ان ما وصل اليه العراق من انسداد سياسي يمنع مرور أي إصلاحات واقعية ترمم العملية السياسي المحدثة منذ عام 2003 يكاد يصل الى مرحلة الانفجار، فمرحلة المطالبة بالحقوق والاستجابة من الطرف الاخر قد ولت ودخلنا في مرحلة (لو احنه لو انتو) كما رفع كشعارات في ساحات التظاهر
قد يذهب البعض الى التشكيك بعفوية هذا الحراك ويذهب الاخر الى ابعد من ذلك ليشيطنه ولكن الم يسأل المشككون والمشيطنون أنفسهم عن أسباب هذا البركان الشعبي الذي يطمر الشوارع والساحات؟ ما الذي أوصل الشعب ان الى ان يرى كل محاسنكم سيئات حتى صار يترحم على حكم من سبقكم الدكتاتوري
المشكلة في إيجاد أي حل مرضي يقود البلاد الى تغير سلس خالي من الدماء والدخول في دهاليز المجهول هو فقدان الثقة، فالشعب حتى المتعاطف مع السلطة غير مقتنع بان من تسبب بتراكم المشاكل قادر على تفكيكها ومعالجتها اما لعجز ذاتي او لمانع نفعي
ان ما يحدث من تخبط تشريعي وتنفيذي وحتى قانوني هو بحق تعبير جلي لما وصل اليه القابضين على السلطة من هلع على مصير مكتسباتهم فنرى التناقض الواضح في اصدار سلسلة القرارات البرلمانية والتعديلات على القوانين فيما شرعت السلطة التنفيذية في اصدار حزم إصلاحية غير قابلة للتطبيق وقرارات وزارية تتضمن تعين الاف المواطنين في وضائف وهمية لا حاجة للدولة لها خاصة وان الجميع مجمع على ترهل مؤسسات الدولة وتخمتها بعدد هائل من الموظفين الذين يوصفون بالبطالة المقنعة فيما افاقت هيئة النزاهة من سباتها واخذت تسابق الزمن في استدعاءات واوامر قبض بحق متهمين بالفساد تقبع ملفاتهم في غياهب ادراج المحققين منذ سنوات
فيما يبرز الينا رئيس الجمهورية ليمارس دور (طباب الخير) ويقنع نفسه بانه شخصية ذات ثقل شعبي وموضع ثقة الجميع ليقود مبادرات ويقترح تعديلات يعتقد انها خارطة طريق حل هذه الازمة
وهنا نود ان تطرح نموذجا لتخبط الدولة ورجالاتها للخروج من الانسداد السياسي الذي يطوق رقابهم ولنأخذ لقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وقانون الانتخابات النيابية ومجالس المحافظات المقترح لنبين كم المغالطات القانونية والدستورية والفنية التي يتضمنها
قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات المقترح
خامسا من المادة 6 شروط المرشح حيث ورد ان يشترط ان يكون مقيما في المحافظة مدة لا تقل عن خمس سنوات دون الإشارة الى كيفية التثبت وهذا يتيح للرؤوس الكبيرة توزيع ترشيحاتها على مختلف المحافظات بكل اريحية بمجرد جلب تأييد سكن وكان يجب ان ينص على شرط وجوده في سجل الناخبين لتلك المحافظة لأخر 5 سنوات لحصر تنافسهم في مناطق سكناهم
سابعا (أ) و (ب) من المادة 6 يتيح للدرجات العليا في المفوضية والموظفين الترشح للانتخابات بعد 3 سنوات من تركهم العمل وهذا الاستثناء لم يمنح لغيرهم من الشرائح الممنوعة من الترشح حسب منطوق النص وهنا تتدخل الأحزاب لكسب مؤيديها داخل المفوضية والأكثر ولاء بالطبع سيكون نائبا مستقبليا كما حصل مع حمدية الحسيني وقاسم العبودي
المادة 13 والتي تخص كوتا النساء مبهمة بالكامل ولا يمكن تطبيقها على ارض الواقع
المادة 28 – أولا يمنع تنظيم التجمعات الانتخابية للمرشح خلال الفترة الدعائية القانونية في ابنية الوزارات ودوائر الدولة ودور العبادة وهذا يعني انه يسمح له الترويج لنفسه قبل المدة الدعائية القانونية لنفسه او مرشحه وهذه ثغرة قانونية تتيح للمدراء والوزراء والجميع المناصب التنفيذية من استغلال دوائرهم للترويج خارج المدة القانونية للدعاية الانتخابية
الشروط المحددة للتشكيل مجلس المفوضين الواردة في المادة 41 لا تتناسب مع المعايير الدولية ومبدأ الشفافية والاستقلالية وذلك من عدة وجوه
ان مجلس القضاء الأعلى هو أحد السلطات الثلاث الرئيسية المكونة لبنية الدولة العراقية وان الدستور العراقي قد أكد على الفصل بين السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) وان ايكال احدى المهام التنفيذية للسلطة القضائية هو تداخل بين السلطات والذي لا يجيزه الدستور العراقي
ان رئاسة مجلس الدولة والجامعات وديوان الرقابة المالية هي مؤسسات تابعة للسلطة التنفيذية وان المفوضية هي مؤسسة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية وليس كبقية الوزارات لكي يتم تنسيب موظفي دولة لترأس مجلس مفوضيها
لو فرضنا ان الهدف من هذا القانون وبالخصوص طريقة اختيار مجلس المفوضين هو لدواعي تتعلق بالاستقلالية وعدم تدخل الأحزاب في اختيار مجلس المفوضين فما الضامن ان لا يكون المرشحين لهذه المناصب من المتحزبين ويتم تقاسم مناصبهم من قبل الأحزاب المتنفذة؟ وخاصة ان أي من تلك المؤسسات لا يشترط بمنسبيها الاستقلالية من الناحية القانونية كمؤسسات القوات المسلحة والقوى الأمنية والتي لا تخلو من محاصصة الأحزاب بداخلها
ان فخامة رئيس الجمهورية اعطى لنفسه صفة المقبولية والحياد في المادة 43 وأشار في هذه المادة الى ان عملية تشكيل مجلس المفوضين يمر من خلاله دون المرور بالسلطة التشريعية وتجاهل انه جزء من منظومة الأحزاب والمحاصصة
ان المادة 43 سلبت كل من السلطة التشريعية والتنفيذية حقها في ممارسة صلاحياتها فلو اعتبرنا ان مجلس المفوضين (والذي يمثل اعلى سلطة في المفوضية) جهة مستقلة غير مرتبطة بوزارة وتتمتع بالشخصية المعنوية فيجب ان يصادق عليه من قبل مجلس النواب العراقي اسوة بأقرانه اما إذا اعتبرنا مجلس المفوضين هو موظفي دولة منتدبين لأداء مهمة محددة فيجب ان يتم انتدابهم من قبل السلطة التنفيذية متمثلة بمجلس الوزراء حصرا
من خلال التدقيق في المادة 45 ثالثا ورابعا يتضح ان الموظفين المنتدبين لعضوية مجلس النواب لا يمنحون درجات وضيفيه خاصة بل يمارسون مهامهم بنفس الدرجة الوظيفية وبنفس الراتب والمخصصات وهذا خلاف السلم الوظيفي المقر للهيئات المستقلة والغير مرتبطة بوزارة، حيث ان المشرع منح رئاسة تلك المؤسسات درجة وزير او وكيل وزير ليس ترفا بل لتمكينه من مخاطبة اقرانه في بقية مؤسسات الدولة والتمتع بالصلاحيات المالية والإدارية والقانونية لتأدية عمله دون الرجوع لمرؤوس اعلى
إذا كان مجلس المفوضين ورئيسه يمارسون مهامهم بنفس الدرجات الوظيفية التي يستحقها اقرانهم فكيف للسلطة الرقابية استجوابهم ومراقبة عملهم؟
المادة 46 والمتعلقة بتأدية اليمين يشير ان مجلس المفوضين ينتدب من قبل رئيس الجمهورية ويؤدي يمينه القانونية امام مجلس القضاء الأعلى ويرتبط ماليا برئاسة الوزراء وهذا من المغالطات القانونية الفاضحة
المادة 52 والتي تدارك معد القانون الإشكالات التي اوردناها في الفقرات 8 و9 و10 فمنح رئيس مجلس المفوضين صلاحيات الوزير وقد اشترط مسبقا ان يكون قاضي من الدرجة الأولى وهذا يعتبر ترقيعا تشريعيا واضحا فلا توجد مؤسسة يرأسها قاضي بصفته الوضيفية بصلاحيات وزير وأعضاء مجلسها متفاوتي الدرجات الوظيفية فلو كان نائبه مثلا المحاسب القانوني بدرجة رئيس محاسبين أقدم فكيف يمارس صلاحيات وزير بغياب الرئيس؟
لم يحدد القانون في فصله الرابع توصيفا واضحا لاهم منصب في الإدارة الانتخابية الا وهو رئيس الإدارة الانتخابية فيما فصل في بقية المناصب
المادة 58 من الفصل الرابع حددت شرطا ملغوما يعيد هيمنة الأحزاب على المناصب العليا في المفوضية حيث اشترط على من يعين بدرجة مدير عام في الإدارة الانتخابية ان لا تقل خدمته عن 10 سنوات خدمة فعلية في المفوضية وهذا الشرط لم يذكر في مناصب مدير عام امانة مجلس المفوضين لأهمية المناصب العليا في الإدارة الانتخابية ويمكن تلخيص إشكالية هذا الشرط فيما يلي
ان منصب المدير العام في الإدارة الانتخابية يكون من الموظفين المعينين عام 2009 على الأقل أي في حقبة استبعاد المستقلين والاتيان بممثلي الأحزاب
لا يحق لأي موظف ذو خبرة مستمر بالخدمة او متقاعد التقدم لشغل هذا المنصب مهما كانت خبرته واستقلالية
حصر التنافس بين موظفي المفوضية مهما بغض النظر عن مدى خبرتهم وكفاءتهم فقد يكون في أحد الدوائر موظفين لا يتمتعون بالأهلية اللازمة لتسنم منصب مدير عام كدائرة تكنلوجيا المعلومات او دائرة العمليات مثلا
وعليه فان مناصب المدراء العامون في المفوضية سوف يعاد انتاجهم من موظفين متحزبين او محسوبين على الأحزاب مع ان وجود موظفين مستقلين قطعا ولكن صياغة القانون بهذا الشكل يوحي بان المستقبل لن يكون للمستقلين في المفوضية
قانون الانتخابات النيابية ومجالس المحافظات
المادة 74 إداريا لا يوجد للمناصب التنفيذية دورة انتخابية
المادة 76 تضاف عبارة في انتخابات مجلس النواب بعد القوائم الوطنية لتكون العبارة واضحة
المادة 79 حدد مقعد لكل 200000 نسمة وهذا يخالف ما ورد في الدستور بإقرار مقعد نيابي لكل مائتا ألف نسمة
لم يوضح القانون موقف المناطق التي تقطنها غالبية من الأقليات العرقية والدينية هل يعتمد نظام الدوائر المتعددة في قضائهم ام يخضعون للكوتا على مستوى المحافظة كمناطق تلعفر وسهل نينوى وغيرها
لم يأخذ القانون بنظر الاعتبار تعقيدات إشكاليات التقسيمات الإدارية بين المحافظات وداخل المحافظة الواحدة
ان هذا النظام الانتخابي يضيع أصوات الناخبين خلال تحديد التقسيمات المناطقية لكل قضاء واحتساب عدد ممثليها حيث يوجد اقضية لا يصل عدد سكانها للحد الادنى لاحتساب المقعد النيابي كقضاء الدغارة وقضاء سومر في محافظة القادسية
ان هذا النظام الانتخابي يذيب أصوات الأقليات القاطنين في مناطق الأغلبية من غير المشمولين بالكوتا كالمناطق التي يقطنها اقلية من التركمان في اقضية ذات غالبية كردية او عربية
ان اعتماد مبدأ الفائز الأكبر في نيل مقعد نيابي يشوبه الكثير من عدم المصداقية في التمثيل فلا يجوز اعتماد مبدا الفائز الأكبر على مستوى القضاء دون شرط النسبية في عدد المصوتين فمثلا الفائز الأول ان لم يحصل على 50% من أصوات المصوتين يصار الى جولة ثانية تضم الأقرب اليه من المرشحين
نظام الكوتا في هذا القانون معقد جدا وغير واضح ويتسبب بظلم كبير للمتنافسين من الرجال
لم يشر القانون في احكامه الجزائية الى موضوعة تمويل الحملات الانتخابية وكيفية السيطرة على صرفها ومصادرها والية ايداعها والذي يعتبر الأساس في تحقيق العدالة والمساواة في الفرص بين المتنافسين
وبشكل عام فان هذا القانون المقترح لا يمكن تطبيقه بشكل عملي وان تم تطبيقه فان مخرجاته ستكون مشوها ولن ترضي أي من شرائح المجتمع العراقي