أتذكر ‘ وكما يحدث الأن مع الحدث التركي ‘ عندما اندلعت تظاهرات احتجاجية في إيران تحت عنوان (ضد تزوير نتائج إلأنتخابات الرئاسية ) بدءت أقلام المحللين السياسيين لدينا وفي المنطقة ‘ بإطلاق توقعات وصلت إلى قول أن السلطة في طهران أيلة إلى السقوط لامحال نتيجة غضب الجماهير ‘ وكالعادة أيضاً أتهمت السلطة ايادي خارجية وأستطاعت تحت هذا العنوان أن تتعامل وبالعنف مع الحدث ‘ وتم سحق الأنتفاضة رغم مشروعيتها في أكثر من جانب ‘ كتبنا في حينه : أن السلطة في ايران (داخلياً) ستبقى قوية وأن أي محاولة من الخارج مستغلاً هذه الإنتفاضة سيدفع إلى نتائج عكسية تماماً حيث حين إذِ سيترك المنتفظين ساحات الإحتجاج ويدافعون عن شرعية السلطة ‘ وهذه طبيعة إيران والإيرانيين وقلنا : على المعارضين الأساسيين لنظام طهران أن لايفرحون ولايبالغون ولا ينظرون الى حال الحكم هناك بتشفي ! (نشر الموضوع في صحيفتي الزمان الدولي وصحيفة الحدث ملحق السياسي لصحيفة الشبيبة العُمانية )…
وهكذا نرى أن غالبية المحللين للاحداث في منطقتنا تحركهم العواطف وإلأنتماءات القومية و والعشائرية ايضاً ! وليست القراءة الدقيقة والموضوعية لما يحدث من حولهم ‘ واليوم ‘ وعن مايحدث في تركيا ايضاً نقرء نفس التحليلات بألإضافة إلى تأثير ظاهر وواضح لإنتعاش توجهات الطائفية في المنطقة و نرى مع الاسف لها تأثير واضح على تلك التحليلات متشفين بالورطة التي وقع فيها أردوغان ويصفونه بـ(سلطان ايل للسقوط! ) … وفي بداية هذا العام وفي ضوء تدخل متسرع لتركيا في الازمة السورية ايضاً كتبنا تحليلين عن تصرفات حاكم تركيا وشرحنا وجهة نظرنا حول عدم موضوعية الموقف التركي وتسرع ذلك النظام مغروراً بالنجاح الداخلي متصوراً هذا الدفع يكفي لتوجه الخارجي وقلنا هذا الموقف يدل على قصر النظر في قراءة التأريخ و ثأثيرات الجغرافية الثابتة في منطقتهم (كذلك نشر تحليلين في نفس الصحف ) .
والأن ‘ قراءتنا المتواضعة لأحداث تركيا ‘ أن النظام يحصد ما زرعه من تصرفات ناتج عن الغرور داخلياً وما نتج عن هذا الغرور في توجهاته الخارجية ‘ كثيرين من المراقبين ‘ اعتقدوا أن إنتصار الساحق لتيار العدالة والتنمية ذي توجهات إسلامية معاصرة ‘ سيضع تركيا وثقلها الدولي والأقليمي لصالح التوجهات الهادفة إلى إستقرار في المنطقة ‘ وكان هناكَ تصور لدى البعض أن العلاقات الطيبة بين دولتي إيران وتركيا (نظراً لظاهر توجهاتهم الإسلامية ) سيؤدي نجاح بناء سلطة يكسب للاسلام الدعم العالمي ‘ والحالمين بهذه النتيجة ماكان في حسابهم سيكون نزوح إلى تصورات (طائفية ) إختيار وإفراز صراعات المصالح في المنطقة ‘ وأكيد أن إستكبار الغربي حسب وبدقة إمكانيات خلق أكثر من ثغرة لإدخال المنطقة في هذا المنعطف الخطير ‘ وهذا ما يشرح لنا عند القراءة دقيقة لاطالة ألأزمة السورية رغم هذا الدمار والقتل الجنوني يحدث يومياً وعدم إكتراث كل القوى الدولية لهذه الإطالة و لكل جهة حسب مصالحها في المنطقة .
ودولتين إيران وتركيا ونظراً إلى تركيزهم على منطلقاتهم ( التأريخية ) وأعطاء اولوية لهذه المنطلقات والطرفين تحت العنوان الإسلامي ! أدت إلى تشرذم الإسلام السياسي ‘ لأن قيادة الدولتين تركز على السيطرة ‘ متشابهة بسيطرةالاستعمار والتوسع الأقليمي بأسم الدين واعطاء الأولوية للطائفية وليس لرسالة الإسلام الحقيقي كحاضنة لكل المذاهب والتوجهات الحضارية البناءة تقنع العالم بالتعايش معها لضمان الإستقرار الدولي .
ففي حين ركزت ايران الثورة على بناء القوة دون التوجه لاقناع الإخرين بأن هذه القوة لاتكتمل دون تعاون أقليمي ‘ مما أعطى إنطباع للاخرين في المنطقة (ذات علاقات ستراتيجية مع الغرب !) أنها تتصرف بهدف إنتعاش القومي وتقاسم مع الأقوياء في المنطقة ‘ وكان الغرب بالمرصاد لتغذية هذا الإنطباع لدى حكام المنطقة ‘ وبالمقابل ركزت تركيا التنمية والعدالة على تصدير تجربتها وتغذية الحلم عودة السلطنة معتمداً ومغروراً ‘ تماماً كالإيرانين ‘ تاركاً الواقع التركي الداخلي (23,6 مليون من الترك هم من الفقراء والمحتاجين والمشكلة الكردية التي حصدت اعداد كبيرة من الارواح ) .
أن الطيبين و الذين (على نياتهم !) كما نحن نقول في العراق عندما يرون هذه الحقائق يتساءلون : لماذا لايجتمع العقلاء من هذه المنطقة (كما يفعل أهل جنوب شرق اسيا مثلاً) وهم يعرفون أن مايحدث في تركيا يؤكد أن المسالة أبعد من كونها مسالة حديقة ‘ وأن ما يحدث من الحصار للايرانين أبعد من أن دولة تمارس حقها المشروع في إمتلاك تكنلوجيا ‘ أن المسالة هي إستمرار تشرذم وإضعاف شعوب المنطقة لانهم حاملين الرسالة تحتوي الفكر و الحضارة لتكونوا هم وما يملكون (في الجيب !) كما يقول أيضاً العراقيون !