خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
يشهد الشرق الأوسط كثيرًا من الأحداث والمتغيرات التي ستكون لها تداعيات إستراتيجية على شعوب المنطقة في المستقبل القريب. وتحاول “تركيا إردوغان” الاستفادة من الظرف التاريخي؛ لذا قامت بغزو عسكري للمناطق الشمالية في “سوريا” لتحقيق الحلم الذي يرواد الرئيس التركي في استعادة أمجاد “الإمبراطورية العثمانية”، بحسب مقال المحلل الإسرائيلي، “إيال زيسر”، الذي نُشر في صحيفة (إسرائيل اليوم) العبرية.
أنقرة وموسكو.. عداء قديم !
يقول “زيسر”: مثلما نشاهد في بعض الأفلام والمسلسلات التليفزيونية – مثل مسلسل (كاترين العظمى)، الذي عُرض مؤخرًا على الشاشات في “إسرائيل” – يوجه الروس ضربات قوية وعديدة للأتراك، باعتبارهم الأعداء التاريخيين لـ”الإمبراطورية الروسية”.
ويمكن القول إن “إردوغان”، الذي يتطلع لاستعادة أمجاد “الإمبراطورية العثمانية”، لم يسامح الروس ولم ينسى ما إقترفوه ضد الأتراك في الماضي، ولكنه لم ينسى أيضًا تورط الروس في الحرب الأهلية السورية لإنقاذ عدوه اللدود، “بشار الأسد”.
“إردوغان” يمارس القوة مع الضعفاء !
لكن “إردوغان” ليس سلطانًا عثمانيًا، كما يظن أحيانًا، وكذلك فإن “تركيا” ليست بالقوة والبأس الذي يتخيله. ولهذا يلعب “إردوغان” دور القوي الماكر في مواجهة الضعفاء فقط، ولا سيما الأكراد، وهو يفعل ذلك إلى حد ما أيضًا في مواجهة “الولايات المتحدة الأميركية”، لكن عندما يتعلق الأمر بالروس فإن “إردوغان” ينحني أمام القوة.
تبدد حلم “إردوغان”..
يضيف “زيسر”؛ أن الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، يراوده حلم وأراد تحقيقه عندما اندلعت أحداث “الربيع العربي”، منذ ما يقرب من عشر سنوات. إذ كان يوهم نفسه بأنه الحاكم والسلطان لكل منطقة الشرق الأوسط.
ولقد سقطت “تونس” وتلتها “مصر” في أيدي “جماعة الإخوان المسلمين”، وهي الجماعة الشقيقة للحزب الذي يتزعمه “إردوغان”. وفي “سوريا” أيضًا، كانت الحركات الإسلامية المدعومة من “تركيا” تأمل في الإطاحة بنظام حُكم “بشار”. إلا أن الأماني شيء والواقع شيء آخر، فقد إنهار الحلم التركي، وبات الرئيس “إردوغان” عدوًا لغالبية دول المنطقة.
تراجُع شعبيته في الداخل..
كما تراجعت شعبية “إردوغان” داخل “تركيا” أيضًا؛ بعدما تراجعت مكانته إلى أدنى مستوياتها. وبعد ما يقرب من عقدين قضاهما في السلطة دون منازع، تراجع الدعم الشعبي للرئيس “إردوغان”، ويرجع السبب الرئيس في ذلك إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها “تركيا”، لدرجة أن هناك سياسيين من داخل حزبه يعارضون سياسته.
أضر بالعلاقات مع واشنطن !
يُضاف الآن إلى قائمة أزمات “إردوغان” أزمة أخرى تتمثل في تدهور علاقات “تركيا” مع “الولايات المتحدة”. وما أدى إلى تفاقم تلك الأزمة هو قرار الرئيس التركي بإدارة ظهره لأعضاء حلف (الناتو) وإصراره على شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية المتطورة من طراز (400-S).
ولم يكتف “إردوغان” بذلك، بل إنه زاد الطين بلة عندما قام بالغزو العسكري للأراضي السورية وشن هجومه ضد الأكراد، الذين كانوا حلفاء لـ”واشنطن”، في السابق قبل أن تخنهم الإدارة الأميركية وتتخلى عنهم.
وردًا على تلك التصرفات التركية، فرضت “واشنطن” سلسلة من العقوبات الاقتصادية على “أنقرة”. أضف إلى ذلك أن “مجلس النواب” الأميركي قرر، الأسبوع الماضي، الإعتراف بالإبادة الجماعية التي إرتكبتها “تركيا” ضد الأرمن في أواخر العهد العثماني.
ولكن يبدو أن خطورة الأزمة القائمة بين “واشنطن” و”أنقرة” تكمن في أن كثيرًا من المسؤولين الأميركيين بات من الصعب عليهم الاستمرار في التعاطف مع “تركيا”، حليفتهم القديمة. إذ أن تحول “تركيا” نحو التطرف الإسلامي، وإنحدار نظام الحكم فيها نحو الديكتاتورية والعداء المتزايد للغرب و”الولايات المتحدة”، قد تسبب في تعميق الهوة بين البلدين.
الولايات المتحدة لا تزال الأقوى..
كما كان لـ”واشنطن” دور في تفاقم أزمة العلاقات مع “أنقرة”، لأنها نسيت كيف تتعامل كدولة عظمى مع دول وحُكام الشرق الأوسط، فكانت ترد على إهانات “إردوغان” بإدارة خدها الآخر، ولم تحصد من ذلك إلا المزيد من الإهانة والإزدراء.
ورغم ذلك، فلا تزال “الولايات المتحدة” دولة عظمى، وهي أكثر شأنًا وأشد قوة من “روسيا”. ولا تزال “أنقرة” في حاجة ماسة إلى “واشنطن” وإلى الغرب، الذي يُعد هو مفتاح الاستقرار للاقتصاد التركي. وهذا ما يفهمه جيدًا الرئيس، “دونالد ترامب”، الذي يقوم أحيانًا بإهانة الرئيس، “إردوغان”، ويقص أجنحته، وعلى ذلك يستحق التحية والثناء.
يعاني من الفشل والإحباط !
في الوقت الحالي، يجني “إردوغان” الفشل بعد الفشل بسبب سياسته الخارجية. فقد تدهورت علاقته مع “واشنطن”، وزاد إعتماده على “روسيا”. ولا أحد في العالم العربي يريد أن يتقرب إليه أو يتعاون معه.
كما أن قيامه بغزو الأراضي السورية سوف ينتهي بالفشل والإحباط. وربما يكون “إردوغان” قد تمكن من توجيه ضربة قاسية للأكراد، لكنه في الوقت نفسه دفعهم إلى أحضان “بشار الأسد”، وهو لا يقل عن الأكراد عداوة للرئيس التركي.
في الختام؛ يرى المحلل الإسرائيلي أن السياسة الخارجية التي ينتهجها “إردوغان” جعلت “تركيا” دولة بلا أصدقاء، جراء نزواته الشخصية وما يعتريه من جنون العظمة. وربما سيكتشف “إردوغان” قريبًا أن أيام السلطان على كرسي حكمه محدودة.