لا يختلف إثنان على مشروعية التظاهر السلمي لجميع أفراد الشعب، للمطالبة بالحقوق وتقويم الاداء الحكومي، بل واستبدال الحكومة إن تطلب الأمر ذلك، بإشتراط ضمان عدم الخروج عن الأطر الدستورية.
بعد ذلك ينبغي معرفة كيفية التظاهر وعلى من ولماذا؟ وهل إن ماحصل في تشرين من العام الحالي بإمكانه تحقيق الأهداف التي خرج من أجلها الشباب في بغداد ومدن الجنوب؟
مهما كانت الرؤية المطروحة قريبة من الواقع، لكنها ستعامل كنوع من الترف الفكري بنظر ذوي الضحايا من المتظاهرين والقوات الأمنية.. كذلك لن تجد التفاعل المستحق من أصحاب الحاجات الملحة وسط هذا الكم الهائل من الضحيج الإعلامي متعدد الدوافع.
ان صعوبة استشراف حل مقبول منشأها عدم الاعتراف بالواقع السياسي من قبل الجماهير الغاضبة، والتي تنظر لرجال السياسة كخصم لدود تسبب في تلاشي الأمل بحياة هانئة ينشدها الفرد العراقي تحقق له الحصول على ابسط حقوقه كأي مواطن يعيش في بلد ديموقراطي.
القراءة المنصفة للاحداث تؤكد مسؤولية الكتل السياسية الحاكمة، اغلب الاسباب التي اوصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن.
الإصرار على التصدي للمسؤولية رغم إستمرار الفشل دون علاج لمسبباته، يحتم على المتابع الوقوف مليا ووضع عدة علامات استفهام حول النوايا التي تقف خلف هذا الإصرار؟
كذلك لا يمكن تبرئة الساحة الاجتماعية من مسؤولية المساهمة في صناعة هذا الواقع الفاسد، فالمجتمع شريك بشكل أو أخر بكل ما يشهده البلد من تردي، وايسر ما يتحمله هو اختياره الخاطيء لممثليه، بعيدا عن محددات النزاهة والكفاءة والإخلاص، وعدم اعتماد المشروع الوطني.
يضاف لذلك العزوف الواسع عن المشاركة فى رسم المشهد السياسي الذي شهدته الانتخابات الأخيرة، والتي وجدت من خلاله أحزاب السلطة فرصتها الذهبية للقبض على مفاصل العمل التشريعي والتنفيذي وبإستخدام القانون.. رغم بلوغ الشعب فى معاناته حدا لا يمكن السكوت عنه..
العودة للدستور والاحتكام له باعتباره العقد الإجتماعي المتفق عليه، تعتبر حلا لابد منه، رغم الملاحظات العديدة التي يبديها البعض عليه.. لكنه المخرج الوحيد من هذه الازمة بعد ان وصلت إلى طريق مسدود بالشكل الممكن.. ولا نقول عنه انه يحفظ ماء الوجه لطرفي الازمة بعد ان تحولت ساحات الاعتصام الى اللون الاحمر بدماء الشهداء من المحتجين والقوات الامنية.
التعامل مع الازمة وفق المنظور الدستوري يعتبر الملاذ الآمن للطبقة السياسية، كونه يضفي طابع الشرعية عليها باعتبارها حالة معترف بها دوليا رغم ما شابها من تلكؤ، لكن القول الفصل بايد المتظاهرين الذي يبدو انهم غير ملتفتين للعرف التوافقي والشراكة التي قامت عليها العملية السياسية بعد ٢٠٠٣، والتي حظيت بدعم اممي واقليمي.
بمعنى آخر ان شباب ساحة التحرير تعاملوا مع الازمة وفق الحالة المناطقية مما يعكس انطباعا بعدم تنسيق الجهود مع اقرانهم من شباب المنطقة الغربية،فضلا عن اقليم كوردستان.
اذ من غير المعقول إن سكان تلك المناطق لديهم من الخدمات وفرص العمل ما يجعل خروجهم على ممثليهم في الواقع السياسي تمردا على واقعهم الجميل! ام ان الأحداث تخفي اشياء اخرى غابت عن أذهان المراقبين؟
ما جرى يعكس إستمرار التخندق خلف الحالة المذهبية والقومية وهو ما جرى على السنة، بعض ممثلي الأكراد والسنة من حيث تعاملهم مع هذا الحراك كشأن يخص الكتل الشيعية وهي ملزمة بتسوية الخلاف مع قواعدها الجماهيرية.
بناء على تلك المعطيات نجد ان الجموع الغاضبة ستصطدم بارادة الشركاء التي أبدت امتعاضها من بعض مطالب الجماهير كالعودة للنظام الرئاسي وإجراء تعديلات على بعض مواد الدستور مما يعني ان الدماء التي اريقت كانت ثمنا لسقف المطالب الذي تعمدت بعض الجهات رفعه وهي تعي ردود الأفعال مسبقا، اذ لا حل الا بتدخل اممي مما يعني عودة الوصاية الدولية على العراق او الحل الدستوري بموافقة الشركاء بداعي الحرص على المكتسبات.