الشريف أن يمارس دوره التربوي في الإرشاد والتوجيه بهذا الخصوص ، وتقع على عاتق الجهات الأمنية والقضائية مهام التصدي لمثل هذه الحالات بما يمنع انتشار مثيلاتها وإدخال البلد في حالة فوضى لأننا لا نعيش حالة فراغ دستوري او حكومي وسلطات الدولة تعمل بسياقاتها بشكل معتاد ، وفي الوقت الذي تتم فيه الإشارة إلى هذه الحالات المؤسفة فان هناك حالات مشرفة وواعدة يمارسها البعض الآخر من أصحاب المولدات ممن أوقفوا من جانبهم استيفاء الأجور او إنهم خفضوها إلى الحد المقبول او بالتراضي لسعر الأمبير لتشغيل الطوارئ ، وهؤلاء ينظرون بشكل صحيح لأعمالهم من ناحية الرزق الحلال ويتعاملون مع المواطنين بنظرة الشركاء في الوطن والمواطنة الصالحة فهم يدركون نتائج الاستغلال شرعا وقانونا وتأثيرا على استمرار أعمالهم وهم يستحقون فعلا ما يحصون عليه من أرزاق ، أما المستغلين والمتلاعبين من الموظفين او من أصحاب المولدات الذين يمارسون ( ملاعيب العيد ) فهم منبوذون بنظر الجميع وسوف لا يفيدهم ما حصلوا عليه من السحت الحرام ، والقضية ليست بالدعاء فقط وإنما بالتحرك الإداري والقضائي لاتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من تجاوزاتهم لأنه اعتداء على أملاك وراحة المواطنين والصالح العام والتعمد في إحداث الفوضى وعدم الرضا لدى الجمهور .