22 نوفمبر، 2024 8:08 م
Search
Close this search box.

قانون ماغنيتسكي سلاح ملاحقة الفاسدين خارج العراق

قانون ماغنيتسكي سلاح ملاحقة الفاسدين خارج العراق

شعار مكافحة الفساد في العراق كان هو الشعار الابرز في مظاهرات العراق التي اندلعت منذ الاول من تشرين الاول عام 2019 . لقد خرج الشعب العراقي احتجاجا على ممارسات يرى أنها تستنزف ثروات العراق الكثيرة . وهذه المظاهرات وان لم تكن الاولى من نوعها الا انها كانت الاقوى . وبالرغم من ان الحكومة اعلنت عن اجراءات المكافحة الفساد الا ان المحتجين اظهروا عدم اقتناعهم بتلك الاجراءات متهمين تلك الاجراءات بانها تطال صغار الفاسدين ولم تقترب حتى الآن من الفاسدين الكبار في بلد يحتل المرتبة 12 في لائحة البلدان الأكثر فسادا في العالم بحسب منظمة الشفافية الدولية . هنا ظهرت معضلة فالدعوات كثيرة لمكافحة الفساد ولكن الاجراءات لاتقنع المواطنين لان الفساد في العراق ما عاد حالة استثنائية إنما بات القاعدة . والفساد في العراق اصبح يقاس بارقام خيالية بحيث تحول الى توظيف السلطة لممارسة الفساد وتوظيف الفساد لبلوغ السلطة. واصبح حيتان الفساد من القوة بحيث تعجز الوسائل القانونية المتاحة عاجزة عن مكافحته وايقافه وخصوصا ان الكثير من المسؤولين يتمتعون بجنسيات اجنبية تمكنهم من الهروب من الملاحقة .
انطلاقا من هذه الحقيقة ونظرا لكون الفساد كان سمة مميزة في مسيرة الحكومات التي تعاقبت على الحكم منذ 2003 ، وتسبب بإهدار مئات المليارات من خزينة الدولة التي تعد واحدة من دول العالم الثرية بالنفط وتحول إلى واحدة من الدول الأكثر فقراً في العالم؛ لا سيما بعد تهاوي البنى التحتية بسبب التقادم الزمني وعدم الصيانة، وتراجع الخدمات الأساسية إلى ما دون المستويات الدنيا كل ذلك كان يقف وراءه أباطرة الفساد الذين استحوذوا على الميزانيات التي تخصص لبناء وصيانة البنى التحتية. من هذا المنطلق اصبح من الضروري البحث عن وسائل جديدة لملاحقة الفاسدين في الدول التي يمكن ان يهربوا اليها ولديهم فيها ارصدة وممتلكات ومن تلك القوانين قانون ( ماغنيتسكي غلوبال ) الذي صدر في الولايات المتحدة الامريكية عام 2016 فما هو هذا القانون وكيف يمكن استخدامه لمكافحة الفساد في العراق ؟
لمعرفة ذلك القانون نبدأء القصة من البداية . في عام 2011 قام السناتور (بنجامين كاردين) من الحزب الديمقراطي مدعوما من 38 عضوا في مجلس الشيوخ على راسهم السيناتور (جون مكين) والسيناتور (ماركو روبيو) من الحزب الجمهوري والسيناتور (جوزيف ليبرمان ) عن الحزب الديمقراطي بتقديم مشروع قرار لمعاقبة المسؤولين الروس الذين تم اتهامهم بتعذيب واخفاء وقتل المحاسب الروسي (سيرغي ماغتنيسكي) عام 2009 في روسيا بعد ان قام بكشف ملفات فساد خطيرة . في حزيران من عام 2012؛ رفعت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ تقريرا اعده عضو اللجنة السيناتور كيري تقريرها باعتماد المشروع باسم قانون (سيرغي ماغنيتسكي للمسؤولية) . كانَ القصد الرئيسي من القانون هوَ معاقبة الساسة الروس المسؤولين عن وفاة (سيرغي ماغنيتسكي) من خلال حظر دخولهم إلى الولايات المتحدة ومنعهم من استخدامِ النظام المصرفي. في السادس من كانون الأول من نفس العام صادقَ مجلس الشيوخ الأمريكي على نسخة من القانون وذلك بعد موافقة 92 نائبًا مُقابل رفض 4 فقط.وقّعَ الرئيس (باراك أوباما) على القانون في 14 كانون الأول 2012.
اختص الجزء الرابع من القانون بتحديد الاشخاص الذين يخضعون للقانون وتم تحديدهم في الفقرة اولا بالمسؤولين الروس الذين تثبت علاقتهم بحادث ماغنيتسكي حصرا الا ان الفقرة الثانيا من الجزء الرابع وسعت من ذلك بادراجها اي شخص في العالم يثبت اشتراكه في تعذيب او اخفاء او قتل اي شخص في العالم يحاول كشف عمليات فساد يرتكبها مسؤولين حكوميين او يحاول الكشف عن اي انتهاكات لحقوق الانسان المعترف فيها عالميا .
في عام 2015 عاد السيناتور كاردين مدعوما بزعيم الجمهوريين جون ماكين واعضاء بارزين في الحزب الديمقراطي وقدم مشروع قرار يدعو الى توسيع القانون ليصبح اسمه قانون غالوبال ماغنيتسكي وتم تمرير القانون في عام 2016؛ بحيث يسمحُ لحكومة الولايات المتحدة بمعاقبة المسؤولين الحكوميين الأجانب المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في أي مكان في العالم .
تكمن اهمية هذا القانون في انه ولاول مرة في القانون الجنائي الدولي يتم منح السلطة التنفيذية والتشريعية وليس القضائية لدولة ما وهنا المقصود بها الولايات المتحدة الامريكية سلطة التحقيق وفرض العقوبات حيث ان نص الجزء الثالث من قانون عام 2016 منح لرئيس الولايات المتحدة الامريكية صلاحية فرض عقوبات اقتصادية على اي شخص تتوفر لدى الرئيس معلومات عن قيامه بانتهاكات حقوق الانسان مهما كانت صفة ذلك الشخص او منصبه في دولته حتى وان كانت تلك الانتهاكات قد وقعت على اشخاص لايحملون الجنسية الامريكية وليسوا مقيمين في الولايات المتحدة الامريكية ولم يحصلوا على تاشيرة دخول الى الولايات المتحدة الامريكية وليس لهم اي علاقة مادية او معنوية بالولايات المتحدة الامريكية . وتمتد تلك العقوبات الى كل شخص او مؤسسة او منظمة او جهة علمت او ساندت او دعمت او حاولت التستر او حماية الاشخاص الذين يرتكبون الجرائم المنصوص عليها في القانون .
من ناحية اخرى منح القانون السلطة التشريعية (الكونغرس) للولايات المتحدة الامريكية صلاحية الطلب منرئيس السلطة التنفيذية القيام بالتحري والتحقيق في اي ادعاءات لانتهاكات حقوق الانسان او فساد مالي يحصل في بلد اخر وفي مناطق خارج الولايات المتحدة الامريكية لبحث امكانية قيام الرئيس بفرض العقوبات المنصوص عليها في القانون وحسب ماورد في نص الفقرة (د) من الجزء الثالث فان على الرئيس خلال مدة 120 يوم من استلامه طلبا من رئيس الكونغرس او اعاء اللجان المختصه في الكونغرس للتحقيق في مزاعم اخفاء وتعذيب اشخاص او قتلهم ان يقرر فرض العقوبات المنصوص عليها في القانون او ان يقدم تقريرا للكونغرس يبين فيه اسباب امتناعه عن تطبيق العقوبات . كما ان الفقرة (ج) من القسم الثالث اشارت ولاول مرة الى اعتماد الرئيس في فرض العقوبات المنصوص عليها في القانون على المعلومات المقدمة من قبل حكومات الدول الاخرى والمنظمات غير الحكومية المعنية بمراقبة انتهاكات حقوق الانسان وكذلك المعنية بمكافحة الفساد المالي والاداري دون تحديد جنسية تلك المنظمات اي ان جميع المنظمات غير الحكومية في العالم من حقها ان تقدم معلومات عن قيام اشخاص بتعذيب او قتل او اخفاء او تطبيق اجراءات خارج اطار القضاء الاعتيادي بحق اشخاص حاولوا كشف فساد مالي او اداري او حاولوا كشف عمليات انتهاك لحقوق الانسان . هذا النص يمنح صلاحية قوية غير مسبوقة للمنظمات غير الحكومية مهما كان حجمها او جنسياتها او تبعياتها في ملاحقة انتهاكات حقوق الانسان وملاحقة عمليات الفساد المالي والاداري .
كما ان نصوص القانون جعلت للسلطة التشريعية الحق في متابعة تنفيذ العقوبات وحددت من قدرة الرئيس على رفع تلك العقوبات الا بعد ان يتم تقديم تقرير الى الكونغرس بالاسباب التي يتم على اساسها رفع العقوبات كذلك نص الجزء الرابع من القانون على قيام الرئيس بتقديم تقرير الى الكونغرس يتضمن اسماء الاشخاص (المادية والمعنوية ) الذين تم تطبيق القانون عليهم واسباب تطبيق العقوبات والقضايا التي تم التحري والتحقيق فيها . والزم القانون الرئيس بتقديم تقرير سنوي في يوم 10 كانون الثاني وهو اليوم العالمي لحقوق الانسان عن اجراءات تطبيق القانون وان يكون هذا التقرير علنيا الا اذا اقتضت مصلحة الولايات المتحدة الامريكية جعل جزء منه سريا لاحتوائه على معلومات قد تمس المصالح العليا للدولة .
يلاحظ في هذا القانون ان اهميته تنبع في انه لم يحيل الامر الى السلطة القضائية في الولايات المتحدة الامريكية لتقرير ما اذا كان الشخص يجب فرض العقوبة عليه ام لا وقد سبق للعديد من دول اوربا ان منحت لمحاكمها حق النظر في دعاوى انتهاكات حقوق الانسان التي تقع خارج اوربا ولكنها اول مرة يتم منح هذا الحق للسلطة التنفيذية في تطبيق عقوبات على اشخاص ارتكبوا جرائم خارج اراضي الدولة التي تفرض العقوبة والضحايا والمتهمين فيها ليس لهم علاقة بالدولة التي تفرض العقوبة وهو توجه خطير كون العقوبات تمنح الحق لاي مواطن امريكي وحسب ماورد تعريفه في نص الفقرة 3 من القسم 2 من القانون الحق في احتجاز اي اموال او ممتلكات تعود ملكيتها الى شخص تم فرض العقوبات عليه بموجب هذا القانون .
من الجدير بالذكر ان النظام القضائي الامريكي يسمح بالطعن بالقرارات الصادرة عن رئيس الادارة الامريكية امام المحاكم الفدرالية في الولايات المتحدة الامريكية وبامكان القاضي الفدرالي المنفرد اصدار قرار بايقاف تنفيذ القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية بصورة دائمة او مؤقته . من هذا المنطلق يحق للاشخاص الذي يتم فرض العقوبات عليهم بموجب قانون ماغنيتيسكي الطعن بتلك العقوبات امام المحاكم الفيدرالية الامريكية ولكن ذلك يتطلب وجودهم او من يمثلهم على الاراضي الامريكية ليتم الاستماع لقضاياهم.
هناك من يثير موضوع ان هذا القانون ومثيلاته هو اعتداء على مبداء السيادة كما وردت في نصوص ميثاق الامم المتحدة ، الا ان هذا الاعتراض مردود عليه وهو نابع من عدم فهم لنصوص القانون فهذا القانون لا يطبق على اراضي الدول الاخرى بل يطبق على الاراضي الامريكية او الدول التي اصدرت قوانين شبيهه وهو لايلقي القبض على الاشخاص بل يمنعهم فقط من دخول الاراضي الامريكية ويمنعهم من الاستفادة من النظام المصرفي الدولي لتدوير اموالهم التي حصلوا عليها من الفساد . هذه السيطرة نابعة من قدرة الولايات المتحدة الامريكية من السيطرة على حركة الارصدة عالميا فصدور تجميد على الارصدة الشخصية لاحد الفاسدين من وزارة الخزانة الامريكية يلزم كافة البنوك في العالم بتجميد ارصدة الفاسدين والا تعرضت هي الى العقوبات .
بالنسبة لما يتعلق بمكافحة الفساد في العراق السوال الذي يثور هنا ، هل يمكن استخدام قانون ماغنيتيسكي في مكافحة الفساد في العراق؟ الجواب هو مادام هناك من يستطيع جمع اصوات كافية داخل الكونغرس الامريكي لاقناع المجلس لمناقشة الموضوع . لكن يجب ان نعلم ان تطبيق اي قانون يحتاج الى الاليات معينة يجب اتباعها وبعكسه فسوف تفشل اي جهود خارج تلك الاليات وفي هذا الموضوع تنفرد الولايات المتحدة الامريكية بوجود مايعرف بمجموعات الضغط التي ترتكز في العاصمة واشنطن او اللوبيات وهي المجموعات التي يمكن ان تحرك اعضاء مجلس الشيوخ لتبني اي قضية ومعظم دول العالم تستعين بمكاتب علاقات عامة لخلق مجموعات ضغط ومن اشهرها اللوبي الاسرائيلي واللوبي الايراني . وهنا ياتي دور العراقيين في الخارج وخصوصا في واشنطن العاصمة لتنظيم مجموعة ضغط من الناشطين لغرض اثارة الموضوع مع صقور الكونغرس الامريكي من خلال منظمات المجتمع المدني واتباع الطرق القاونية لملاحقة المتهمين بنهب المال العام والمتهمين بارتكاب خروقات ضد حقوق الانسان .
نفس الواجب يقع على العراقيين في المملكة المتحدة حيث ان هناك قانون مشابه اقترحه بوريس جونسون وتبناه البرلمان البريطاني يلزم الأراضي البريطانية الواقعة ما وراء البحار، بالكشف عن أسماء أصحاب حسابات الـ”أوف شور”، في أطار مكافحة التهرب الضريبي ، ويتيح مشروع القانون للسلطات البريطانية، فرض العقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
وفقا للقانون، سيتوجب على مناطق الـ”أوف شور” في جزر كايمان وفيرجن البريطانية وقبل نهاية 2020 نشر المعلومات عن تسجيل الشركات لديها، بما يتيح التصدي بشكل أفضل للتهرب الضريبي.وفي الجزء الثاني من مشروع القانون، هناك ما يسمى بـ”تعديل ماغنيتسكي” الذي ينص على “فرض عقوبات ضد الذين ينتهكون حقوق الإنسان في العالم”.
في 8 ديسمبر عام 2016؛ اقترحَ البرلمان الإستوني مشروع قانون جديدٍ مطابق تمامًا لقانون سيرجي ماغنيتسكي حيثُ يحظر على بعض الشخصيات دخول البلاد في حالة ما تبث ارتكابهم انتهاكات لحقوق الإنسان. أُقرّ القانون بالإجماع في البرلمان الاستوني مع بعض الإضافات بما في ذلك منع أي شخص من دخول البلاد في حالة ما كانت هناك معلومات أو سبب وجيه للاعتقاد أنّ هذا الشخص قد شاركَ في الأنشطة التي أسفرت عن انتهاك للحقوق.وفي 19 تشرين الاول عام 2017؛ أقرّ البرلمان الكندي على مشروع قانون بالإجماع في مجلي العموم الكنديعلى قانون مشابه لقانون ماغنيتسكي في التاسع من نوفمبر عام 2017 وافقَ برلمان ليتوانيا على مناقشة تعديلات قانون شبيه بقانون ماغنيتسكي في الولايات المتحدة. وافقَ 78 عضوًا على البرلمان فيما عارضهُ خمسة فتم الاتفاقُ المصادقة عليه يوم 16 نوفمبر عام 2017 بالإجماع . في 8 شباط عام 2018 وافقَ برلمان لاتفيا على قانون عقوبات مستوحًا من قانون سيرجي ماغنيتسكي. ينصُ هذا القانون على حظر الأجانب من دخول البلاد في حالة ثبوتهم ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
في النهاية نكرر ان هذا القانون واتجاه العديد من الدول في العالم لاصدار تشريعات مشابهه يعتبر تحول مهم في القانون الجنائي الدولي يمنح للسلطات التنفيذية صلاحيات كبيرة ويمنح لاجهزة الاستخبارات امكانية التحري والكشف عن جرائم ترتكب في دول اخرى ولكنها في نفس الوقت تساهم بصورة كبيرة في محاربة خروقات حقوق الانسان وجرائم الفساد المالي باعتبار ان المتهمين لن يستطيعوا التستر خلف جدار السيادة الوطنية للتهرب من المحاسبة ولكن يجب ان يتم ذلك ضمن الاطر والاليات القانونية وليس بالشعارات والكلام فقط .

أحدث المقالات