العجيب والغريب أن رجال الساسة العراقيين الجدد والمسؤولين على اختلاف مواقعهم لم يضعوا في حسبانهم انتفاضة الشعب التي قد تطيح بعروشهم وبأحلامهم الوردية . والطامة الكبرى أنهم يعرفون جيدا أن الدستور العراقي الذي تمت كتابته بأيديهم يسمح بالتظاهرات السلمية ويكفلها ولا يضع العراقيل أمام صوت الشعب . ولكنهم لم يتصورا أن صوت الشعب يمكن أن يتحول الى قنبلة ذرية هائلة تبيد وجودهم وتقلعهم من جذورهم . وهذا الأمر دليل واضح على عدم مبالاتهم بالوضع المتدني الذي يتجه من سيء الى أسوء وعدم اكتراثهم بغضب ونقمة العراقيين . على امتداد السنوات المتعاقبة منذ عام 2003 ولغاية الأول من تشرين الأول من عام 2019 أي بحدود ستة عشر عاما لم يجد العراقيون آفاق مشرقة لاستيعاب أحلامهم وطموحاتهم ، بل أن عناترة السياسة الفاشلة والذئاب المنتشرة في المنطقة الخضراء وضعوا لأنفسهم امتيازات كبيرة جدا على حساب حقوق الشعب العراقي ، وبهذه الامتيازات صنعوا حاجزا عاليا متينا بينهم وبين أبناء الشعب ظنا منهم أن هذا الحاجز سيحميهم ويضمن لهم البقاء الدائم ، وهذا خلاف المنطق وخلاف معادلات العقل والحكمة . كان الأجدر بهم أن ينظروا الى الشعب بعين المسؤولية وأن يضعوا في حساباتهم أن لكل فعل رد فعل معاكس ، وأن رد فعل المظلوم المستضعف ( ان أتيحت له الفرصة ) يكون أقوى بأضعاف مضاعفة من تجاهلهم لحقوقه المنهوبة ولكرامته المهدورة . ان المسؤولية واجب وطني وأخلاقي وديني وليست متعة يتمتع بها الذين يسعون اليها سعي الوحوش الكاسرة في عالم الغاب . والذي يقبل بالمسؤولية عليه أن يصون الأمانة ويحافظ على نزاهة التصرف ، لا أن يجعلها فرصة سانحة لتحقيق مصالحه الشخصية ومصالح من يحيطون به من المتملقين والمنافقين وأصحاب الوجوه الملونة . ربما بعض المسؤولين الكبار يحملون في دواخلهم نوايا طيبة تجاه الشعب والمواطنين ، ولكن المحيطين بهم من مستشارين وغيرهم ( وهم في الغاب جهلاء وغير أكفاء ) يسحبون البوصلة الى اتجاه آخر بعيدا عن نوايا المسؤول الشريف وعن مساره الوطني . والدليل على هذا الأمر أن حلقات التواصل بين المواطنين والمسؤول تكاد أن تكون مفقودة لأن المكلفين بإيصال الشكاوى وهموم المواطنين الى المسؤول يحاولون تجاهلها أو اخفاءها بشتى الطرق . حين نطلع على صفحات كبار المسؤولين وصغارهم نجدها مليئة بأرقام الهواتف والبريد الالكتروني وما شابه ، ولكنها يبدو مجرد وهم في وهم من دون اية استجابة لأية شكوى تصلهم . وهذا الأمر يجعل الفجوة بين المسؤولين والمواطنين تتسع وتكبر كثيرا . وحين تتسع الفجوة تتزعزع ثقة المواطن بالمسؤول ، ويصبح جاهزا للغضب والنقمة وتفريغ كل معاناته من دون وعي . خلاصة القول أن الوضع العراقي الحالي الساخن وما وصل اليه البلد نتيجة حتمية لعدم مبالاة المسؤولين بهموم الشعب العراقي وانشغالهم بشؤونهم الشخصية ومصالحهم النفعية ، وأن الأزمة الحالية وما سيحدث لاحقا يتحمل نتائجها وعواقبها جميع المسؤولين دون استثناء .