ليس جزافا اذا قلنا انّ ما توفر لمقتدى الصدر بسبب ارث ابيه لم يتوفر لغيره من جميع ابناء رجال الدين والطبقة السياسية في العراق . لقد وصل اليه المجد والزعامة السياسية بعد الأحتلال الامريكي من حيث هو يعلم أو لايعلم . عشرات الألاف بل مئاتها تزحف خلفه بأشارة منه . لم يكن مقتدى الصدر مدركا لحجم المسئولية الشرعية والوطنية الملقات على عاتقه في أولّ امره , وقد عذره الشعب الى اتباعه على هفوات كبيرة وخطيرة في تزعم جمهور ابيه , خاصة في نصب محاكم شرعية الى تطبيق نظام راديكالي اسلامي طائفي لايقل وحشية عمّا فرضته الحركات الأصولية وحشية في دولة قندهار والدولة الأسلامية في العراق وسوريا داعش . لقد دخل مقتدى الصدر في انتفاضتين دمويتيين مع القوات المحتلة , كان ثمنها عشرات الألاف والشهداء والجرحى والمعتقلين , لتنتهي انتفاضتيه بتجميد جيش المهدي الى رحيله الى قمّ وطهران لأكمال دراسته الحوزية ؟!
يرجع مقتدى الصدر من ايران وهو يحمل مشروع السلام ورافعا اغصان الزيتون ليشترك في العملية السياسية التي فرضها الأحتلال الذي قام بأنتفاضتين ضدّه !
من بركات السيد مقتدى الصدر في العملية السياسية التي دخلها في ظلّ احزاب الأحتلال في المنطقة الخضراء ان فرّخ لنا مليشيات الى احزاب قد اختلفت معه بتوجهها العقائدي والوطني , لتنقسم جماهير ابيه الى عشرات الأحزاب والحركات والمليشيات , كلّها كانت تمثل الخط الوطني العقائدي الثوري لأبيه السيد محمد صادق الصدر .
لم يابه السيد مقتدى الصدر لكل الأصوات الشريفة التي حاولت نصحه الى توجيهه بخصوص الكارثة التي يسعى , وسعى اليها في تهميش وتمزيق تيار ابيه , بل انّه قد تمادى كثيرا في تجاهل الطبقة الوطنية من المفكرين والمثقفين والعلماء, التي دعمت تيار ابيه في العراق , سواء كان هذا في الداخل العراقي أو خارجه .لقد وصل الأمر بالسيد مقتدى الصدر أن يشتم مقلدي ابيه امام الأعلام الوطني والسوشيل ميديا , بل انّه شتم سجناء التيار الصدري في سجون حكومة المنطقة الخضراء ومرتزقتها لطلبهم من كتلته البرلمانية اطلاق سراحهم , وزاد على هذا المتحدث باسمه صالح العراقي – الذي هو مقتدى الصدر نفسه – ان شتم خريجي الشهادات العليا بطاب توظيفهم في مؤسسات وطنهم .
لم يحقق مقتدى الصدر الى جميع وزرائه الى كتلته في حكومة المنطقة الخضراء بناء مدرسة نموذجية واحدة , ولا بناء مسشفى صحي واحد , ولم تقم حوزته الدينية في كلّ العراق بتقديم دعم للايتام والفقراء من الذين يبحثون قرب بيته وبيوت المراجع الدينية في مزابلهم عن لقمة عيش أو عن سقف يسترهم في بلد يملك ثاني أكبر احتياط نفطي في العالم .
تقع الانتفاضة التشرينية في العراق الحرّ الأبي , بقيادة الشباب العراقي الحيّ , هؤلاء الشباب الذي خذلهم وشتمهم مقتدى الصدر في اكثر من موقع ومكان , لتهزم وتكسر جبروت الخونة والعملاء واللصوص في العراق المحتل , ليرجع لنا مقتدى الصدر من ايران , بعد أن قضى ردحا من الزمن هنالك في ترتيب البيت العراقي لصالح قاسم سليماني وزمرة ايران في المنطقة الخضراء , رجع معتقدا انّ ما تركه في العراق ما زال له وعلى ما يرغب ويحب , وهو لم يعلم انّ الشباب العراقي الذي ولد في ظلّ الاحتلال الفارسي او الأمريكي قد كفر به وبمن تزعم وطنه , ومنهم هو مقتدى الصدر ومن يمثله في حكومة الأحتلال في العراق الجريح .
في الشدائد والمصائب العظمى للأوطان يقف القادة الحقيقيين مع شعوبهم , ويلبسون الأكفان حقيقية للدفاع عن شعوبهم واوطانهم , ويتقدمون الجماهير الثائرة في تحقيق قانون العدل السماوي الى قانون العدل الانساني في رخاء شعبهم وتحقيق امانيهم وتطلعاتهم , لا ان يهربوا الى ايران مرّة اخرى وصدور شبابهم ونسائهم الى مقدسات وطنهم تحت نيران زمرة من القتلة والمجرمين الحفاة من عملاء فارس ومجوسها في العراق العربي العظيم .
لقد قتل مقتدى الصدر اباه مرّة اخرى , وهذه المرة بيده , بعد أن زهت له الدنيا , وحلا له طعمها وبهرجها . ليس لي اخيرا الاّ أن اقول انّ ما حصل عليه السيد محمد صادق الصدر في العراق لا يتحقق لكلّ زعيم أو قائد الاّ في فلتات الزمن , والسيد محمد صادق الصدر قد أضاع مجده ابنه مقتدى في يوم وليلة , وكأني أرى السيد محمد صادق الصدر وهو يبكي دما على ما فعله أبنه مقتدى بأرثه وتراثه , وأنا لله , وأنا اليه راجعون .