يتناول هذا المقال موضوع الاحتجاجات في العراق ولكن من زاوية العنف البنيوي ، وهو الجانب البنيوي او المؤسساتي المنظم للعنف حيث ركزت الدراسات التقليدية في تحليلها للعنف على الجانب المباشر للعنف وهو العنف الشخصي الظاهر في حين لم يتم تركيز على الوجه الاخر للعنف وهو العنف الخفي الذي يتميز بعدم وضوح الجهات الكامنة خلفه واثاره لاتكون ظاهرة ما يجعل منه العنف الاكثر خطورة والذي يحتاج الى بحث معمق في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والسيكولوجية للبنية الدولة المؤسساتية من اجل الكشف عنه وتحديد الجهات التي تقف خلفة.
حيث يعد العنف البنيوي من اشكال العنف الخفية التي تمارس بواسطة مؤسسات توزيع السلطة والثروة في الدولة بالشكل الذي يخل بأسس العدالة والمساواة حيث تعمد هياكل وبنى الدولة على تبني قوانين ونظم تساهم في تفضيل جزء من شرائح وطبقات المجتمع على حساب الاخرين من المواطنين ما يخلق تفاوت طبقي يتمتع فيه البعض بالثروة والسلطة في حين يحرم الباقين منه، والامر الخطير في الموضوع بان تلك الممارسات تتم وفقا للقانون وتمارس بواسطة مؤسسات الدولة الرسمية للدولة ،ويكون هذا العنف في كثير من الاحيان مغلف باقنعة مختلفة سياسية واجتماعية وثقافية ودينية تحاول ان تضفي عليه الشرعية ليكون عنف مبرر، وهذا النوع من العنف بالمقارنة مع الانواع الاخرى من العنف التي تكون ظاهرة وواضحة للعيان، عنف مقبول في حين يكون العنف المباشر عنف مدان وغير مبرر من الناحية القانونية والاخلاقية، وهنا تكمن الخطورة في رفض الاول والقبول بالاخر مغلفاً بسرديات ايديولوجية سياسية ودينية تبرر وتحمي وجوده ما يجعلها ممارسات تفضي على نفسها الشرعية ويصبح المعارض لها معارض لشرعية القانون ويخضع لعقوبته، وهذا الشكل من العنف نجده واضح في ممارسات هياكل ومؤسسات الدولة في العراق حيث نجد هنالك توزيع غير عادل للثروة والسلطة في البلاد حيث يملك البعض الثروات والسلطة في حين يحرم الاخرين منها، فالكثير من القوانين تمنح امتيازات ماليه وغير ماليه للبعض من شرائح المجتمع على حساب الاخرين ولاتقدم مؤسسات الدولة الخدمات المطلوبة منها بسبب انتشار الفساد بمختلف اشكاله، وعند البحث في السياسات العامة للدولة في العراق سوف نجد العنف البنيوي واضحا في الكثير منها حيث اسهمت السياسات البنيوية والمؤسساتية في العراق في التوزيع غير العادل للثروة ما ادى الى الخلل بالمساواة والعدالة الاجتماعية حيث زداد التفاوت الطبقي في المجتمع بين قلة مكنتها السلطة من الاستحواذ على النصيب الاوفر من ثروات البلاد في المقابل زيادة عدد المهمشين والفقراء في البلاد ولم يعد الكثير من ابناء المجتمع قادر على الحصول على ابسط مستلومات الحياة حتى بلغت نسبة من هم تحت خط الفقر اكثر من 20% من السكان ووجد الكثير من ابناء المجتمع وبالاخص من جيل الشباب بان فساد السلطة الاداري والمالي قد حال دون امكانية حصولهم على حصتهم من ثروة البلاد وجعل افق الحياة امامهم مغلق حيث تم حصر وظائف القطاع العام بيد القوى السياسية الحاكمة في البلاد واصبح الفساد هو الية الوحيدة للوصول الى السلطة والثروة في البلاد ما خلق حالة من هتسيريا فقدان الامل في الحياة لدى هذا الجيل الجديد الذي لم يجد امامه الا التظاهر وممارسات اشد انواع الاحتجاج حتى اتخذ في بعض الاحيان الشكل العنيف والذي نتج عنه سقوط العديد من الضحايا من المتظاهرين الذي كانوا على استعداد لتضحية بالنفس من اجل مواجهة ذلك العنف الخفي والكامن في بنية الدولة والذي شعر الكثير من الشباب المحتج بان تغييره يحتاج الى تضحيات كبير تصبح فيها التضحية بالنفس والموت في التظاهرات الاحتجاجية حل لمواجهة ذلك العنف الخفي الكامن في البنية المؤسساتية للدولة.