خاص : كتبت – نشوى الحفني :
دخلت الاحتجاجات العراقية مرحلة جديدة يبدو أنها ستكون دون رجعة، بسبب ما تعرض له متظاهري الـ 25 من تشرين أول/أكتوبر من عنف دامي أدى إلى سقوط الكثير من القتلى والجرحى، رغم تأكيد رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، قبيل إنطلاق الاحتجاجات، على أن أولوية قوات الأمن العراقية هي حماية التظاهرات السلمية.
“مفوضية حقوق الإنسان” في “العراق” أكدت، مساء أمس السبت، أن حصيلة التظاهرات التي شهدها “العراق”، ليوم الجمعة وأمس؛ بلغت 63 قتيلاً بين المتظاهرين و2592 مصابًا من المتظاهرين والقوات الأمنية.
وذكر بيان صدر عن المفوضية أن عدد القتلى في العاصمة، “بغداد”، بلغ 10 والمصابين 1794، وفي محافظة “ميسان” 14 قتيلًا و110 مصابين، وفي “ذي قار” 15 قتيلًا و176 مصابًا، وفي “البصرة” 7 قتلى و301 مصاب، وفي “المثنى” قتيل واحد و151 مصابًا، وفي “الديوانية” 12 قتيلًا و119 مصابًا، وفي محافظة “كربلاء” 349 مصابًا، وفي محافظة “بابل” 4 قتلى و3 معتقلين.
وأشار إلى أنه تم حرق وإلحاق الأضرار بـ 83 مبنى حكوميًا ومقرات أحزاب في محافظات “الديوانية وميسان وواسط وذي قار والبصرة والمثنى وبابل وكربلاء”.
وفي “كربلاء” قام متظاهرون بتمزيق صور المرشد الأعلى الإيراني، “علي خامنئي”، كما هتفوا بعبارات ضد قائد (فيلق القدس) الإيراني، “قاسم سليماني”، وقامت محافظة “كربلاء” بإعلان حظر التجول.
الداخلية تنفي استخدامها للعنف..
فيما أكدت “وزارة الداخلية” العراقية، أمس، أن القوات الأمنية لم تستخدم السلاح الناري أو القوة المفرطة تجاه المتظاهرين إطلاقًا.
كما أكد “مجلس القضاء العراقي” أن أي إعتداء على الجيش والأمن ومقرات الحكومة يُعد جريمة عقوبتها الإعدام.
استغلال المظاهرات..
من جهتها؛ أكدت قيادة العمليات المشتركة العراقية أن قواتها ستتعامل مع المخربين وفقًا لقانون مكافحة الإرهاب، محذرة من العبث بأمن المواطنين، كما دعت المتظاهرين إلى التبليغ عن المخربين المجرمين، مشيرًة إلى أن البعض استغل التظاهرات وعمل على قتل المتظاهرين وحرق الممتلكات.
“سائرون” تنضم للمعارضة وتدخل اعتصام مفتوح..
ونتيجة للأحداث الدامية، أعلنت كتلة (سائرون)، في البرلمان العراقي، انتقالها إلى صفوف المعارضة.
وأوضح تحالف (سائرون)، في مؤتمر صحافي، أن هذا: “القرار جاء لعدم وجود خطوات حقيقية للإصلاح وصار لزامًا علينا تحمل المسؤولية الأخلاقية والوطنية في الحفاظ على العراق”.
وأضاف التحالف: “بناءً على هذا تعلن كتلة تحالف (سائرون) أنها ستكون معارضة، وستعتصم داخل البرلمان لحين الاستجابة لمطالب المتظاهرين”.
ودعت الكتل السياسية إلى أن تفعل كما فعل التحالف، ويخطو نفس خطوته.
“الصدر” يطالب الحكومة بالاستقالة..
كما دعا زعيم (التيار الصدري) بالعراق، “مقتدى الصدر”، الحكومة العراقية، إلى الاستقالة على خلفية الاحتجاجات المتصاعدة. وكتب عبر حسابه الرسمي على (فيس بوك)، موجهًا حديثه للحكومة: “إذا لم تكن المظاهرات برأي البعض حلاً ولا الاعتصامات ولا الإضرابات حلاً، فهل (التمسك بالسلطة) حل.. بينما لا قدرة لها على إنهاء معاناة الشعب وتخليصه من الفاسدين وتوفير العيش الكريم له، وإذا لم تستطع السلطة أن ترمم ما أفسده سلفهم فلا خير فيهم ولا بسلفهم”.
وتابع “الصدر”: “استقيلوا قبل أن تُقالوا.. أو أصلحوا قبل أن تُزالوا”.
اتهامات لأميركا وإسرائيل..
فيما اعتبر، الأمين العام لـ (عصائب أهل الحق)، الشيخ “قيس الخزعلي”، أن دماء الشهداء والضحايا التي سقطت تتحملها “أميركا” و”إسرائيل”.
من جهته؛ قال رئيس تحالف (الفتح)، “هادي العامري”، إنّ “العراق” اليوم أمام فتنة كبيرة تقف وراءها “إسرائيل” و”أميركا”، مشيرًا إلى أنه: “هناك من يريد جر العراق إلى الفوضى”.
كتائب (حزب الله) العراق شددت على أن الأحداث التي وقعت تؤكد وجود أطراف مرتبطين بـ”أميركا” و”إسرائيل”، و”السعودية”.
وقالت إن: “تراكم الفساد في مفاصل الدولة تتحمل مسؤوليته جميع القوى السياسية في الدولة”.
ورأت أن: “آليات رئيس الحكومة لتحقيق المطالب الشعبية بحاجة إلى تمكين وإسناد من القوى السياسية”.
وكان ممثل المرجع السيد، “السيستاني”، الشيخ “عبدالمهدي الكربلائي”، قد دعا المتظاهرين العراقيين والقوات الأمنية إلى الإلتزام بسلمية التظاهرات، وعدم السماح بإنجرارها إلى العنف والفوضى.
وتسببت تلك الأحداث الدامية وتطورها على المستوى السياسي في طرح العديد من التساؤلات حول نتائج هذه الاحتجاجات وإلى ما يمكن أن تؤول إليه، بالإضافة إلى مصير حكومة “عبدالمهدي”.
حركت الطبقة السياسية..
حول ذلك؛ يقول رئيس المرصد العراقي للحريات الصحافية، “هادي جلو مرعي”، أن: “هذه التظاهرات مختلفة نوعًا ما عن سابقتها، وما يلفت الإنتباه هو القرار الذي صدر من الحكومة العراقية، المتمثل بإبقاء الحياة طبيعية وعدم قطع الطرقات في بغداد، عبر السماح بحرية التنقل؛ وكذلك عدم قطع شبكة الإنترنت، إضافة إلى أن هذه التظاهرات كانت سلمية للغاية، عبر محاولة المتظاهرين عدم الإحتكاك بالقوات الأمنية، بالمقابل قدمت الأخيرة أشياء إيجابية للمتظاهرين”.
وأضاف أن: “الخروقات والمصادمات حدثت في مناطق الجنوب، التي تُعد الأكثر غضبًا بين مناطق العراق، خصوصًا مدينة الناصرية الأكثر حرمانًا، فهي لا تمتلك ثروات أو منافذ للحصول على أموال، ويعاني أبنائها الحرمان منذ عقود طويلة، ويعمل أبنائها في باقي محافظات العراق من أجل الحصول على المال، لذلك كان فيها غضب أكثر من غيرها من المدن العراقية”.
وأوضح “مرعي” أن: “فائدة هذه التظاهرات أنها حركت الطبقة السياسية العراقية، ووضعتها أمام مسؤولياتها التاريخية، فالمشكلة بين الشعب العراقي والنظام السياسي تكمن في أن النظام السياسي هو من يعرقل الإصلاحات والتوجه نحو وضع اقتصادي وسياسي وأمني يلبي طموح الشعب، كما أن الشارع العراقي يحتاج إلى الإقناع وليس التهدئة، وذلك عبر تقديم أشياء فاعلة ومؤثرة، وليس مجرد وعود وشعارات، فهذه التظاهرات كانت أكثر وعيًا ونضجًا من سابقاتها”.
“ثورة كرامة” وليست “ثورة جياع”..
ووصف المحلل السياسي العراقي، “عبدالكريم الوزان”، الأوضاع في بلاده: “بالقنوط واليأس وفقدان المصداقية مع الحكام والسياسيين؛ وهو ما جعل الثوار يصلون لمرحلة قطعية، أنه لا حل للعراق، إلا بحل تلك الرؤوس القابعة في السلطة”، مؤكدًا على أن عشرات الشباب قُتلوا منذ اليوم الأول في التظاهرات ولا تزال الأعداد في ارتفاع.
وأكد “الوزان” أن المشاهد المتداولة، ستتكرر مستقبلًا، لافتًا إلى أن الصيحات الرافضة للحكومة الحالية، أطلقت من قبل، وتنتشر اليوم في كل مكان.
ويرى إن التظاهرات أو “الثورة”، وهو ما يجب تسميتها، ظهرت نتائجها من أول يوم، ففي اليوم الأول يرتقي عشرات القتلى، ويصل أعداد الجرحى بالآلاف، و”ما خفي كان أعظم”.
وأضاف أن “الثورة” هذه المرة ستكون جذرية، وهي “ثورة كرامة” وشعب وسيادة ومصير، وليست “ثورة جياع”.
وتابع، أن “الثورة” هي لرفض الوجود الإيراني، وهو الأمر ذاته يتجدد في “لبنان”، حيث يمثل النفوذ الإيراني، “حزب الله”.
وقال “الوزان” إن “الثورة” ماضية وتحقق أغراضها بوقت سريع جدًا، وربما لا تطول كثيرًا، بسبب الوحدة والعنفوان والإرادة.
الكتل السياسية ترفض استقالة الحكومة..
وحول مصير الحكومة العراقية؛ كان القيادي البارز في حزب (الدعوة) العراقي، الأمين العام للاتحاد الإسلامي للتُركمان، النائب السابق، “جاسم محمد البياتي”، قد كشف قبل احتجاجات الجمعة بيوم عن رفض الكتل السياسية، استقالة رئيس الحكومة، “عادل عبدالمهدي”.
وأكد “البياتي”، قائلًا: إن رئيس مجلس الوزراء، “عبدالمهدي”، لن يقدم استقالته، حسب المعلومات التي نملكها من مكتبه، ولا أتصور في هذا الظرف الحساس، والصعب، أن يستقيل، وكذلك هو، والكتل ترفض استقالته.
وأضاف موضحًا؛ أن استقالة رئيس الحكومة، قد تؤدي إلى ظروف أخطر، بالتالي فهو لن يقدمها على الرغم من أنه يفكر، إذا كان هناك نوع من الهدوء في المستقبل، وبرلمان سيعمل على إيجاد بديل عنه إذا تطور الأمر.
وأكمل “البياتي”، في المستقبل قد يفكر رئيس الوزراء، بالاستقالة، أما الآن في هذا الظرف الحساس، ليس هناك مجال لتقديم استقالته.
وبَين “البياتي”، أن رئيس الوزراء، قد يقدم استقالته مستقبلًا، وفق الأطر الدستورية، لأن هناك أكثر من (80 – 70) نائبًا من البرلمان، يراقبون الحكومة، ولديهم اتصالات مع المتظاهرين، ويتابعون الوعود التي أخذت الحكومة على عاتقها تنفيذها من توفير الخدمات، وإعادة المفسوخة عقودهم، وفسح المجال للشباب، وتوزيع الأراضي، والقروض، وما شابه ذلك.
وتابع؛ إذا طبقت الحكومة هذه الوعود خلال الفترة المحددة (4 – 3) أشهر، ستعطى لها فرصة للتطوير، أما إذا أخفقت، فإن نواب الكتل سيصوتون على سحب الثقة من رئيس الوزراء، أو هو شخصيًا يقدم استقالته بطلب من الكتل.
وأختتم القيادي في حزب (الدعوة)، الأمين العام للاتحاد الإسلامي لتُركمان “العراق”، النائب السابق، حديثه، معتبرًا تقديم الاستقالة في الظرف الراهن، حرجة، ومنتهية، منوهًا إلى أن الكتل السياسية، تراقب الحكومة، وكذلك المتظاهرين، من أجل تقديم أحسن الخدمات لهم.
وكانت أعداد كبيرة من المتظاهرين قد إنطلقت في ثورتهم التي حشدوا إليها، مساء الخميس الماضي، 24 تشرين أول/أكتوبر، في وسط العاصمة العراقية، “بغداد”، ومحافظات أخرى، وسط وجنوبي البلاد، ضد الفساد، مطالبين بإقالة رئيس الحكومة، “عادل عبدالمهدي”، وحل البرلمان، والدعوة إلى حكومة إنقاذ وطني، وانتخابات تحت إشراف دولي أممي.