احيطت ثورات الشعوب على مدى الأيام بالتحليل والدراسة خاصة فيما يتعلق بالاسباب التي تعزز وتعجل من انتصار الثورة وبالعكس الأسباب التي تضعف وتسقط الثورات. ومن هذه الدراسات والتحاليل ما قامت به أستاذة العلوم السياسية في جامعة هارفرد Erica Chenoweth وزملائها المشاركين في البحث كما في ألرابط اخر المقال.
و بناءا على دراسات الثورات الشعبية السابقة للشعوب و لكي تنجح الثورة وباقل خسائر مختزلة الزمن يجب الالتفات الى ما يلي:
اولا: الاستمرار بالسلمية وذلك لعدم اعطاء ذريعة لضربها بالقوة وعليه يجب منع المندسين
ثانيا: سحب الجيش والقوى الامنية بمختلف مسمياتها الى صف الثورة او على الاقل تحييدها. فاذا انظمت القوى الامنية للثورة عجلت بنجاحها واذا تم تحييدها ضمنت النجاح كذلك ولكن بشكل ابطأ اما اذا ضلت واقفة مع النظام فقد تتسبب بمشاكل لاي ثورة مهما كانت. وهناك اساليب عديدة لسحب هذه القوى مع الثورة ومنها ان الجيش عادة ما يقف مع الثوار عندما تكون ثورتهم سلمية غايتها الإصلاح والحفاظ على السيادة والوطنية ولكن يجب ان يفهمها هو كذلك. ويستثنى من ذلك الذين يستفيدون من النظام الفاسد بل هم فاسدون وهؤلاء اقلية في الجيش. ويمكن للثوار اجراء حوارات بعيدة عن الأضواء للحصول على تأييد الجيش وعليهم ان يجعلونه يفهم ان الثورة تخص تحسين احوالهم هم كذلك. اما في بلد كالعراق فأن للعشائر تاثير على الجيش لان الثوار والجيش ينتمون لنفس العشائر وهذا نفس السبب الذي جعل عادل عبد المهدي يستدعي بعض هؤلاء ويرشيهم للوقوف معه وبالتأكيد اكثر زعماء العشائر رفضوا لقائه الا الذين قبلوا بالرشوة او الذين يدفع لهم رواتب منذ فترة المدعو نوري المالكي.
ثالثا: توحيد المطالب في كافة المحافظات بمطلب وطني واضح وعدم الحياد عنه وهو اسقاط النظام بكافة اشكاله ورموزه الا وهو استقالة الحكومة وحل البرلمان والرئاسة وتشكيل حكومة مؤقته لانتخابات تحت اشراف الامم المتحدة مع عدم مشاركة هذه الحكومة ولا الاحزاب الحالية (المجرب لايجرب) وعدم استخدام المطالب الضيقة. على ان المطالب الضيقة سوف يتم حسمها بعد نجاح الثورة. وان توحيد المطالب باسقاط النظام كله هو عامل مهم للحفاظ على وحدة الصف بالنسبة للثوار وعدم تشرذمهم الذي يسعى اليه النظام.
رابعا: عدم السماح للالتفاف على الثورة من قبل النظام ومن يقف معه واجهاض اساليبه في مهدها مثل الوثيقة التي اسموها بوثيقة الشرف حيث ولدت ميته.
خامسا: رفع الضغط السلمي بشكل متصاعد وذلك للوصول الى (العصيان المدني) الذي تصفه المتخصصة في العلوم السياسية في جامعة هارفرد Erica Chenoweth وتؤكد على قولها بانه ليس خيارا أخلاقيا فحسب، بل ثبت أيضا أنه أكثر قوة وفعالية بمراحل من جميع أشكال الاحتجاج الأخرى في تشكيل المشهد السياسي العالمي وأن مشاركة 3.5 في المئة من السكان مشاركة فعالة في الاحتجاجات تضمن حصول تغيير سياسي حقيقي. اذن بعد عدم سماع السلطة لمطالب المحتجين وبقائها تستخدم التسويف والالتفاف لشراء الوقت فعلى الثوار والشعب استخدام أساليب ضغط سلمية كذلك اكثر تاثيراً ومن أهمها العصيان المدني
سادسا: كسر حاجز الخوف عند البقية التي لاتزال متخوفة وفضح الذين يتلقون رشاوي من النظام مثل رؤساء العشائر الذين يذهبون اليه
سابعا: توسيع رقعة التظاهرات لخنق النظام وهذا كذلك يساعد على انضمام اكبر عدد من الشعب للثورة وذلك يساعد ويعجل على اهتزاز منظومة الامن في السلطة وانهيارها. وقد حصل ذلك في ثورة مصر والسودان والفلبين والبرازيل وجيكوسلوفاكيا. واذا اهتزت منظومة الامن تسقط الأنظمة بشكل سريع.
ثامنا: عندما يضيق الامر والحيلة لابقاء النظام قد تسعى الدول التي تؤيده ولكي تحافظ علـى مصالحها بترتيب انقلاب عسكري في ظاهره انه مع الثورة ولكنه بعد استتباب الامر له يقمعها ويفكك رموزها مما يجعل من الصعب على الشعب ان يثور الا بعد سنوات طويلة فالدراسات اثبتت انه من الصعب تحفيز الشعوب المضطهده على الثورة الا بعد حين. وعليه فالحذر من التراجع الذي ان تم فانهم سوف يكونون اكثر تعسفا وفسادا من ذي قبل.
تاسعاً: القوة العددية حيث تقول الباحثة Erica Chenoweth بعد دراسة العديد من الثورات منذ عام ١٩٠٠ ان نسبة 3.5٪ من السكان تضمن حصول تغيير سياسي حقيقي وكلما كان العدد كبيرا كلما تضمن الثورة نجاحها ففي الفلبين والبرازيل وتشيكوسلوفاكيا وأخيرا في مصر والسودان أجبرت الملاين على اسقاط الأنظمة الدكتاتورية. وتقول الباحثة ان نسبة ال 3.5 ٪ تحقق الانتصار لامحالة ولكن مما يعجل بالانتصار هو استخدام العصيان المدني الذي يشل نواحي الحياة ويجعل من النظام تماماً فاقدا للسيطرة والشرعية وقد يفقد سيطرته على قواته الأمنية. وتعد الإضرابات العامة من أفضل أشكال الاحتجاج وربما تكون واحدة من أقوى أشكال المقاومة وأكثرها تأثيرا، رغم أنها قد تنطوي على خسائر شخصية مؤقته..
وعلى الرغم من أن الاعتصامات في الميادين الكبرى خطوة إلى الأمام في مسار الثورة. لكن الإضراب العام، يمثل خطوة أكبر في نفس المسار؛ حيث تسعى الطبقة العاملة إلى شل عملية الإنتاج وإيقاف أرباح رجال الأعمال الذين يشكلون العمود الرئيسي للطبقة الحاكمة، مما يجبر الأخيرة على تقديم التنازلات أو الرضوخ والاستجابة لبعض المطالب الهامة في الثورة.
ومن أبرز الأمثلة على نجاح الإضرابات في نجاح الثورة، حركة المقاطعة التي نظمها أصحاب البشرة السوداء في جنوب أفريقيا احتجاجا على سياسات التمييز العنصري، وامتنعوا حينها عن شراء المنتجات من الشركات التي يمتلكها أصحاب البشرة البيضاء، وقد أسهمت الأزمة الاقتصادية التي عانى منها الصفوة من أصحاب البشرة البيضاء جراء هذه المقاطعة في إنهاء الفصل العنصري
عاشراً: الانتباه لخدع النظام عند اقتراب الانتصار وذلك باعلانهم التوبة وتقديم تنازلات او حتى الاستجابة للمطالب ولكن في اللحظات الأخيرة أي مثل فرعون عندما داهمه الغرق فان الله لم يستجب له (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ولكن ذلك لم ينفعه (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا).
حادي عشر: الحذر من التدخل الخارجي بما في ذلك الأمم المتحدة لان الدول العظمى لايهمها الا مصالحها وتبقى لديها فكرة إبقاء بعض الشعوب ضعيفة مبدأ تتعامل به لخدمة اغراضها وخاصة شعوب البلدان العالم الثالث كما هي تسميها. فهذه البلدان والمؤسسات الدولية قد تقف مع النظام ان رأت مصالحها بذلك وقد تعمل عل فشل الثورة والنظام العراقي لا يتوانى عن تقديم ما يريدونه للبقاء. وكبار قادة الدول العظمى يريدون ان تبقى تلك الشعوب ضعيفة لذلك على الثوار ان لا يعولوا على هؤلاء كثيرا وكلما نجحوا في الداخل فان هؤلاء الأقوياء يرون ان مصالحهم أصبحت مع الثوار والشعب وليس النظام اذن فالنجاح الخارجي للثورة مقترن بالنجاح الداخلي ولكن هذا لا يعني عدم ابراز وبشكل فعال مظلومية الشعب وهدف الثوار السلمي لتغير ذلك وقمع النظام. وقد رأينا فساد الأمم المتحدة ومجلس الامن التي تم فضحها في عقود النفط مقابل الغذاء اثناء حكم النظام المقبور والتي ادين بها حتى ابن رئيس مجلس الامن نفسه! وهنا يجب الحذر من ان الأمم المتحدة قد تتحرك لوضع العراق تحت البند السابع وهذا لايخدم الشعب وقد يخدم الحكومة اكثر للأسباب المذكورة أعلاه.
ولابد ان نشير الى ان المرجعيات الدينية عليها واجب الوقوف مع الشعب المظلوم وضد الظالمين الفاسدين الفاشلين بشكل اكثر إيجابية وعليها ان لا تكون رقيبا عليها ولا موجها لها وهي لاتزال دون مستوى الوضوح المطلوب والتي يجب ان تقولها بوضوح لقد طفح الكيل وكفى دماء فعلى هذه الحكومة الفاشلة ان تستقيل هي وبرلمانها ويصار لحكومة انقاذ مؤقته (هذا ما يجب ان تقوله المرجعية) وغيره هو ناقص وسيؤدي الي المزيد من الدماء.
ثاني عشر: وأخيرا يجب التضييق على اعلام الدولة لانه ذو تأثير سلبي على الشعب وقد رأينا ان الثورة المصرية لم تنجح في اجبار النظام للتخلي عن السلطة الا بعد تحقق امرين مهمين هما السيطرة على اعلام الدولة ومحاصرة النظام في معقل داره وقصوره. وعندما يحين الوقت يجب ابراز قيادة ثورية واضحة ثم اشواك المختصين لوضع خرائط طريق للبلاد مع احترام الحريات والحقوق وبناء المؤسسات العامة ومحاكمة المفسدين بوجود قضاء عادل.
https://www.bbc.com/future/article/20190513-it-only-takes-35-of-people-to-change-the-world
The Success of Nonviolent Civil Resistance | ICNC
The Success of Nonviolent Civil Resistance | ICNC