في العراق تحديداً يعيش شبابنا ظروفاً متناهية الألم والوجع في جميع مجالات العيش ، وهو يتابع تلك الصراعات الدائرة في كافة جنبات الوطن الموغل بالجراح القديمة والجديدة ، وهو بعد لم يتسلّح بمنطق يهديه، أو خبرة تعصهم، وإنما هي توترات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وحروب أهلية، وانقسامات سياسية، وما تحمله من ملوثات على فكر وثقافة المجتمع، هذا ما دفع الكثير من الشباب العراقي إلى طريق الهجرة بعيداً عن الأهل والأصدقاء بحثاً عن مجتمع يؤمن بالحرية والحياة السعيدة والخدمات المفقودة في بلاد الرافدين , إلى بلدان تدعمهم وتستثمر قدراتهم وتنمي مواهبهم وتطوّر إبداعهم , تاركين خلفهم الوطن الذي لا يهتم بهم ولا يسمع منهم ولا يطوّرهم أو يدرّبهم ولا يبحث عن المُبدعين فيهم , بل بالعكس يتجاهل مطالبهم المشروعة و يطلق الرصاص الحي والماء الحار عليهم أينما تظاهروا.
إن قيادة العراق وإداراتها المُتعدّدة، وحب المُسميات والتصارع نحو المراكز الإدارية العليا بمؤسساتنا المختلفة يتطلب وقف هذا النزيف القاتل الذي يقتل روح الإبداع والحق وإعطاء الحقوق لأهلها.
إن مستقبل العراق مرهون بطاقات الشباب ومجدهم المُشرق، ولهذا يجب النهوض فوراً من هذا الظلام القاتم وبعثرة مُقدّرات الأمة وخيراتها، والسير بالطريق دون دليل مُرشد يبعث حتى ولو القليل من الأمة لكل فئات المجتمع العراقي المتعدد الأعراق واللغات والديانات والمذاهب .
الإسلام السياسي :
من هنا يبدو مبدأ – الإسلام السياسي أفيون العراق – هو واقع حال يعيشه العراق منذ سقوط النظام السابق عام 2003 حتى ألان , وهو مضر بمصالح العراق وليس مفيدا لها، ويكون هذا البلد بأمس الحاجة للتخلص من هكذا نظام حكم يقوده مجموعة من رجالات الدين نزعت العمائم وارتدت الملابس الغربية ,هذا النظام الذي أثبتت الأيام صدق محاربته والتخلص منه عاجلا أم أجلاً حتى وأن تطلب الأمر أتباع أسلوب الكفاح المسلح للتخلص منه ومن شروره , بعد تمتين وحدة الشعب الوطنية والديمقراطية ضمن السياقات الصحيحة .
وقد أكدت انتفاضة الشعب العراقي وخاصة في وسط وجنوب العراق في الثالث من تشرين الأول عام 2019 التي راح ضحيتها شهداء وجرحى صدق تفكير معطيات الفكر العلماني الحديث , بأن الدين تستخدمه الأحزاب الدينية لتخدير الشعوب بالشعارات والشعائر المزيفة المصطنعة التي عفي عليها الزمن ليعيدها علينا هؤلاء النفعيين الفاسدين من أجل الهاء الشعب وأبعاده عن ساحة الاستقلال الناجز والحرية لغرض تنفيذ أجنداتهم العقائدية المنحرفة وتنفيذ مخططات الدول المرتبطين بها التي تمدهم بالسلاح والقوة من أجل إخضاع الشعب وتركيعه وتحويله إلى مطية يركبونها في أي وقت يشأؤون.
لقد أعُلن رسمياً عن استشهاد 107 متظاهر مدني في عموم العراق , و 4 من القوات الأمنية , وإصابة 3458 متظاهر مدني و 363 من القوات الأمنية .. منهم 6 شهداء من محافظة ميسان وإصابة 14 متظاهر مدني و 92 من القوات الأمنية خلال ثمانية أيام من التظاهرات , التي بدأت في الأول من تشرين الأول في محافظات ( بغداد- النجف الاشرف – بابل – الديوانية – ميسان – ذي قار – واسط – المثنى ) وجاءت تلك الخسائر نتيجة الاستخدام المفرط للقوة من قبل الأجهزة الأمنية , ومقرات الأحزاب الإسلامية التي تحميها ميليشيات خاصة بها , وهي في كل الأحوال أرقام مجزرة دموية لا يمكن الصمت عليها أو تمريرها دون المطالبة بمحاكمة وكشف المرتكبين لها والمنتهكين لأبسط الحقوق المشروعة والمتفق عليها قانونياً ودستورياً وإنسانياً.
وقد تكررت تلك المظاهرات يوم الجمعة المصادف 25/10/ 2019 في عموم مناطق جنوب ووسط العراق بما فيها العاصمة بغداد , راح ضحيتها 75 شهيد و 3654 جريح , منهم 14 شهيد من محافظة ميسان وهي المحافظة التي أعطت أكثر عدد من الشهداء , بسبب الأعمال الإجرامية التي اقترفتها بعض المليشيات المدعومة من إيران ضد أبناء المحافظة أبان سقوط النظام الدكتاتوري السابق عام 2003 قبيل تطبيق ( خطة فرض القانون ) عام 2007في عهد رئيس وزراء العراق السابق السيد نوري المالكي , بحجة الانتماء السابق لحزب البعث أو تعاون البعض منهم مع أجهزة الحزب القمعية آنذاك , مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من أبناء المحافظة وفرار الكثير منهم إلى محافظات عراقية أخرى والى سوريا ولبنان وغيرها من دول العالم .
هذا الوضع المأساوي ولد صراعات عشائرية ظهرت بشكل واسع نتيجة الأحداث الأخيرة , كذلك القتل على الهوية والانتماء الفكري السابق , مما دفع بالبعض من ضحايا تلك المليشيات إلى حمل السلاح ومهاجمة مقرات الأحزاب الإسلامية في المحافظة وقتل من فيها وحرق وتدمر مكاتبها ( عصائب أهل الحق – منظمة بدر – كيان صالحون – وحركة أنصار الله الأوفياء , إذاعة الأمل ).
فمنذ الساعات الأولى من يوم الجمعة الخامس والعشرين من تشرين الأول / أكتوبر2019 الموعد الذي ححده المتظاهرون الشباب للعودة إلى الشوارع بعد مجازر الأسبوع الأول من الشهر نفسه , كانت محافظة ميسان تتأهب لفوران غضب شعبي يرى مراقبون أنها تتناسب مع طبيعتها العشائرية وتقاليدها البدوية الموغلة بالقدم , إذ بدأت أحداث العنف تتكرر حينما توجه المتظاهرون إلى مقر – حركة عصائب أهل الحق – الواقع مقابل – قيادة شرطة محافظة ميسان – وحينما وصلوا هناك فتحت حماية مقر العصائب النار عليهم وقتلت وأصابت مجموعة من الشباب العزل, مما دفع البعض منهم ومن ذوي الضحايا العودة إلى المقر ومهاجمته وقتل من فيه بما فيهم مسئول المقر( وسام العلياوي ) وشقيقه.
العراق سلة الخبز والتمر :
المعروف عن العراق هو أغنى وطن في العالم ويعيش فيه أتعس شعب، أما دولة الصين التي هددتها المجاعة بسبب العدد الضخم لسكانها، وهنا كانت المقارنة صحيحة في كون – الدين مخدر للشعوب – فالصين التي رفضت الدين علت إلى النجوم .. أما العراق الذي تشدق بالدين فقد هبط إلى الدرك الأسفل ، وهكذا تبدو نبوءة الشيوعية التي طبقها زعيم الصين الخالد (ماو سي تونغ 1893 – 1967) في كون الدين أفيون الشعوب هي لصالح الشعوب وليست مؤذية له, كما يفسرها البعض من قليلي الدراية والمعرفة .
هنا يجب التأكيد بأن أوربا وأميركا وشبيهات هذه الدول الذين تشدقوا بالدين ورجاله قد تخلوا عن سلطة الدين بعد أن اكتووا بنار رجال الدين، ونجدهم هم أيضا طبقوا شعار (الدين أفيون الشعوب) وصاغوا قوانين تمنع التمايز بين حاملي الأفكار الدينية وغيرهم من ليبراليين وعلمانيين.
أما العراق فقد بقي في العربات الخلفية من التطور بسبب التشدق بحكومات الدين التي تسببت في اقتتال المختلفين دينياً ومن ثم تخلف العراق عن العالم، وبذلك يكون الدين السياسي هو المتسبب الرئيسي في تخلف العراق وتراجعه عن التطور.
التنمية في العراق الجديد :
بالرغم من وفرة الموارد الطبيعية والمالية للعراق إلا أنه يعتبر من البلدان المتخلفة اقتصادياً , كما أن انخفاض المستوى الاقتصادي للعراق يعزى إلى عدم وجود حكومة وطنية تواقة للنهوض بالاقتصاد إلى المستوى الذي يسمح بتقليص الفجوة بين مستوى اقتصاده ومما هو عليه في الدول المتقدمة وحتى دول الجوار التي أصبحت مُصدراً للعراق وسوقاً مفتوحة لبيع بضائعها فيه ,على النقيض من ذلك نجد الرغبة الملحة للشعب العراقي لانتزاع الاستقلال الاقتصادي والدخول في عملية التنمية شاملة في مختلف فروع الاقتصاد.
إن هذه الرغبة لم يكبتها الشعب على الورق بل أعلنها بشكل تظاهرات سلمية لفترة أكثر من خمس سنوات , وعندما وجد أن التظاهر السلمي لا جدوى منه أتجه نحو التظاهر الثوري الذي قدم دماءه ثمنا لها وعلى وجه الخصوص في المحافظات الجنوبية ومنها محافظة ميسان حينما اندلعت فيها تظاهرات ومعارك دامية مع الشرطة والجيش ومليشيا الأحزاب المتنفذة ليلة الرابع من رجب المصادف الثالث من شهر تشرين الأول من عام 2019 حينما قام المتظاهرون الغاضبون بحرق مجلس محافظة ميسان وإدارة المحافظة وتحويلهما إلى رماد, وهم يهتفون ( بيت صليوه أشرف منكم )… وبيت صليوه هم عائلة مسيحية عمارتلية عريقة تبيع المشروبات الكحولية , هاجر من هاجر منهم خارج العراق ,ومن بقى منهم في العمارة تعرض للتهديدات والتفجيرات.
الإهمال الحكومي :
إن فشل المحاولات الحكومية زادت من حدة المشاكل فتلافيا للنتائج السلبية المترتبة عن هذا الفشل قامت الحكومة بمحاولات عديدة ولكنها فشلت .. منها إصدار قرار تعيين خريجي الدراسات العليا ,وتوزيع منح مالية على الخريجين العاطلين عن العمل ,وتوزيع أراضي سكنية على المواطنين ,ومكافحة الفساد وإحالة رجالاته إلى المحاكم , وعقد صفقات تجارية واستثمارية مع دولة العالم ومنها الصين التي نحتاج إلى فترة خمس سنوات أخرى لكي نجني ثمارها .
إن إهمال تنمية القطاع الصناعي لا يمكن اعتباره خطأ عفوياً آذ إن سياسة الاعتماد على الذات في التصنيع استبعدت تماما بسبب ارتباط العراق بإيران المصدر الرئيسي للعراق في كل شيء كذلك أهملت خطط تنمية القطاع الزراعي وتركت الدولة الفلاح يكافح بقوة عمله فقط مما أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي وأصبح العراق مستورداً للمواد الزراعية من دول الجوار بعد إن كان مصدراً لها .
وهناك عوامل أخرى أدت إلى فشل التنمية الاقتصادية منها : قلة البيانات الإحصائية وضعفها وانعدام التناسق بين السياسة المالية والاستثمارية , وانتشار الفساد المالي والإداري داخل الجهاز الحكومي وخارجه كذلك حصر تخطيط وتنفيذ المشاريع الكبرى بالوزارات جعلها نهبا للوزير المرشح من قبل أحزاب البرلمان وحزبه الذي رشحه لتلك المهمة.
القوة المفرطة :
نعود مرة أخرى إلى الانتفاضة المباركة ونتكلم عن أحد شهدائها ,الشهيد الضحية ( محمد قاسم جلوب ) تولد 1990 من أهالي ميسان خريج معهد الإدارة / فرع المحاسبة في قضاء الصويرة / محافظة واسط تخرج هذا الشاب عام 2015 وأخذ يبحث عن وظيفة في دوائر وشركات المحافظة دون جدوى , وجد ضالته المنشودة في الخروج بتظاهرة يوم الثالث من شهر تشرين الأول / أكتوبر 2019 أمام مبنى محافظة ميسان على أمل أن تستمع الدولة لمطلبه الشرعي في الحياة , لكنه سقط شهيداً برصاص المليشيات الوقحة التي هدرت دمه.
التاريخ القاتل :
حتى نعيش بسلام كما تعيش الشعوب الأوربية , لنترك علي ومعاوية.. والحسين ويزيد للتاريخ..لان الماضي قد مضى وعلينا بالمستقبل , فالدين والمذهب ليس بحاجة مداحين ليضللوا عقول شباب العراق.. بل بحاجة إلى كل عراقي شريف يواسي جروح المكلمين من أمهات الثكلى والمجروحين.. والله وإنا على قناعة لو إن الحسين(ع) يعلم إن هؤلاء الفاسدون سيكونون أتباعه القادمون لبايع يزيد خيراً له من أن تلطخ سمعته وأهل البيت الأطهار بهؤلاء الفاسدين.. كفوا عن العادات والشعائر القادمة من عفن التاريخ في اللطم والزنجيىل والتطبير والمشي لمئات الكيلومترات وإحياء الأربعينيات التي مضى عليها 1400 سنة وأصبحت تاريخ .. فلا تنبشوا الماضي لتخلقوا العداوة بين المسلمين.. وانتم ألد أعداء الحسين.. ولو كنتم حقاً مخلصين للإمام النبيل لأقمتم الشعائر في بلدكم لا في بلدان الآخرين.. على العراقيين أن ينتبهوا لحالة كل المظاليم لعل الحسين يدرك آن في ثورته بقية من بقاياه في عدل الآخرين.
أنّ وضع العراق الحالي يذكرني بقصة ( الحجاج بن يوسف الثقفي ) مع امرأة من الخوارج , حينما قال لها : اقرئي القرآن فقرأت (( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس ( يخرجون ) من دين الله أفواجا)) فقال لها : ويحك، يدخلون، فقالت : كان ذلك في عهد أسلافك وإنّما في عهدك يخرجون.