في سياق الجدل الدائر حول سلبيات نظام التمثيل النسبي المطبق في العراق منذ العام 2005 وضرورة استبداله بأحد نظم الاغلبية ، ومع وجود صعوبات فنية وسياسية تحول دون تطبيق نظام الاغلبية والترشيح الفردي يمكن ايجاد بدائل لنظم انتخابية تحافظ على نظام التمثيل النسبي وتتجاوز ابرز الاشكاليات المثارة حوله وتستفيد من بعض مزايا نظم الاغلبية .
واذا ما تجاوزنا باقي المعايير والاشتراطات الاخرى التي يتطلبها اصلاح العملية الانتخابية في العراق وتكلمنا بحدود اصلاح النظام الانتخابي- وليس الانتخابات- يمكننا القول بان القفز على الواقع السياسي والاجتماعي وتجاوز الشروط الفنية والموضوعية واقتراح انظمة انتخابية تتعارض مع كل ذلك لاشك انه سيصطدم بالارادة السياسية للاحزاب بمرجعياتها الاجتماعية المختلفة والتي تتمثل بالاحزاب الحاكمة ، ولنتذكر هنا بان النظام الانتخابي هو مؤسسة سياسية بامتياز، ناهيك عن العقبات الفنية والادارية التي تقف امام تطبيق بعض الانظمة الانتخابية في المرحلة الراهنة .
ولكن لا يمكن للارادة السياسية تجاهل مطالب النخب واحتجاجات الجماهير بضرورة اصلاح العملية الانتخابية وتغيير نظام التمثيل النسبي الذي القى بظلاله السلبية على العملية السياسية ،ومن هنا يمكن التفكير بانظمة انتخابية بديلة يمكن استخدامها كمرحلة اولية ليصار بعدها الى اجراء تحسينات اخرى في كل دورة انتخابية .
وينطلق التفكير بالبديل من خلال التركيز على جوهر اشكالية نظام التمثيل النسبي من حيث عدالة التمثيل ،إذ يواجه نظام التمثيل النسبي بصيغة سانت ليغو المعدلة باعتراضات من قبل الرأي العام والمرجعية ، وجوهر الاشكالية المثارة حوله هي : ان نتائج هذا النظام بحكم طبيعته تؤدي الى هيمنة الاحزاب الكبيرة وتهميش الاحزاب الصغيرة فتصبح الانتخابات بمثابة ماكنة لاعادة انتاج نخب الاحزاب السياسية لنفسها في كل حدث ، كما ان نتائج هذا النظام تقود الى غبن لبعض المرشحين الذين يحصلون على اصوات اعلى من اصوات مرشحين آخرين ولكنهم لا يفوزون بمقاعد ، اما بسبب ان قوائهم لاتؤهلهم للفوز بمقعد او بسبب محدودية المقاعد التي تحصل عليها قائمتهم بالمقارنة بمحدودية الاصوات التي تحصل عليها ، لذا يحدث ان يحصل على مرشح على عدد كبير من الاصوات اكبر من تلك التي حصل عليها مرشحون فائزون في قوائم ولكنه لايحصل على مقعد ، اما لان قائمته غير مؤهلة للفوز بمقعد او لان قائمته فازت بمقاعد محدود لاتؤدي الى تعديته .
ولايجاد حل لهذه المشكلة مع الحفاظ على نظام القائمة والتمثيل النسبي امامنا طريقتين هما :-
الطريقة الاولى : نظام التمثيل النسبي والمقاعد التعويضية على المستوى الوطني
اولا :التعريف بالنظام :
يقوم هذا النظام على اساس القائمة شبه المفتوحة التي تتيح للناخب خيارين اولهما التصويت لقائمة ما ومرشح ضم القائمة المصوت لها ، او التصويت لقائمة دون التصويت لمرشح ما ، ضمن دوائر انتخابية متعددة محددة بحدود المحافظات ويتم توزيع المقاعد على القوائم الفائزة ضمن طريقتين :
الاولى : توزع مانسبته 70 % من مقاعد الدوائر الانتخابية على القوائم وفق صيغة سانت ليغو المعدلة ، وتوزع المقاعد على المرشحين ضمن القائمة الفائزة باعادة ترتيب تسلسل المرشحين استنادا الى عدد الاصوات التي حصل عليها كل منهم ، ويكون الفائز من يحصل على اعلى الاصوات وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين .
الثانية : يتم تخصيص ما نسبته30 % من المقاعد كمقاعد تعويضية على المستوى الوطني يتم توزيعها عن طريق استخراج المعدل الوطني وقسمة ماحصلت عليه القوائم على المعدل الوطني ، ويتم تخصيص المقاعد المتبقية (الشاغرة ) على اساس الباقي الاقوى .
بعد تخصيص المقاعد الوطنية الى القوائم الفائزة بها يتم توزيع المقاعد على مرشحي القوائم الوطنية وهنا يمكن اعتماد اسلوبين :الاول ان تكون القوائم الوطنية قوائم مغلقة و يصار عندها اعتماد تسلسل القائمة لتحديد الفائزين بالمقاعد التعويضية .
اما الاسلوب الآخر فهو ان تكون القوائم الوطنية قوائم شبه مفتوحة يحق للناخب فيها اختيار مرشح من ضمن القائمة التي صوت لها ، و يتم تخصيص المقاعد للفائزين باعادة تسلسل المرشحين استنادا الى عدد الاصوات التي حصل عليها كل منهم ويكون الفائز من يحصل على اعلى الاصوات وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين .
ثانيا : عناصر نظام التمثيل النسبي والمقاعد التعويضية على المستوى الوطني
1. من حيث الدوائر الانتخابية
– تكون كل محافظة دائرة انتخابية ضمن حدودها الادارية تخصص لها ما نسبته 70% من المقاعد
– يكون العراق كله دائرة وطنية انتخابية واحدة تخصص لها ما نسبته 30% من المقاعد الوطنية التعويضية .
2. من حيث الترشيح :
– يكون الترشيح بطريق القوائم شبه المفتوحة في الدوائر الانتخابية في المحافظات
– يكون الترشيح للمقاعد الوطنية بطريقة : اما بطريقة القائمة المغلقة او بطريقة القائمة شبه المفتوحة
– يحق الترشيح الفردي في الدائرة الانتخابية او في الدائرة الوطنية .
3. من حيث التصويت
– يصوت الناخب للقائمة والمرشح في الدائرة الانتخابية للمحافظة او للقائمة فقط.
– يصوت الناخب للقائمة الوطنية ولاحد المرشحين في حال إعتماد اسلوب القائمة شبه المفتوحة على المستوى الوطني – او يصوت للقائمة فقط في حال اعتماد القائمة المغلقة على المستوى الوطني .
4. من حيث حسم النتائج وصيغ توزيع المقاعد
– توزع المقاعد في الدوائر الانتخابية على القوائم الفائزة بطريقة سانت ليغو المعدلة ، وتوزع المقاعد على المرشحين الفائزين بالاستناد الى اغلبية الاصوات التي حصل عليها المرشحين .
– توزع المقاعد التعويضية على المستوى الوطني من خلال الخطوات التالية :
– استخراج المعدل الوطني
حيث ان المعدل الوطني = مجموع الاصوات الصحيحة في عموم العراق مقسوما على عدد المقاعد الوطنية (30%)
– قسمة مجموع اصوات القائمة في عموم العراق على المعدل الوطني وتخصيص عدد من المقاعد يناسب العدد الصحيح الناتج عن القسمة .
– تخصص المقاعد الشاغرة للباقي الاقوى.
– توزع المقاعد على مرشحي القوائم الفائزة بالمقاعد التعويضية الوطنية باعتماد تسلسل القائمة (اذا ما تم اعتماد اسلوب القائمة المغلقة ) ، او باعتماد اكثرية الاصوات التي حصل عليها كل مرشح ( اذا ما تم اعتماد اسلوب القائمة شبه المفتوحة ).
ثالثا : مزايا هذا النظام
– يحقق تمثيلا عادلا للكيانات المتنافسة على مستوى الدوائر الانتخابية للمحافظات والمستوى الوطني.
– يوفر فرصة كبيرة للاحزاب الصغيرة للفوز بمقاعد على المستوى الوطني مما يوسع من دائرة او مجال التمثيل السياسي للاحزاب ويفسح المجال امام تطور و مشاركة احزاب جديدة في السلطة ، ومن ثم فإنه يحل مشكلة احتكار السلطة من قبل القوائم الكبيرة .
– يسهم في دعم وظهور القوائم الوطنية العابرة للطائفية لانه يوجد مصلحة في تعاون احزاب واتجاهات سياسية مختلفة لخوض التنافس الانتخابي .
– سهل التطبيق وسهل الفهم بالنسبة للناخبين .
– سهولة تخصيص مقاعد للمكونات وسهولة تطبيق كوتا المرأة .
الطريقة الثانية : نظام يجمع بين مقاعد الاغلبية الجزئي والتمثيل النسبي
اولا : التعريف بالنظام
يقع هذا النظام ضمن صور نظام القوائم والتمثيل النسبي لكن مع تخصيص جزء من مقاعد الدائرة الانتخابية للمحافظة – ما يشكل نسبته (30%) من مقاعد الدائرة الانتخابية – يتم توزيعها وفقا لاغلبية الاصوات التي يحصل عليها المرشحون اي بالاستناد الى اصوات المرشحين ، فمن يحصل على اغلبية الاصوات من بين كل القوائم المتنافسة يكون فائزا بالمقعد وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين، في حين تحسم نتائج مانسبته (70% ) من مقاعد الدائرة وفق صيغة سانت ليغو المعدلة( او اي صيغة من صيغ النسبة ) ويكون تصويت الناخب في هذا النظام على اساس القائمة شبه المفتوحة التي تتيح للناخب خيارين اولهما التصويت لقائمة ما ومرشح ضم القائمة المصوت لها، او التصويت لقائمة دون التصويت لمرشح ما ، ضمن دوائر انتخابية متعددة محددة بحدود المحافظات .
ويقترب هذا النظام كثيرا من صورة النظام المختلط المتوازي من حيث المزاوجة بين نظام الاغلبية ونظام التمثيل النسبي . جدير بالذكر انه يمكن تطبيق تقسيمات اخرى للمقاعد في الدائرة الانتخابية ، وفي كل الاحوال يجب ان لا تقل مقاعد الدائرة المخصصة لنظام الاغلبية عن نسبة 30% اذا ما اريد الحفاظ على الحد الادنى للمزاوجة بين النظامين ، وان لا تقل مقاعد التمثيل النسبي عن 50% اذا ما كانت تجربة النظام المختلط تتم للمرة الاولى .
ثانيا : عناصر نظام مقاعد الاغلبية الجزئي والتمثيل النسبي
1. من حيث الدوائر الانتخابية
– تكون كل محافظة دائرة انتخابية ضمن حدودها الادارية وتقسم مقاعد الدائرة الانتخابية الى قسمين :
الاول : يخصص ما نسبته 30% من مقاعد الدائرة يتم توزيعها على وفق نظام الاغلبية اي بحسب ما يحصل عليه المرشحون من اصوات حيث يعتبر فائزا بالمقعد من يحصل على اغلبية الاصوات في الدائرة وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين الى ان يتم توزيع كل المقاعد المخصص للتنافس ضمن نظام الاغلبية على المرشحين في داخل القوائم المختلفة .
اما القسم الثاني : وهو ما يشكل نسبة 70% من مقاعد الدائرة يتم حسم نتائجها وفق صيغة سانت ليغو المعدلة ( او اي صيغة من صيغ النسبية )
2. من حيث الترشيح :
– يكون الترشيح بطريق القوائم شبه المفتوحة في الدوائر الانتخابية في المحافظات
– يحق الترشيح الفردي في الدائرة الانتخابية او في الدائرة الوطنية .
3. من حيث التصويت
– يصوت الناخب للقائمة والمرشح في الدائرة الانتخابية او للقائمة فقط، و يدلي الناخب بصوته باستخدام ورقة اقتراع واحدة – بدلا من ورقتين كما متبع في النظام المتوازي –
4. من حيث حسم النتائج وصيغ توزيع المقاعد
– توزع ما نسبته 30%المقاعد في الدوائر الانتخابية على المرشحين بغض النظر عن نتائج قوائمهم وفق نظام الاغلبية ، بعد ان يصار الى ترتيب جميع مرشحي الدائرة الانتخابية بحسب ما حصلوا عليه من اصوات بحيث يعد فائزا بالمقعد الاول من يحصل على اغلبية الاصوات وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين الى ان يتم شغل كل المقاعد الـ(30%) المخصصة للتنافس وفق نظام الاغلبية ضمن القوائم الحزبية.
– توزع مقاعد الدائرة التي تشكل نسبتها70% على القوائم الفائزة بطريقة سانت ليغو المعدلة (او اي صيغة اخرى من صيغ النسبية )، وتوزع المقاعد على المرشحين الفائزين باغلبية الاصوات ضمن القائمة .
– لايتم اجراء اي حذف او تغيير في الاصوات التي حصلت عليها القوائم المتنافسة بعد اجراء عملية توزيع المقاعد المخصص للتنافس ضمن نظام الاغلبية .
ثالثا : مزايا هذا النظام
– يستند هذا النظام الى المزاوجة بين نظام الاغلبية ونظام التمثيل النسبي من خلال تغيير صيغ حسم النتائج واعتماد جزئي على نظام الاغلبية بدلا من تغيير طريقة الترشيح و تغيير ورقة الاقتراع وطريقة تصويت الناخبين الامر الذي يتيح امكانية تطبيقه فنيا ولا تشكل اجراءاته عقبة امام فهم الناخبين او اجراء تغييرات جذرية على اجراءات الاقتراع والفرز والعد.
– يحقق عدالة في التمثيل للكيانات والاحزاب السياسية فضلا عن عدالة في تمثيل المرشحين الفائزين بأغلبية التصويت
– يفتح الباب امام ترشيح الشخصيات والكفاءات ضمن القوائم الانتخابية ويعطي الفائزين بالاغلبية قوة ازاء الاحزاب والقوائم الحزبية وهو ما يعني تنوع في عضوية البرلمان وتعزيز قوة واستقلالية القرارات لاعضاءه .
– سهل التطبيق وسهل الفهم على الناخبين ولا يتطلب اجراء تغييرات كبيرة في اجراءات الاقتراع والفرز والعد .
وفي رأينا الخاص فنحن ندعم ونرجح الطريقة الثانية ( مقاعد الاغلبية الجزئي والتمثيل النسبي ) لانه يمثل مزاوجة بين نظام الاغلبية والتمثيل النسبي تمكن من الاستفادة من مزايا الاغلبية ونظام التمثيل النسبي ،كما انه يمثل خطوة متقدمة نحو اجراء تحسينات مستقبلية وتطويره بشكل يعزز من التمثيل السياسي ويكسر الاحتكار السياسي للسلطة ويفسح المجال تدريجيا لصعود نخب واحزاب سياسية جديدة.