23 ديسمبر، 2024 6:51 م

تاريخنا في الميزان …. ماذا لو لم تحدث ” ثورة ” 14 تموز  1958

تاريخنا في الميزان …. ماذا لو لم تحدث ” ثورة ” 14 تموز  1958

 التاريخ لا يعود للوراء ، الا ان دراسته مهمة جدا ” فأقصص القصص لعلهم يتفكرّون “(الاعراف 176 )، فقص القصة لا يغني ان لم يتبع بتفكير …وغالبا مانتسائل لو لم تجري حوادث التاريخ وفق ماجرت عليه فكيف كان مآل الامور ؟ ” ثورة”  14 تموز أحدثت انقلابا هائلا في حياة العراق مازالت تداعياته جارية من 60 سنة الا نيّف وبما أن النتيجة تتبع المقدمات فكيف ياترى كان حال العراق اليوم لو لم تحدث تلك التراجيديا في صباح 14 تموز 1958 في بغداد ؟
“ثورة” 14 تموز قضت على الحكم الملكي المستمر منذ 37 سنة الذي نقل العراق من ولاية عثمانية متخلفة الى دولة حديثة مستقلة ذات سيادة ، وأسست لحكم جمهوري امتد حتى الان على اربع جمهوريات تباينت في أدائها وتطلعاتها وسياساتها .
   الجمهورية الاولى ( جمهورية عبد الكريم قاسم ) بدأت صباحها الاول بمجزرة ذبح فيها افراد العائلة المالكة بلا وجه حق … وبالرغم من الانجازات الكبيرة في حقول التعليم وتعزيز الدفاع الوطني والعمران والاصلاح الزراعي والصناعة فان اختلاف رجال الثورة فيما بينهم ادى الى انحدار البلد في لجة من الصراعات الدموية القومية والحزبية وفتحت السجون لتبتلع الالاف من القوميين والبعثيين والشيوعيين وغيرهم وترتكب المجازر في كركوك والموصل  ، ولم تحول شخصية عبد الكريم قاسم الوطنية والنزيهة والمتسامحة من تحوله الى رمز للدكتاتورية المعبودة وان يتحول العراق في حكمه الى برج بابل تسكنه مجموعات متصارعة لا تتفاهم بلغة واحدة … ثم كانت نهايته ونهاية الجمهورية الدموية على ايدي القوميين والبعثيين .
   الجمهورية الثانية ( جمهورية العارفين )… كانت امتدادا للصراعات التي شهدتها الجمهورية الاولى بين القوميين والشيوعيين وبين الاكراد والعرب ، وشهدت سلسلة من الانقلابات انعدم فيها الاستقرار الا في فترتها الاخيرة نسبيا ، لتنتهي هذه الجمهورية بانقلاب بعثي “ابيض ” (لاول مرة في تاريخ العراق القديم والحديث لم يحدث تغيير في الحكم دون ذبح الحاكم السابق ) .
   الجمهورية الثالثة ( جمهورية البعث ) …بدأت بيضاء لتنتهي حمراء قانية وهي الجمهورية الاطول عهدا … وشهدت في ثلثها الاول ازدهارا عمرانيا واقتصاديا كبيرا وتعزيز كبير لاسس الدولة داخليا وخارجيا … لكن الصراعات الداخلية ثم المغامرات والحروب الخارجية سرعان ماابتلعت كل هذه الانجازات ولينتهي العراق في نهايتها دولة مفلسة ( وهو البلد الذي كانت احتياطاته في سنة 1980 اكثر من 40 مليار $ ) ومحاصرة ومقّزمة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، وشعبا جائعا يجوب مواطنيه اصقاع الارض بحثا عن لقمة عيش او مستقبل اكثر انسانية .وانتهت الجمهورية الثالثة في 2003 باحتلال عسكري اميركي ارجع العراق الى سنة 1917 (  الاحتلال البريطاني ) وشطب اكثر من 80 سنة من الحكم الوطني وتدمير كل مؤسساته السيادية .
   الجمهورية الرابعة والحالية التي قامت بمساعدة الاحتلال وعلى انقاضه ، وهي جمهورية النكوص الى الوراء ، حيث تبخرت احلام العراقيين ، رغم فداحة الاحتلال ، بقيام نظام جديد يعيد لهم الكرامة والرفاهية ، لكن الاسلاميون من شتى الاتجاهات (الذين جاء بهم المحتل او من لحق بقافلته لاحقا ) سرعان ماخطفوا هذا الحلم ليحصدوا الثمرة جاهزة وليبنوا لنا ديمقراطية على مقاسات لحاهم وعمائمهم ودشاديشهم ومغاليق عقولهم ورجعية افكارهم ….ديمقراطية الكهوف المظلمة .
فهل بعد كل هذا من يجادل ان” ثورة” تموز كانت فاتحة خير وبركة للعراق ؟ هناك من يجادل ان الثورة حررت العراق من الهيمنة الاجنبية وسياسة الاحلاف الاستعمارية ، وان الثورة اممت وعالجت واصلحت وفتحت المدارس والمشافي وقامت بالاصلاح الزراعي وطورت الصناعة والقدرات العسكرية الوطنية …. الخ . نقول ان ماقامت به الثورة شيء عظيم ، واذا لم تقم بكل هذه المنجزات فلماذا قامت اصلا ؟ واذا لم تقم الثورة هل كان النظام الملكي قد توقف عن القيام بهذه المهام التي هي بالاساس مهام الدولة مهما كان شكلها ؟ومع ذلك نسأل .. وبعد كل هذه الانجازات … ماهي المحصلة؟ فالامور بخواتيمها … فقد تم تدمير معظم ماتم انجازه بسبب الحروب والصراعات والفساد … فدفعنا ثمنا مضاعفا من اموال الشعب ومن الوقت المهدور ومن الدماء الغزيرة التي سالت والعقد الاجتماعية والنفسية التي ضربتنا نتيجة تراكمات الماضي التي اوصلتنا الى ماهو عليه الحال الان … شعب مغيب الوعي يعيش في اوراق الماضي ويستخرج من صفحات التاريخ اسبابا للكراهية وقتل الاخر .
    الجمهوريات الاربع ، وعلى الرغم من اختلافاتها البينية ، الا انها كانت امتدادات لبعضها البعض ، والسمة المشتركة التي تربط بينها هي نرجسية الحاكم وديكتاتوريته المستمدة اما من الفرد او الحزب او الدين او الطائفة …فالانجاز الاكبر للثورة بحق هو صناعة الدكتاتور الذي اخذ العراقيون يتعاملون معه كانه قدر مفروض لا حياة بدونه ولو لم يوجد لاختلقوه … والدكتاتورية هي المؤسس لفساد الحكم … فما اعطت الثورة الشعب بيدها اليمين نهبته منه باليد اليسار بسبب الفساد الذي تمادى كالسرطان .
   يقولون الثورة طردت عملاء الاجنبي والاحلاف الاستعمارية من الباب … نقول فدخل ” الثورجية ” والنصابون من كل جنس وملة من كل الشبابيك والابواب . وبعد ان استطاع النظام الملكي بكل امكاناته المتواضعة من الحصول على الاستقلال …. عاد العراق بلدا محتلا احتلالا مباشرا او غير مباشر لا يمتلك من أمر نفسه الا القليل . حتى بات وزير الخارجية يصرح مؤخرا ان ليس للعراق القدرة للسيطرة على اجوائه واراضيه تجاه عبور الاسلحة والافراد المتوجهين الى بلد مجاور ( اي انه يفتقد السيادة على اراضيه واجوائه ) .
    في الزمن الملكي لم يكن الملك الا شخصا عاديا بامتيازات عادية جدا سياسيا وماليا واعتباريا ، والوزارات تشكل وتحل حسب قواعد اللعبة البرلمانية . وعلى الرغم من الفساد السياسي الذي جعل البعض يحتكر تاليف الوزارات اكثر من مرة ، الا ان كل شيء كان يجري وفق قواعد اللعبة التي لم يخرج عنها احد ، والتداول السلمي للسلطة هو السمة المهيمنة ، ناهيك عن النزاهة الشخصية لرجال الحكم والملك والولاء الوطني لكل منهم الذي لم يكن محل شك والدليل ان العراق وعلى تواضع امكاناته استطاع ان يحتل مكانا مؤثرا ومحترما على المستوى العربي والاقليمي وكان صوته مسموعا ومحترما في المحافل الدولية …. اين حاله اليوم من تلك المكانة ؟ وكانت الصحف والمعارضة تقوم بكل نشاطاتها بحرية الا عند عبورها للحدود المرسومة قانونا ، ولم تلهج الصحف بذكر الملك وحاشيته ولم يهزج احد من الشيوخ يوما لا للملك ولا لرئيس وزرائه … وكل شيء في الدولة كان شفافا .. من جلسات الحكومة الى الانتخابات الى المعاهدات الخارجية .. وكانتباستطاعة الصحف والكّتاب قول كل شيء بمنتهى الحرية، وحتى عند قمعهم لم يتعد ذلك العقوبات البسيطة  ( الجواهري الكبير كان يسب الحكم والحاكمين في احتفالات عامة شعرا  وبحضور المسؤولين ولم يلاحق الا نادراولم يسجن الا اياما بتهم الخروج عن قانون المطبوعات وكذا حال الرصافي وروفائيل بطي واخرين ) .
    المؤسسة الوحيدة في النظام الملكي التي كانت تناوىء الديمقراطية هي المؤسسة العسكرية . فقد تم بنائها من غلاة القوميين في الجيش العثماني السابق وطبعوها بسمتهم ، لذا تدخل الجيش بالسياسة خارج ضوابط الديمقراطية اكثر من مرة وجاء ذلك بنتائج كارثية ( حرب 1941 ) . وهذا الامر يحسب على النظام الملكي الذي لم يسيطر على هذه المؤسسة الكبيرة واستغلها بعض الساسة لتنفيذ مأرب شخصية وحزبية ( انفلاب بكر صدقي 1936 مثلا ) ، فكانت النتيجة كارثية على النظام بانقلاب الجيش عليه في 14 تموز 1958 واسقاطهم النظام الملكي الديمقراطي وتاسيس الجمهوريات الديكتاتورية اللاحقة التي لم يستطع العراق التخلص من الغرسة التي غرستها في الحياة السياسية حتى اليوم .
وكان من نتائج تمجيد القوة التي عبرت عنها الثورة في الزمن الثوري ان تحولت الى ايقونة ينحني لها الجميع ويسبحوا بحمد مفجرها ويمجدوا منجزاتها ويجمّلوا قبائحها …فالقمع وكبت الحريات ارخى بضلاله … فلا احد استطاع ان يكتب خارج مدار الثورة ( او قائدها ).. فبطل الابداع ، وتحول المواطنون في ظل الجمهوريات الميمونة الى رعايا (الحاكم هو ولي امرهم يسوقهم حيث يشاء ) . فجرى تأميم ليس فقط للاقتصاد ( الذي اثبت عقمه وخطاه اذ قضى على القطاع الخاص الناشيء ) وانما ايضا للعقل العراقي .. وهو ما أثمر أخطر انواع الظلم والفقر والحرمان ” فتاميم الفكر يثمر فقدان الوعي”  على حد قول توفيق الحكيم .
    هناك من يقول ، مبررا ، ان الثورة هي تعبير عن رأي عامة الناس ، ونجيب ان 14 تموز لم تكن ثورة عامة الناس وانما ثورة مجموعة من الضباط الوطنيين ( لا يمكن نزع هذه الصفة منهم باي حال ) المتحمسين  وقليلي الخبرة السياسيةوالمتأثرين بضباط ثورة يوليو في مصر … لذا فهي ثورة “فوقية” لم تحمل هما جماهيريا بقدر ماحملت طموحا عسكريا في التغيير دون برنامج واضح للثورة في باقي الميادين العامة وتركوا مجرى الاحداث هو الذي يقودهم في الحكم …. وان كانت هناك اهداف معينة فانها تبدلت مع مرور الوقت وتحول الثورة الى صراع شخصي على الحكم . فالمبادىء تشبه الماء لا بد لها من وعاء تاخذ شكله وحجمه وظروفه .وحتى لو سلمنا فرضا ان الثورة اخذت راي العامة ، فقد اثبتت الوقائع ان رأي العامة ليس هو مقياس الحكم في مجتمع يعاني فيه اغلبية العامة الجهل والفقر وعدم الوعي والقصور عن الحكم الصحيح ( فهذا هو ربيع العرب الذي هو تعبير عن رأي العامة ، فنرى رؤوسا مشتعلة وحناجرا هاتفة بطروحات فضفاضة وملتبسة تثور وتضحي ، لياتي السلفيون والاخوان ليحصدوا الثمرة الجاهزة ويديروا دفة الثورة بين تلافيف جلابيبهم ومقاسات فكرهم ) .
   مشكلة ثورتنا والجمهوريات البائسة التي اطلقتها من رحمها ، انها بدأت بالسيف  ، وان لبّى السيف بعض المطالب الملحة في فترة مبكرة، الا انها بقت للاسف ماسكة بالسيف مشرعا تقطر منه الدماء فيما كان عليها في مرحلة لاحقة ان تترك السيف وتمسك بالقلم ( العلم ) ، وبذلك خالفت حقيقة تاريخية نبه لها ابن خلدون من زمان بعيد ( الغزو يبدأ بالسيف والاستقرار يكون بالقلم ) … لذا لم تعرف جمهورياتنا لحد الان طعم الاستقرار وبدون استقرار ليس هناك امان ولا تنمية . لقد استنزف سيف الثورة  ،الذي سارت عليه كل الجمهوريات قوى المجتمع العراقيبالطول والعرض ، وتحولت اجراءاتها القمعية والدموية الى انتهاك عميق لحق الانسان العراقي ليس فقط في الكرامة والعيش الحر وانما لحقّه في الوجود كذلك ( فازدهرت ثقافة الحبس على الشبهة والتصفية الجسدية لاتفه الاسباب ) … وحولت كتلة كبيرة من الشعب الى قطيع بلا وعي او بوعي ناقص …. يتربص به الخوف … واصبحت غريزة حفظ الذات فوق كل اعتبار … مما يقربنا كثيرا من الشكل الحيواني للوجود الانساني في مراحل تطوره البدائية .
     العائلة المالكة ذات حسب ونسب ولا يمكن الطعن لا في اصلها ولا في مكانتها الدينية ولا في عفاف يدها وهي ملتقى رضا كل العراقيين فلا يمكن اتهامها بالتحيز لجهة دون اخرى فكان الاعتدال والحكمة اهم مايميز مواقفها. و ماالصق بالوصي عبد الاله من تهم حتى لو ثبتت كلها فانها لا تساوي عشر العشر من موبقات الساسة الجمهوريين المتتالين . والدائرة السياسية والحزبية حين ذاك كلها معروفة النسب والتاريخ ومن بيوتات عريقة يهمها سمعتها ولا يمكن ان ان تسيء اليها باي فعل يلوثها كما هو حال بعض صيادي الفرص والانتهازيين والصاعدين من القاع في عهد الجمهوريات . وفي مثل هكذا نظام لا يمكن لقاطع طريق او مجرم سابق او لص اومغمور او متعمم فاسد او اسلاموي متسيس من ان يتسلق السلطة بسهولة  او ان ينال حظوة شعبية.
    ولواستمرالنظام الملكي طوال السنوات ال 55 الماضية بالصورة الانسيابية والمستقرة التي كان عليها ولم يشهد الخضات والحروب والانقلابات والتخبطات والصراعات السياسية والعرقية والطائفية التي عاشتها الجمهوريات الاربع …ولانه كان نظاما رشيدا لا يعتمد على راي شخص واحد او مجموعة متآمرة من الاشخاص في اتخاذ القرارات ذات الاهمية .. لتطورت الحياة الديمقراطية في العراق ووصلت الى مصاف الديمقراطيات الغربية في النضوج واحترام حقوق الانسان وحريات التعبير والانتخابات والترشح على اسس وطنية صحيحة ، ولتحول العراق من شعب يضم مجموعات متعددة تدب بيتها الفرقة والصراع حاليا الى دولة ” امة ” عراقية بكل معنى الكلمة تذوب فيها الفروقات العنصرية والمذهبية والدينية لان النظام السياسي والاداري كان قائما على اسس وطنية بحتة لا مكان فيها لاختلاف المذاهب والقوميات. ومن الناحية الاقتصادية ، كان يمكن ان يكون العراق الاكثر امنا في المنطقة وبفضل علاقاته الدولية الواسعة ومكانته الاقليمية وسياسته الاقتصادية الليبرالية واحة للاستثمارات الدولية ومايتبعه من ازدهار لقطاع الاعمال الخاصة والمصارف والنقل والتبادل الخارجي .
    ولو اضفنا الى كل ذلك تراكم عائدات ثروة النفط والغاز وباقي المعادن من سنة 1958 واستغلالها لاغراض التنمية والعمران  ( وليس في الحروب والمعارك الجانبية ) وتقدم العراق من ذلك التاريخى على غيره من دول الجوار العربي وخاصة الخليجية ، لكنت ترى ومع تواصل مشاريع مجلس الاعمار الذي اشرف عليه امهر الكفاءات العراقية ودور التخطيط الاجنبية ، البصرة اليوم افضل من دبي وبغداد تنافس اكبر عاصمة غربية وكردستان تنافس افضل المناطق السياحية في العالم وكذا باقي مدن العراق وحتى الصحراء واحة من المستوطنات المجهزة بكل وسائل الرفاهية بدلا من مناظر البؤس لمدن العراق حاليا . والاهم من كل ذلك هو الانسان …فاكثر من نصف قرن من الاستقرار السياسي والاقتصادي والرفاهية كان يمكن ان تبني انسانا عراقيا ذي شخصية جديدة متفردة في وعيها العراقي الاصيل النابذ لكل ماليس له صلة بالعقل والحياة العصرية … انسانا منتجا علميا وادبيا وانسانيا … يضيف الى عطاء الاجيال السابقة من بني جنسه ، ولكان كتاب وعلماء وادباء وشعراء العراق اليوم يملاون العالم صخبا وذكرا .
   لو لم تكن هناك “ثورة ” تموز  وارهاصات جمهورياتها المختلفة ، لما كنا اليوم نعيش تأويلاتا دينية ومداراتا مغلقة للنزعات العرقية والدعاوي السياسية تنغلق بالكائن على نفسه وتتردى بالحضارة عن حركة التاريخ وتهبط بالمبدع الى قرارة القرار من التعصب العقلي والانحدار الروحي . وبالتالي تتوقف حركة الابداع وحتى الحياة بالمجتمع ويتحول الانسان الى كائن عدائي لا يمكنه التعايش مع الاخرين حتى الذين يشترك معهم في معتقد واحد .
     ختاما ارجو ان لا يساء فهم حكمنا على الثورات ، فنحن هنا لا نعمم وانما نخصص لـ ” ثورة ” 14 تموز على ضوء نتائجها التي بنيت على مقدماتها ، وهو ما ينطبق للاسف على ثورات الربيع العربي الحالية كذلك ( فالعرب امة واحدة تشترك شعوبها بذات التاثيرات المتبادلة لتشاركها في الخصائص والصفات ) …فثورات العرب ، ينطبق عليها قول الراحل الكبير ( محمد الماغوط ) : ” كل طبخة سياسية في المنطقة .. اميركا تعدها ، وروسيا توقد تحتها ، واوربا تتبلها ، واسرائيل تاكلها ( تحصد نتائجها ) ، والعرب …. يغسلون الصحون …”
    لم تبق لنا الثورة وآخر مولوداتها الجمهورية الرابعة حتى …نعمة..غسل الصحون ( لعدم توفرالماء )….وصار الاموات يحكموننا من قبورهم…. فتفرقت احلام شعبنا ومطامحه من بناء مستقبل زاهر ورفاهية معيشة حتى وصلت حاجته الى الخبز والماء والكهرباء والدواء المفقودة …. وان يخرج الانسان منا من بيته لقضاء اية حاجة وان يعود اليه سالما لم تمزق مفخخة اوصاله ولم يكتم انفاسه مسدس كاتم … مازلنا نعيش محنة  “ثورة ” 14 تموز ، فحين تسمع رجال الحكم تتصورهم يتكلمون كالبحر .. في حين ان حياتهم وافكارهم شبيهة بالمستنقعات … مشكلة الثورة تكمن ان في ماتعتقده وتثور من اجله شيء … والعمل به شيء اخر تماما .  فهل توازي انجازات  “ثورة ” 14 تموز مع ماخسرناه من مستقبلنا …؟ لا بد من نظرة واقعية جديدة لتاريخنا….فلم يعد للمصطلحات الكبيرة من معنى ان لم يجري توصيفها جيدا …