خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة توقعها العديد من المراقبين للشأن السوري وتطورات ما يحدث على أرض الواقع، دعت “وزارة الدفاع” السورية، مقاتلي “قوات سوريا الديمقراطية”، إلى الإنخراط في الجيش النظامي لمواجهة “العدوان التركي”.
وأصدرت “وزارة الدفاع” السورية، أمس الأول، بيانًا أعلنت فيه أن: “القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة؛ وبعد بسط سيطرتها على مناطق واسعة من الجزيرة السورية، تدعو عناصر المجموعات المسماة بـ (قسد) إلى الإنخراط في وحدات الجيش للتصدي للعدوان التركي الذي يهدد الأراضي السورية”.
وقالت الوزارة إن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة “مستعدة لاستقبال العناصر والوحدات الراغبين بالإنضمام إليها من هذه المجموعات وتسوية أوضاع المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والإحتياطية والمطلوبين أمنيًا”.
وأضافت الوزارة: “نواجه عدوًا واحدًا؛ ويجب أن نبذل مع أبناء سوريا الموحدة، من عرب وأكراد، دماءنا لاسترداد كل شبر من أراضي سوريا الحبيبة”.
كما أعلنت “وزارة الداخلية” السورية، في بيان، استعدادها لاستقبال “كل من يرغب بالإلتحاق بوحدات قوى الأمن الداخلي من المجموعات المسماة بـ (الأسايش)”.
وشددت “الداخلية” على جاهزيتها لتقديم كافة الخدمات المتعلقة بشؤون الأحوال المدنية لجميع أهالي منطقة “الجزيرة” السورية، الذين منعتهم ظروفهم الصعبة من الحصول عليها.
رفض ضمن من قِبل “قسد” لدعوة دمشق..
فيما تحفظت “قوات سوريا الديمقراطية” على دعوة “دمشق” للإنخراط في صفوف الجيش السوري النظامي لصد “العدوان التركي”، مشددة على وجوب التوصل أولًا لتسوية سياسية تحافظ على خصوصية (قسد) وهيكليتها.
وفي بيان؛ أوضحت (قسد) رفضها الضمني لدعوة “دمشق”، بالقول: “نؤكد أن أفراد قوات سوريا الديمقراطية هم عسكريون بإنضباط وتنظيم عسكري ذي هيكل مؤسساتي، ونرفض قطعًا لغة الخطاب هذه الموجهة للأفراد؛ بينما كان الأولى بوزارة الدفاع السورية أن توجه خطابها للقيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية بغية فتح باب حوار ينم عن رغبة صادقة لتوحيد الجهود وليس الإلتفاف على الواقع للتنصل من مسؤولياتها”.
وشددت (قسد) على أن أفرادها الذين “حاربوا (داعش) ودمروا خلافته المزعومة دفاعًا عن سوريا والعالم أجمع” إنهم “أبطال يستحقون الثناء والتكريم وليس تسوية أوضاع ومراسيم عفو؛ مثل تلك التي تصدر بحق المجرمين والإرهابيين”.
وعبرت (قسد) عن تقديرها لكل ما من شأنه “توحيد الجهود للدفاع عن سوريا وصد العدوان التركي عن بلادنا و شعبنا”، مؤكدًة أن موقفها كان واضحًا منذ البداية ومفاده أن “وحدة الصفوف يجب أن تنطلق من تسوية سياسية تعترف وتحافظ على خصوصية (قسد) وهيكليتها وإيجاد آلية سليمة لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية تكون إطارًا جامعًا لتوحيد الجهود”.
مخاطبة الأفراد هي سبب الرفض..
وعن الأسباب التي دفعت بـ”قوات سوريا الديمقراطية” للرفض؛ يقول الناطق الرسمي باسم القوات، “مصطفى بالي”: “(قسد) دعت إلى تغيير اللهجة فقط، فوزارة الدفاع السورية تخاطب أفرادًا، وتساوي بين (قسد) وبين فصائل عرفت بأنها فصائل إرهابية إرتكبت مجازر وجرائم في سوريا”.
ويكمل: نحن قوات دافعنا عن “سوريا” ودافعنا عن مناطقها ووحدتها، وقضينا على تنظيم (داعش) الإرهابي، ونعتقد أننا جهة مؤسساتية ويجب أن تحل هذه القضية حل سياسي وفق توافق سياسي؛ وليس موضوع إصدار عفو عام أو ترتيب أوضاع.
التعاون مع الجيش السوري مستمر..
وأوضح أن موضوع التعاون مع الجيش السوري منفصل عن البيان، فالتعاون مستمر مع الجيش حاليًا، “ونتمنى أن لا يتوقف بما يؤدي إلى حماية الحدود السورية، أما المشاكل العالقة فهذا مسار آخر، نتمنى من الحكومة السورية التعاطي بعقلانية يما يؤدي إلى حل سياسي”.
الحفاظ على هيكلية “قسد”..
وعما إذا كانت الحكومة السورية ستوافق على الحفاظ على هيكلية “قوات سوريا الديمقراطية”، وهو ما تُصر عليه (قسد)، يرى المتحدث الرسمي باسم القوات، بأنه مسار طويل ولا يُحل ببيان أو إثنين، ويتابع: “هناك وجهتي نظر للحكومة السورية ولقوات سوريا الديمقراطية، وهناك ضامن روسي يشرف على الحوار، ونتمنى من الجانب الروسي أن يلعب دور فعال للوصول إلى وجهة نظر مشتركة”.
ويستطرد: ويستمر التفاوض في هذا الإطار، فالقضايا الأساسية ليست فيها أمور قطعية أو نهائية، ونحن نعتقد أن الحوار كفيل بحل جميع القضايا العالقة.
“نبع السلام”..
وتأتي هذه الدعوة في الوقت الذي تخوض فيه الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية” مفاوضات، جرت بعضها بوساطة من “روسيا”، حول سُبل تسوية الأوضاع شمال شرق البلاد.
وأطلقت “تركيا”، يوم 9 تشرين أول/أكتوبر الماضي، عملية “نبع السلام” العسكرية في المنطقة ضد عناصر “وحدات حماية الشعب” الكُردية، التي تنشط ضمن تحالف “قوات سوريا الديمقراطية” وتشكل مؤسسة عسكرية لـ”الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، التابعة للأكراد، وغير المعترف بها دوليًا.
واعتبرت “دمشق”، العملية التركية، وهي الثالثة من نوعها منذ 2016، إنتهاكًا صارخًا لسيادة “سوريا”، ونشرت قوات من الجيش السوري في الأراضي القريبة من ساحات القتال بمحافظتي “حلب” و”الرقة”، والتي انسحب منها المقاتلون الأكراد، لتنتشر لاحقًا في المدن والبلدات المحاذية لمنطقة سيطرة الجيش التركي بموجب مذكرة تفاهم توصل إليها الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، ونظيره التركي، “رجب طيب إردوغان”، في “سوتشي”، يوم 22 تشرين أول/أكتوبر الماضي، وذلك وسط أنباء عن اشتباكات عنيفة بين الجانبين.
يجب الاتفاق بشروط وأوراق مكتوبة..
وفي تعليق حول أسباب عدم قبول (قسد) الإنضمام إلى “قوات الجيش السوري”، يقول المحلل السياسي السوري الكُردي، “حسن إسماعيل”، أن: “النداء الذي دعت به الدولة السورية، قوات سوريا الديمقراطية، ومجلس سوريا الديمقراطية؛ إلى الإنخراط في الجيش العربي السوري والعمل ضمن منظومة القوات السورية؛ يُعتبر نداءً جيدًا، لكن الحالة والظروف، دون أية تسوية سياسية أو أي اتفاق سياسي مع مجلس سورية الديمقراطية وقوات (قسد)، هذا يعني أن الدولة لن تفي بأي إلتزامات تجاهها”.
وأضاف “حسن إسماعيل”: “لاحظنا أن هناك اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والروس والدولة السورية لحماية الخط الحدودي، لكن الدولة لم تلتزم أو لم تكن قادرة على حماية المناطق الحدودية، اليوم نلاحظ أن مدينة تل تمر على مشارف رأس العين مجرد هجوم قوات موالية لتركيا انسحبت القوات السورية، ولم تتمكن من التصدي لهذا العدوان”.
وأشار إلى أن: “قوات سوريا الديمقراطية هي قوات منظَّمة وتمثل المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية من سوريا؛ ويجب أن تكون هناك اتفاقية تضمن حقوق المنطقة وخصوصيتهم لكي تتعامل مع الدولة السورية، لن يكونوا جنودًا تحت الطلب ولن يضحوا بأنفسهم دون أي فائدة تُذكر، قوات سوريا الديمقراطية ستقبل أية شراكة مع الدولة السورية والروس وفي صفوف الجيش السوري، لكن بضمانات ورقية مكتوبة وتضمن حمايتهم وحماية المنطقة، القوات لم ترفض الدعوى السورية، لكنها أمدت في بيانها أنها مستعدة للتعامل بشروط تضمن الحقوق وخصوصيتها فقط”.
متأثرون بوعود “ترامب” الجديدة..
من جانبه؛ يقول الخبير العسكري، اللواء “محمد عباس”، حول الأسباب الحقيقية لرفض (قسد) الإنضمام إلى قوات الجيش السوري: “يوجد في (قسد) من هو مواطن سوري كُردي، وهناك في (قسد) من لا ينتمي إلى سوريا، وعلى ما يبدو أن (قسد) قد تأثرت بوعود ترامب الجديدة، حيث وعدهم بعائدات حقول النفط والمنتجات النفطية، وبحل الأزمة المالية من أجل حماية سجون (داعش)، وإن ترامب يبحث عن جعبة جديدة للسيطرة على عقول هؤلاء الذين يعولون على دور أميركي في سوريا، وهذا يعني أن الأميركي يراهن على دور جديد لما يسمى بـ (قسد)، ويعتقد الأميركي أن تقديم 30 مليون دولار من عائدات النفط السوري شهريًا لـ (قسد)، يكفي لتصبح عناصر (قسد) أميركية وضد وطنها”.
دعوة طبيعية في ذلك التوقيت..
فيما يرى الخبير الإستراتيجي والباحث في مركز “دمشق” للأبحاث والدراسات، العميد “تركي الحسن”، بأن هذه الدعوة تأتي في سياق طبيعي، ويكمل: “ومنذ بدء الاتفاق والدولة السورية تصنف (قسد) بأنها مجموعات منحلة، أي أنها لم تُعد تمتلك سلطة الأرض الواقع التي كانت قائمة قبل دخول الجيش”.
مضيفًا أنه بالأساس تنظر الدولة إلى هذه الفصائل على أنها السبب فيما جرى في منطقة “شرق الفرات”، وهي التي أعطت المبرر للهواجس الأمنية والذريعة لـ”إردوغان” لأن يقوم بغزو شمال شرق “سوريا”.
ويوضح أنه من الطبيعي أن تقوم الدولة السورية بواجبها بالدفاع عن الوطن، وأن تدعو أبنائها في هذه المنطقة تحديدًا للدفاع عنه، خاصة أنها اشتبكت أكثر من مرة مع القوات التركية الغازية، وبنفس الوقت هؤلاء يطالبون الدولة بإصدار عفو عنهم للإلتحاق بالجيش.
ويعتقد أن الاتفاق بين الطرفين كان برعاية روسية، وقد جرى هذا الأمر من أجل حماية الحدود وتدخل الجيش السوري، وهم قد انسحبوا مسافة 32 كم، وبالأساس تركوا المنطقة ولم يدافعوا عنها.
ويتابع: هذه مهمة الجيش السوري؛ وعندها لا تكون هناك فصائل أخرى، والدولة تدعو هؤلاء للإنخراط في الجيش وأن يكونوا تحت أمرته في هذه المسألة، وهذا واجب على كل مواطن سوري، سواء كان في “الجزيرة” أو في المناطق الأخرى.
ستعتبر خارجة عن القانون..
ويرى “الحسن” بأن (قسد) ستكون خارجة عن القانون؛ إذا لم تنضم إلى الجيش السوري، ويبين: “بعد دخول الجيش السوري والقيام بواجبه، (قسد) سوف تتفكك من الداخل، والعشائر في (قسد) تطالب بعفو عام، وقد وجهت كتابًا إلى الرئيس، الأسد، من أجل إصدار العفو عنهم والإلتحاق بالجيش”.
ويضيف “الحسن”: بالتالي هذه أولى الخطوات، ومن حيث المبدأ لم تُعد (قسد) قائمة، وهي سلطة فوق القانون فرضتها الظروف، وآمل أن لا ننكأ الجراح مرة ثانية، وأن نعود إلى الجو الذي كان قبل دخول الجيش السوري.
ويختم قائلًا: (قسد) إما أن تتحول إلى قوى رديفة، وهو ما طلبته قيادة الجيش، أو أنها ستكون عبارة عن مليشيا خارجة عن القانون، وأعتقد أنها ستتفكك من الداخل، وسيقوم أبنائنا الكُرد، قبل العرب، بترك (قسد) والإنضمام إلى الجيش.