17 نوفمبر، 2024 9:48 م
Search
Close this search box.

عراق اليوم.. والدعوة الى نظام رئاسي

عراق اليوم.. والدعوة الى نظام رئاسي

تتصاعد الدعوات لإقامة (النظام الرئاسي).. لحل لما يعانيه العراق منذ 16سنة.. من فوضى وغياب القانون.. والفساد الذي استشرى كل مؤسسات العراق.. سواء من جماهير الشعب أو المتظاهرون.
كما راح بعض السياسيين يروج لفكرة العودة الى النظام الرئاسي، عن طريق حل البرلمان والتخلص من النظام البرلماني نهائيا، وإجراء استفتاء شعبي ، يصوت من خلاله الشعب على اختيار رئيس جمهورية ، يكون هو حامي البلاد وله الكلمة العليا في تدبير أمور البلد وقيادة مرحلته الجديدة، تحت إطار النظام الرئاسي!!

العملية السياسية في العراق:
ـ الديمقراطية التي جاء بها الأمريكان للعراق لم تكن مقبولة من غالبية العراقيين.. وبعبارة أدق من عراقيي الداخل.. وهم غالبية الشعب.. خاصة إن القوات الأمريكية منذ احتلالها العراق تركت مؤسساته الحيوية ومعسكرات الجيش وسلاحه تماماً.. وركزت وجودها في وزارة النفط والبنك المركزي فقط.
ـ وبالتالي جرى تدمير للبنى التحتية للبلاد.. وسُرقً كل شيء بدعم وتشجيع القوات الأمريكية والمتحالفة معها.. وما تبع ذلك أيضاً من فتح حدود العراق على مصراعيها.. ودخول تنظيم القاعدة الإرهابي الى العراق.. والبدء بعملياتها الإرهابية.
ـ أقامت أمريكا (العملية السياسية العرجاء في العراق).. وأشرفت بشكل مباشر على كتابة الدستور.. ليكتب بشكل مبهم.. ووضع قنابل موقوتة في العديد من فقراته.. وخلق الفيدرالية غير المتوازية.. ونظام نيابي لا يشبهه أي نظام نيابي آخر في العالم.
ـ إقامة دولة المكونات بدل دولة المواطنة.. كل ذلك قامت به أمريكا عن دراية وسبق إصرار.. ليكون العراق ضعيفاً تسوده القلاقل والفوضى.. وتكون أمريكا هي سيد الموقف وحلال مشاكل العراق.. لهذا بقوا في العراق.
ـ كما إن الفيدرالية ليست نظاماً معيباً.. وليس نظاماً لم يعمل به.. لكن النظام الفيدرالي في العراق منح فيدرالية إقليم كردستان.. قوة دستورية تكون هي بالند للعراق الاتحادي.. بل وأقوى من ذلك.. فإذا حدث اختلاف بين دستور الدولة ودستور كردستان.. فدستور كردستان هو الذي يطبق.. عندما حصر الدستور الفيدرالي العراقي أعمال الدولة الاتحادية.. وأطلق صلاحيات الإقليم.. وزاد من ذلك إن هذه الحالة لكردستان فقط.. وليس لأي إقليم جديد يقام في البلاد.
ـ وجاء الحكام العراقيون الجدد ليدخلوا في مستنقع الدستور.. والكل لا يستطيع حل شيء وستستمر الحالة.. وأي تغيير جذري يعني انفصال كردستان.. ومن ثم تعم الفوضى كل العراق.. وهذه هي (الفوضى الخلاقة) التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.. وقبلها حكام العراق الجدد بفرح غامر.

الديمقراطية.. والدستور العراقي:
أخذ الدستور العراقي لعام 2006 الحالي النافذ.. بالنظام الديمقراطي النيابي.. لكنه لم يقيد عدد ولايات رئيس الوزراء.. ويبدو إن المشرعين اعتقدوا انه يمكن تعديل هذه الفقرة إذا وجد إنها تتطلب تقيدها بدورتين أو أكثر.. لكن الاشتراطات التي وضعت في تعديل الدستور شديدة.. وقد يستحيل تعديل الدستور العراقي.. وهي مشكلة كبيرة ومعقدة.
ـ وكان يمكن أن لا تشكل مشكلة في حال استطاع رؤساء وزارات العراق السابقون: علاوي.. والجعفري.. والمالكي.. والآخرين.. جعل سياستهم ونشاطاتهم تنسجم مع الدستور تماماً.. والإيفاء بالتزاماتهم وبتعهداتهم واتفاقاتهم مع الشركاء.. لكن مسيرة هؤلاء الرؤساء أثبتت عدم التزامهم بأي اتفاق أو تعهد.. أمثلة على ذلك في عهد نوري المالكي: عدم التزامه: ب (اتفاقيتي اربيل الأولى والثانية.. وعدم تعين وزير دفاع ووزير داخلية.. وعدم تشكيل المجلس الأعلى للاستراتيجيات التي تم الاتفاق ليكون أياد علاوي رئيساً له.. ومشكلة رواتب البيشمركة.. وعدم حل مشكلة الاعتصام في الأنبار في بدايته ليتوسع ويتحول بيد الجماعات الإرهابية ………….. والقائمة تطول …………..
ـ مارس رئيس الوزراء الأسبق(المالكي) مع كتل التحالف الوطني نفس سياسة الإقصاء والتهميش.. وترك المشكلات الخطيرة وعدم حلها مثل: البطالة.. الإسكان.. الفقر.. تركات النظام السابق.. خاصة الإهمال الكبير في المحافظات الجنوبية.. والفساد والتزوير.. والقائمة تطول أيضاً.. وطبيعياً إن اخطر ما في سياسة المالكي هي: سياسة تخوين المقابل.. وهي أخطر وأسوء سياسة.. ولا تحل المشكلات بل تعقدها.. وهكذا بدأت المطالبات والدعوات من جميع الكتل السياسية بعدم تجديد ولاية المالكي لرئاسة الوزراء.. وحيث انه لا يمكن تعديل الدستور وتقيدها دستوريا.. كان الفيصل بذلك هي الانتخابات النيابية العامة التي فازت بها دولة القانون مرة ثالثة.
على الرغم من كل الملاحظات التي قيلت بشان الدعاية الانتخابية والتجاوزات وشراء الأصوات وغيرها من طعون اتهمت دولة القانون بممارستها.

التغييرات التي فرضها الواقع:
إن رفض كل الكتل السياسية الكبرى الولاية الثالثة للمالكي أدت الى اختيار حيدر ألعبادي القيادي في حزب الدعوة الإسلامية والكادر في كتلة دولة القانون رئيساً للوزراء وفق اتفاق سياسي يشكل قنبلة موقوتة.
تلك العملية التي سميت “أمر دبر بليل”.. ولم يقبل بالأمر المالكي إلا بعد أن حصل على منصب نائب رئيس الجمهورية.. والأنكى من ذلك عين رؤوساء ثلاثة الكتل الكبرى نوابا لرئيس الجمهورية.. وثلاثة آخرين نوابا لرئيس الوزراء.. وهو أمر غير مقبول بكل الأنظمة.. إضافة الى الاستنزاف الكبير في موازنة الدولة!!
المهم.. فرض الواقع إجراء إصلاحات كبيرة (سياسية واقتصادية ومحاربة داعش).. وإعلان ألعبادي خطة إصلاح بدأت بتعديل وزاري ومكافحة الفاسد.. وحصل ألعبادي على تفويض المرجعية الدينية في النجف.. والشعب.. ومجلس النواب.
لكن ألعبادي أخفق تماماً في إجراء أي تغيير شاملة.. بل أصبحت الكتل السياسية أكبر منه.
مثلما تم الاتفاق بين الكتلتين الكبيرتين على عادل عبد المهدي.. الذي ظل مقيدا بأوامر تلك الكتلتين.. وظل يمارس عبد المهدي والمجلس النيابي ذات الحالة.. بل أسوأ منها بتنسيق كامل بين الرئاسات الثلاثة.. وكتلهم السياسية الفاسدة.
مما تقدم: فان العملية السياسية الحالية في العراق لا تشكل نظاماً نيابياً حراً.. بل نظاماً مشوهاً.. فهو لا يقيم الديمقراطية الحقيقية أولاً لأنه:
ـ لم يقم على أساس نظام المواطنة.. بل على أساس المكونات.
ـ وجود ميليشيات لكل الكتل السياسية.. فهو ليس نظاماً مدنياً أولاً.
ـ نظاماً قائماً على القوة العسكرية لهذه الكتل.
ـ لم يستطع.. ولن يستطع تحقيق أهداف الديمقراطية النيابية.. وهي:
1ـ تحقيق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة.
2ـ تحقيق الأمن الشخصي والاجتماعي والاقتصادي.
3ـ ترسيخ قيم الصدق والأمانة والتعايش السلمي.
4ـ مشاركة الشعب في اتخاذ القرار.
5ـ احترام المال العام والمحافظة عليه.
6ـ احترام حقوق الإنسان والمحافظة عليها.
7ـ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
وبعد تفجر الأوضاع العراق اليوم.. وتزايد النقمة الشعبية في التظاهرات الأخيرة.. راح بعض السياسيين يروج لفكرة العودة الى النظام الرئاسي.. عن طريق حل البرلمان والتخلص من النظام البرلماني نهائيا.. وإجراء استفتاء شعبي.. يصوت من خلاله الشعب على اختيار رئيس جمهورية.. يكون هو حامي البلاد وله الكلمة العليا في تدبير أمور البلد وقيادة مرحلته الجديدة.. تحت إطار النظام الرئاسي!!
مثلما أخذت الجماهير المنتفضة الدعوة لنظام رئاسي دون معرفة الكثير لمساوئ هذا النظام.

النظام الرئاسي:
لو كان العراق بلدا مستقراً.. ويكون مواطنيه من طيف ديني وقومي وسياسي موحد لأمكن تطبيق (النظام الرئاسي).. إن توفرت وحدة وطنية وتوافق شعبي متماثل الرؤى والتوجهات.. لكن المصيبة إنهم قسموا العراق الى طوائف مذهبية مثل (الأغلبية الشيعية) و(الأقلية السنية) و(الأقلية القومية الكردية) وأقليات أخرى مثل: التركمان والمسيحيين والصابئة والشبك وتسميات أخرى ما انزل الله بها من سلطان.
إن انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب خطوة جيدة وصحيحة.. لكن في لا ظل أوضاعنا يتحول هذه الرئيس الى دكتاتور.. والأمثلة كثيرة.
إن المطلوب نظام مختلط كالنظام الفرنسي يجمع بين النظام البرلماني والرئاسي.. ولن يستطيع الرئيس الانقلاب على الدستور ويصبح دكتاتوراً.

أحدث المقالات