27 نوفمبر، 2024 11:52 م
Search
Close this search box.

ساحة التحرير.. عبد الكريم العبيدي: انتصر العراق على كل أعدائه في هذه الثورة وعلى عقد أجياله

ساحة التحرير.. عبد الكريم العبيدي: انتصر العراق على كل أعدائه في هذه الثورة وعلى عقد أجياله

 

خاص: حاورته- سماح عادل

الكتاب والمثقفون لهم دور هام في المجتمع، فهم الطليعة التي تمتلك الرؤية والقدرة على التحليل وفهم المشاكل والقضايا، وإذا كان الكاتب والمثقف بما يملكه من قدرات عقلية وثقافية صاحب موقف، وينحاز للشعب ولقضاياه فإنه يكون كاتبا ومثقفا واعيا وموضع تقدير.

انضم كثير من الكتاب والمثقفون العراقيون إلى الثورة العراقية ليدعموها ويكونوا جزءا من نسيجها. وقد تواصلت (كتابات) مع الكاتب والروائي المتميز “عبد الكريم العبيدي”.

إلى الحوار:

(كتابات) هل اشتركت في تظاهرات سابقة؟

  • لا، ما حصل مع كل التظاهرات السابقة هو أنني تواصلت مع وقائعها، عبر إجراء حوارات ثقافية ساخنة مع الكثير من الأدباء والكتاب والفنانين والمثقفين المتظاهرين في ساحة التحرير في نهارات الجمع والاعتصامات، ونشرتها في أكثر من عشر صفحات أسبوعية في جريدة “طريق الشعب”، وكذلك نشرت العديد من المقالات والأعمدة، وهي موثقة ومحفوظة في أرشيفي الشخصي وصفحتي على “الفيسبوك”، وكذلك في أرشيف الجريدة وفي موقعها الالكتروني.

أعتقد أن التظاهرات السابقة كانت صفحة احتجاجية مشرقة أشارت بوضوح إلى حراك ثقافي جمعي رافض لما آل إليه البلد، وطالبت بالتغيير من وقت مبكر، لكنها جوبهت بالرفض والقمع والاعتقالات وما يسمى بركوب الموجة، وسرعان ما سيست وشوهت وخفَّت ثم تلاشت.

(كتابات) كيف كان إحساسك في الأيام الأولى للثورة؟

  • قولي في الساعات الأولى لثورة 25 أكتوبر، في دقائقها الملتهبة الأولى. كنت على يقين أن الثورة قادمة، وأن ملامحها الجديدة المغايرة قادمة، خصوصاً بعد موت جميع الأحزاب “المريضة”، العلمانية منها أو تلك التي ارتدت لباس المدنية “مؤخراً”!وهذا الأمر لم يتفاجأ به الكثير من المثقفين والمهتمين بالشأن العراقي الأكثر صخباً واضطراباً على مر التاريخ.

كنت على يقين أن هذه الطبقة الفاسدة لم تعد تتمدد وتتسع كما كانت في الأعوام الماضية التي تلت الغزو الأمريكي البغيض الحاضن لها، بل توقفت منذ أعوام وبدأت تتراجع وتقترب من نهايتها الحتمية، رغم أنها ظلت ومازالت متمسكة بالحكم، ولا تريد الخروج من وضعها اللصوصي، ومن بشاعة سكونية حالة فلكها كحكومة وبرلمان وشركاء وجماعات متنفذة. باختصار هي لا تريد أي تغيير، وتحارب مؤثراته بكل الوسائل، بل أقدمت على حذف هذا الشرط الهام من عقلها شديد الظلامية.

ومثل هذا التوجه مهما علا وتكبَّر، سيبقى توليفة هجينة وجاهلة، وسرعان ما سينهار أمام تطور الحركة الواقعية والفعلية في تاريخ أي أمة حية، لأنه لايمتلك أي لغة تواصل مع الواقع ولا مع الغد ولا مع التاريخ ولا مع الشعب، هو عقل لصوصي جمعي يمتلك لغة استحواذية فاسدة واحدة بين حيتان فساد مكوناته وحسب، لذا عليه أن يتقبل، شاء أم أبى نهايته الحتمية هذه.

(كتابات) متى قررت النزول إلى ساحة التحرير؟

  • ساحة التحرير مكان تجري عليه وقائع الثورة، وهو أحد الأمكنة الكثيرة المنتشرة في المحافظات الثائرة، بغداد والبلدات الوسطى والجنوبية باستثناء ثلاث محافظات في شمال العراق، وإذا كان سؤالك يرمي إلى موعد اشتراكي بالتظاهرات مكانياً فمن الأنسب أن أذكرك بانتمائي الرؤيوي المكاني، فأنا ابن عزلة دائمية، انتميت لها “تسترا” لأتحرر من “مرض التواصل”، وربما ذهب الأمر أبعد من ذلك، لكنَّ عزلتي ازدادت وضوحاً، ومناطق التماس بيني وبينها أضحت يانعة. هناك علاقة تواصلية بيننا، عشق قديم، وأظن أنَّ مآلات هذا الانتماء غدت فعّالة واتخذت منحى تصاعدي، تمددت واتسعت، حتى أضحت نُذراً على ضياعي وبشارة على تصدعه، ثم انتهت إلى نوع من حل، حل تكاملي ضامن، أظني وجدته، أنه أناي… في “ذروة تواصله”!

واقع الحال أنني اتخذتُ من كويكب في عزلتي مداراً، وسبحتُ في عطرها الكوني، حتى غدت كنيتي. في العزلة تحرر حواسي، أجد مكوناتي فيها، لأن حياتي تميزت بإيلاء العزلة قيمة وجعلها مرجعاً. لابد من التأكيد على سيادة العزلة، ليس لي بديلاً سواها. هي مطهر، فاصل لايني يتزايد باستمرارلدرجة تجعل العالم يبدو صغيراً وواضحاً، وبالإمكان فهمه ومن ثم رفع درجة معقوليته، ورسم معناه.

ولكن يبدو لي أن عزلتي مشاغبة، ولم أسلم من تحرشاتها المغرية. هي عزلة طوعية وقسرية في آن، ولها حضور وجودي مبكر. هي صاحبة الحضور الأول في التحرر، التحرر الذي عَبَرَ “مطهر العزلة” وغدا شفاءً.

أقسم أن الشفاء من “مرض التواصل” سيقودك إلى الضفة الأكثر بهاء منه. ليس العزلة أن تنعزل بل أن تتواصل بـ “عزلة”، ولكي تتعلم كيف تتواصل؟ عليك أن تتقن فاعلية جديدة في التفكير، وهذه الفاعلية ستكتشفها في العزلة، العزلة الداخلية الخاصة بك، لأن قيمة العزلة هي أن تشعر أنك ما زلت فاعلاً ومتصلاً مع الضد. وكما قيل: “لن يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس جبل”.

حقا لا تملك العزلة تاريخاً بحسب “باشلار”، لكنها تشبه ما افترضه “أبيقور” من أن الانحراف التصادفي هو أصل العالم. إذن انتمائي التصادفي للعزلة هو أصل معنى الذات، معنى أن أتواصل.. وكيف أتواصل! وليس بعيداً عن النعوت التي أُطلقتْ على العزلة وعكست صدى “مجانينها”، كل منهم يبحث عن عزلة خاصة به. وصفها “برديائيف” بالعزلة المضاءة، ووجدها “ألبير كامو” في الإقامة في قفص، و”ريجيه دوبرييه” في داخل زنزانة، واختار “تيتسيانو ترزاني” الكوخ، ولخصها “تولستوي” بالاهتداء إلى ذاته، ووصفها “ماثيو بوكر” بعملية داخلية أكثر عمقاً، وانتهت عند “الماركيز دوساد” إلى إطلاق وحش غرائزه، وظلت عند “تميم بن أبي مقبل” إلى “ما أطيب العيش لو أن الفتى حجرٌ”!

لكنَّ ما حصل في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر الماضي هو ثورة شبابية عراقية نقية خالصة، لم يجرؤ أحد من الأحزاب على تبنيها أو ركوبها، لذلك احتفظت باستقلاليتها بموازاة جرأتها وعجائبيتها واستمراريتها، وهي أول ثورة عراقية في تاريخ العراق منذ تأسيسه على أيدي تشرشل ولورنس وجيرتر ودبيلو كوكس وساسون حسقيل وجعفر العسكري، وجميع القادة العسكريين البريطانيين والوزراء، والسفراء والمديرين المدنيين والجواسيس وأهل الاستشراق والمغامرين الذين حضروا أخطر مؤتمر استعماري عقد في فندق سميراميس على نيل القاهرة عام 1921، وجرى فيه إنشاء عروش لحكام عرب في أوطان متجاورة داخل المنطقة التي تخلى عنها مهزوما ما يعرف بالرجل المريض “الدولة العثمانية”،وأصبحت تسمى في حقل السياسة والاستراتيجية باسم الشرق الأوسط، وقد تم خلال ذلك المؤتمر رسم حدود العراق المجتزأ من خريطته الحضارية القديمة، وتنصيب فيصل الأول ملكاً على عرشه.

أرى بلا مواربة، أن الخامس والعشرين من أكتوبر هي ثورة، لأنها غيرت في بنية العقل العراقي الجمعي، وأزاحت حاجز الخوف، وعرَّت وزلزلت قلاع الطبقة الحاكمة ومن معها، وأطلقت نداء عراقي خالص يبحث عن هوية وطن مستلبة، ويطالب بتسليم معالجة الأَزَمَة إلى الشعب، كسلطة أولى تنبثق منه شرعية الحكم داخل نُظُم الدولة المدنية، ويتطلَّع إلى إقامة وطن إنساني النزعة، وديمقراطي المحتوى، ليكون حاضنة لكلِ العراقيين الداعين إلى بلورةِ هويةٍ وطنيةٍ مستقلة وحكم تقوده طبقة جديدة بعيدة عن كل الوجوه الفاسدة وحيتان الأحزاب الفاسدة، ويطالب بإسقاط الحكومة وتأسيس مفوضية انتخابات جديدة وقانون انتخابات جديدة والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

هذه الثورة الشبابية تبحث اليوم في أخطر منطقة تنويرية بنائية فاعلةْ، يُراد لهاأن تغدو عجينةً رخوة، غير قادرة على صياغة أسئلتِها وتفعيلِ مُؤثراتِها في تخليقِ الحياةِ الجديدة، باعتبارِها معرفةٍ وتبصرٍ ومنهجٍ سلوكي واستمراريةٍ وتراكم وتأهيل. نحن إزاء مفهوم محوري معقد إذن، تحرر من التداول الفردي، إلى البُعد الجماعي، في سعيه إلى تحقيق التكيف والتفاعل، وتحقيق التجانس والوحدة الوطنية العابرة للطائفية من خلال تهيئة المواطن الجديد وتكييفه مع أنساق ونُظُم المجتمع القيمية والجمالية والأخلاقية والسلوكية والرؤيوية.

هذه الثورة جنَّست نفسها بعنونة التغيير، بوصفه قضية مجتمعية تسعى إلى تغيير الوضع الفاسد بصورة سلمية، وليس انقلابية أو حزبية، وفي سياق برنامج شامل وخارطة طريق وآليات عملية. كما تدعو إلى إزاحة ومحاكمة الأحزاب الفاسدة عن سدة الحكم وبناء دولة مدنية مؤسساتية علمانية تُقاس بحجمِ تطلعات شعبها، وبقانون الحركة في العَلاقة بين الثقافةِ والمجتمع، وتقويمِ ودعمِ الحياةِ الاجتماعيّةِ والاقتصاديةِ، وصنع الفرد الملائم للتطورداخل مجتمعٍ مهيَّئٍ له، بوجود برامج ثقافية وتربوية وأخلاقية وعلمية ومنهجية واجتماعية وسلوكية تؤسسها عقول وطنية مستقلة في مُمْكنات الحراك المجتمعي.

(كتابات) صف لنا إحساسك عندما نزل ابنك أوج أولاً، ورأيت صورته وهو يبكي.. ثم إحساسك أول مرة نزلت ساحة التحرير؟

  • هكذا أدركتُ فجأة أن نجلي الحبيب أوج “يخدعني”! لم يذهب إلى الجامعة، ولم يعد إلى البيت، وتركني وأسرته في حيرة.

أجريتُ عشرات الاتصالات الهاتفية الفاشلة. لم أعثر عليه، وبدلاً من أن يطفئ قلقي، فاجأني بإرسال صورة من داخل ساحة التحرير تظهره باكياً غاضباً محتجاً و…. متظاهراً!

ربما صدحت أنغام التحرير في رأس أوج في صبيحة الخامس والعشرين من أكتوبر، ساءه، أول الأمر،أن يرى بذرة الأمل تتبختر في حيادها، تمتنع عن التجاوب مع النظر إلى حاضره المنقسم إلى أبيض وأسود، لكنه،حتى تلك اللحظة، لم يدرك بعد، أنه يمر بتلك اللحظة التي اهتزت فيها جميع معتقداته، متحررة من قلقها، ومحدثة بلبلة وارتباكاً في مشاعره، حد أنها جعلته يعتقد أنه ليس بمقدوره أن يصمت بعد الآن، أو ينافس أبيه في عزلته!

لأول مرة أراه يبكي، لا ضير، ولكن أن أراه باكياً في صورة من ساحة التحرير فهذه أم المفاجآت، ولكن ما بالك وهو يفاجئني بشعر شعبي حماسي ارتجله في ساحة التحرير!

من المؤكد أنَّ قرار أوج جاء صاعقاً في موجز مر المذاق، همسه لنفسه باقتدار، بعد أن أيقن أنه من المحال أن يتفق مع فصول اللعبة بعد الآن. فجأة، تلاشى صدى الإذلال،تصدّع تصورته القديمة بخفَّة. التصدع شمل كل مخلفاته وانتهى، تركه ينزلق حراً حيث يشتهي، حيث أعظم شطحاته خلوداً، ها هو ينحدر من زنزانة العزلة، غير مكترث بكل طواقم المراقبة، تدفعه شعلة فريدة إلى أكثر الحالات إضاءة، إلى ساحة التحرير.

هذا هو جيل العجائب، جيل الأمل التي تكشَّفت ملامح التغيير على مقاس أحلامه. لم يسع إلى تطوير الذات، ترك هذه المعزوفة للمنعزلين. وظل يردد: إطلالة التغيير ستهزم كل الألوان الغامضة، وتردد ما تنبأ به الجواهري العظيم مبكراً حين أنشد: “سينهض من صميم اليأس جيلٌ.. عنيد البأس جبار عنيد…. يقايض ما يكون بما يرجى..  ويعطف ما يراد لما يريد”.

لقد تساءلت وأنا أحضر لأول مرة في ساحة التحرير: ماالذي جعل جيل العجائب هذا يتحوَّل إلى مصدر ثورة ويشعل شارة التغيير وهو لا يحمل سوى علم عراقي لا غير!؟

حقيقة، اهتزت عزلتي، ودمعت عيناي، ورحت أبكي تارة وأضحك تارة، بل ورقصت مع صاحبي الروائي محمد علوان في رقصة عفوية سريعة أظهرت فرحاً مكبوتاً تفجر فجأة ونحن نشاهد عجائز عراقيات “جداً”.. أمهات ترنيمة “الدللول يالولد يبني دللول”.. الجدات الحبيبات الدافئات. يفترشن الأرض، ويتنافسن على سكب عجينة “السيّاح” على “الطاوة”.. وتقديمه للمتظاهرين بلا منَّة، و لا جزاءً ولا شكورا.

كنَّ صامتات، فرحات، مغتبطات بجيل العجائب. رغم كبر سنهن، وتجاعيد خدودهن. وصرائر أدوية أمراضهن المزمنة.. يا الله! آتوني بشعب كهذا،يخرج من لهيب الوجع، ويتحالف شيباً وشباباً وأطفالاً، لصنع أم الثورات، ثورة 25 أكتوبر، التي هزت عرش الطغيان والفساد، وصنعت هوية وطن ينتظر الخلاص من تلك الطغمة الشريرة،حيتان الفساد المجرمة.

شاهدت جدارية جواد سليم الجريحة وتساءلت بغضب: أي معجزة فاضحة، تلك التي جعلت ثلاث قنابل وقحة تتجه نحو جدارية العراقيين ورمز حريتهم وإرادتهم؟ أي معجزة أبعد من الخيال، تلك التي جعلت القنبلة الأولى تختار من بين كل منحوتاتها، رأس الرجل الثائر المنتفض، والقنبلتين الأخريين قدميه!؟

انه الخزي والعار والخيانة، ثلاثية مدوية ستظل تلاحق وتلعن أعداء الفن والحياة والوطن والشعب.

شاهدت أيضاً القنابل “المسيلة للدماء” التي أطلقها القناصون المجرمون باتجاه رؤوس وصدور الثائرين الشباب العزل. لوحة إجرامية بشعة عرضها الشباب المنتفض على الأرصفة داخل ساحة التحرير ليراها الجميع، ويشهد على جرائم القناصين بحق شباب الثورة.

شاهدت شابات وشباب من الرسامين يزينون جدران نفق الجمهورية برسومات عفوية جميلة تصور وتخلد ملحمة جيل العجائب وما صنعه في ثورته المجيدة والمستمرة، وتفضح جرائم الحكومة وقواتها الأمنية.

حقاً وجدت هناك الغد الذي نريد.

في ساحة التحرير هناك عراقاً جديداً يؤسسه جيل العجائب.

(كتابات) هل جيل الشباب الذي هو قوام الثورة يختلف عن الأجيال التي تسبقه.. وما هي الاختلافات؟

  • هو جيل العجائب، هذا هو الوصف اللائق به، الذي أطلقته عليه منذ اليوم الأول من أكتوبر. هو جيل مدهش، جيل في عمر العمل، متوسط عمره بحدود 15 سنة. هو جيل التواصل وثورة الانترنت والتكنولوجيا والوعي الجمعي المتحرر من عقد أجيال سبقته من ضحايا الحروب والحصار وصراع الأحزاب. جيل محب للحياة والسلام والأمل، ومحروم من أبسط مقومات الحياة، لا عمل ولا واقع لائق ولا غد مأمول. جيل حمل حياته وذهب إلى معبد الحرية وقرر أما أن ينتصر أو يموت، ففجر بإرادته ثورة، وزرع أمل، وصعق الجميع.

(كتابات) في البداية كان هناك لوم من البعض لعدم مشاركة المرأة في الثورة، ثم ومن يوم ٢٥ وجدنا تواجد كثيف للنساء من كل الأعمار، وأعمال جليلة قامت بها النساء من طبخ لإسعاف لتوفير أدوات طبية وأدوات للإعاشة.. حدثنا عن ذلك؟

  • أولاً يجب أن لا ننسى أن المرأة العراقية هي أول امرأة اقتحمت أخطر الميادين الذكورية المحظورة في الشرق الأوسط، وتبوأت مناصب وزارية في الدولة العراقية، وانخرطت في بعض الأحزاب العلمانية، واعتقل الكثير من النساء العراقيات وعذبن وأعدمن ونفين.

لا ننسى أن اندلاع الثورة كان مدوياً وصاعقاً وربما مفاجأ لغالبية الشعب، مما جعل حضور المرأة يبدو شبه غائب، خصوصاً وهي تشاهد شراسة الجرائم التي ارتكبت بحق المتظاهرين في الأول من أكتوبر على أيدي القناصين المجرمين، ولكن في الصفحة الثانية من الثورة، وبعد ما جرى من حراك شعبي لبناني من كلا الجنسين، اندفعت جموع من النسوة، من طالبات وموظفات وربات بيوت، وغدا مشهد الثورة مبهرا حقا.

(كتابات) هل إحساسك بالوطن اختلف بعد تلك التظاهرات ومشاركتك فيها؟

نعم، دون أدنى شك.

أعتقد أن أقسى أنواع الضياع هو ذلك المقرون بهزائم، ومادمت أنهيت عقوداً من الهزائم، فانَّ المزج بيني وبين ضياعي وضياع الوطن يغدو ممكناً في شكلٍ لا يستقر ولا يهدأ منذ ألواح السومرين.

تقول إحدى قصصي القصيرة جداً

“توفِّيَ وطنه متأثراً بضغط الحضارات، سأل جثته: هل لي من بعدك من وطن؟ سخر الكفن منه، حد أنه خَجِل، فدمعت عيناه”!

أظن أن”تذبيب” الشعب، والتمتع بمشاهدته من خلف الزمرد كما كان يفعل نيرون وكل دكتاتور معتوه جاء بعده، أنتج نوعاً من الانتنوستالجيا، أحالني إلى ذلك الخلو المطلق،أي أنه سلبني ماهيتي وامتص رحيق العمر.هذا هو ماحصل لي طيلة عقود ماضية. لقد اعتدتُ، أنا ابن البصرة أن أرى مدينتي مهزومةً مثلي، وتحتاجُ إلى معجزةٍ لفكِ خيباتِها، لذلك كلَّما قفزتْ إلى ذهني أسئلةٌ داخليةٌ جديدة، كنت أكبَحُها مرددا: “ما جدوى تكرار هذا الهذيان؟ ماالذي تعنيه الأسئلةُ البليدةُ في دورانِها؟ فكلُّما سأثرثرَ به لا يعدو أسخفَ من حفنةِ كلامٍ متأخرٍ عن تحطيمِ مدينةٍ دَفنت نفسَها بنفسِها في تراكمٍ مهول”.

اليوم، أسعى إلى تفعيل القيمة الوطنية التاريخية داخل مجرى ثورة 25 أكتوبر، ومحاولة استلهام الروح في تفاصيلها المثيرة، بعد خلعها عن كل ما هو سائد ومحافظ وخاضع لرواسب إجهاضية مقيتة.

(كتابات) ظهرت تعاملات إنسانية راقية في ساحات التظاهر.. هل الثورة خلقت وعيا إنسانيا جديدا بين المشاركين في رأيك؟

  • لكل طور ملامح ولكل مرحلة وعيها، وما صنعه جيل العجائب من مفاجآت مدوية لا بد أن تحمل بين جنباتها ملامح وعي شبابي متحضر ومتجدد يعكس نقاء التحول وجمال النظرة ورقاء الفعل. لاحظي لم تسجل حالة تحرش واحدة بين صفوف الثائرين، بل وجدنا تلاحماً فذا بين الجنسين، وبين الشيوخ والشباب وبين الأمهات والزوجات والأبناء. لقد تحولت ساحة التحرير إلى عراق حر متحضر صغير في مساحته، كبير في عطاياه وصوره ومؤثراته العجيبة.

(كتابات) شدد المتظاهرون على عدم استخدام أوصاف طائفية.. هل هذه هي بداية التخلص من الطائفية التي زرعها الاحتلال الأمريكي؟

  • قبر جيل العجائب بثورته المدهشة الفتنة الطائفية الأمريكية الإقليمية إلى الأبد، وتبنى المواطنة الثقافية سبيلا ومنهجا في حراكه الشعبي العفوي وفي سلوكه الحضاري العصري المدهش.

لقد انتصر العراق على كل أعدائه في هذه الثورة، وربما على الكثير من عقد أجياله.

(كتابات) ما هي توقعاتك بشأن الثورة وما هي أحلامك التي تتمنى تحقيقها؟

  • لا طريق لهذه الثورة سوى طريق الحرية، ولا نهاية لها غير النصر. أما أحلامي فكثيرة وكبيرة بحجم أحلام الوطن وثورة التوك تك المجيدة.

(كتابات) هل فكرت أن تكتب عن الثورة العراقية أم تنتظر حتى تكتمل التجربة؟

  • تبلورت أجمل فكرة سردية في رأسي، وسأشرع في كتابة رواية عن الثورة قريباً

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة