خاص : ترجمة – آية حسين علي :
على مدار سنوات طويلة إرتبط مصير “العراق” بالدولة الجارة، “سوريا”، وعندما ضرب تنظيم (داعش) الجهادي، “العراق”، فإنه سرعان ما إنتقل إلى “سوريا”، فدمرهما وشتت أبناءهما، كذلك تأثر “العراق” بالعملية التي نفذتها “تركيا”، شمال شرقي “سوريا”، بهدف القضاء على المليشيات الكُردية المتواجدة في هذه المنطقة.
بغداد رأت أن العملية تصعيد ومجازفة..
كان الموقف العراقي من العملية واضحًا منذ البداية؛ إذ ندد بالتدخل العسكري التركي في الأراضي السورية، ووصف الرئيس، “برهم صالح”، الحملة، بأنها تصعيد خطير قد يتسبب في كارثة إنسانية ويقوي الجماعات الإرهابية.
ووصفت “بغداد” أيضًا، على لسان رئيس الوزراء السابق، “حيدر العبادي”، العملية، بأنها مجازفة خطيرة ليست في مصلحة المنطقة ولن تصب في مصلحة “تركيا” نفسها؛ وقد تؤدي إلى تقسيم “سوريا”؛ كما أعرب “العبادي” عن قلقه بشأن التقارير التي كشفت عن هرب عدد من قيادات (داعش) من داخل السجون السورية خلال العملية، وشدد خلال لقاء مع شاشة (بي. بي. سي نيوز) العربية؛ على أن المنطقة تشهد خطرًا حقيقيًا لن يتضرر “العراق” فقط منه؛ وإنما العالم كله، لأن (داعش) إيديولوجية خطيرة تؤمن بقتل الآخر من أجل إقامة دولة.
جاء هذا الموقف من صميم إدراك “بغداد”، منذ الوهلة الأولى، أنها مقبلة على أزمة جديدة؛ فمن ناحية بسبب تسرب عدد من عناصر (داعش) من السجون عقب التدخل التركي، ومن ناحية أخرى بسبب سيل المهاجرين الذين استغلوا الساعات الأولى من المهلة التي استمرت لمدة 120 ساعة من أجل الفرار وكانت وجهتهم الأراضي العراقية، لذا عملت خلال فترة استمرار العمليات على تعزيز التأمين، خاصة المناطق الحدودية تحسبًا لأي ظروف جديدة تطرأ على المشهد.
وعاش “العراق” أيامًا من القلق بسبب تحليلات وتصريحات رسمية وغير رسمية أشارت إلى إمكانية أن تسفر العملية عن عودة تنظيم (داعش) الجهادي، أو أن تستغل عناصره الفرصة من أجل الإستقواء وتنفيذ عمليات جديدة، كما خرجت تكهنات حذرت من إحتمالية أن تنفذ “أنقرة” عملية مماثلة في بعض المناطق الحدودية، شمالي “العراق”، حيث من المحتمل أن يختبيء بعض عناصر “حزب العمال الكُردستاني”، لكن محللون قللوا من أهمية هذه التكهنات.
واشنطن تحافظ على تواجدها على حساب العراق..
يرى محللون أن إرسال القوات الأميركية المنسحبة من “سوريا” إلى “العراق”؛ يأتي في إطار حرص “واشنطن” على التواجد في المنطقة على حساب سيادة “العراق”؛ خاصة بعد الاتفاق الذي جرى بين “روسيا” و”تركيا” على تقاسم السيطرة على شمال شرقي “سوريا”، وتضاربت التصريحات بشأن السبب الذي أدى إلى انتقال القوات إلى “العراق” بدلًا من العودة إلى أرض الوطن مباشرة، ومن جانبه، صرح وزير الدفاع الأميركي، “مارك إسبر”، خلال زيارته إلى “المملكة العربية السعودية”؛ أن السبب يرجع إلى رغبة “الولايات المتحدة” في الانسحاب تدريجيًا من المنطقة، لكن تصريح آخر له، السبت، أشار فيه إلى أن: “الخطة الحالية هي إعادة تمركز القوات في غرب العراق”، بينما أعلنت “وزارة الدفاع” العراقية أنها لم تُصدر موافقة على إبقاء القوات الأميركية على أرضها؛ وإنما كان الاتفاق على السماح لها بالمرور فقط.
وفي سياق متصل؛ جاءت زيارة “إسبر” غير المعلنة، صباح الأربعاء، إلى “العراق”، وصرح “إسبر” بأن قوات بلاده لن تبقى في “العراق” إلى ما لا نهاية، وإنما الهدف هو أن تعود إلى “الولايات المتحدة”، وبحسب وكالة (بغداد اليوم)؛ فإن “إسبر” صرح بأن القوات الأميركية، التي وصلت منذ يومين إلى “العراق”، سوف تغادر بعد 4 أسابيع.
كُردستان العراق غير متسق تمامًا مع بغداد..
جاء موقف “كُردستان العراق”، الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، متسقًا مع موقف “بغداد” الرسمي المعلن من العملية، إذ حذر برلمان الإقليم من أن العملية قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، وأدان نائب رئيس برلمان الإقليم، “هيمن هورامي”، بشدة، التدخل التركي شمال شرقي “سوريا”، وشدد على أن هذه الأجواء تخلق بيئة أكثر تسامحًا تسمح بعودة (داعش).
بينما فيما يخص التواجد الأميركي في “العراق”، بدا موقف رئيس إقليم كُردستان، “نيجريفان برزاني”، مرحبًا بالخطوة، وأعرب عن إمتنانه وشكره وتقديره لقوات “التحالف الدولي” وللجيش الأميركي، رغم أن موقف الحكومة المركزية جاء مغايرًا إذ أظهر عدم رغبة “بغداد” في إبقاء القوات الأميركية على أرضها.
ويرى محللون أن العملية التركية، التي استهدفت مليشيات كُردية شمال شرقي “سوريا”، من الممكن أن تقلص تطلعات الأقاليم الكُردية في “إيران وتركيا والعراق” أيضًا، بينما أشارت تقارير إلى أن “أنقرة” أعادت الأكراد إلى المربع صفر فيما يخص الإنجازات التي تستهدف الحصول على الاستقلال وإقامة دولة.
العراق ملاذ لآلاف اللاجئين..
استقبل “العراق” آلاف النازحين الأكراد القادمين من بؤرة الصراع في “سوريا”، ووفقًا لما أوردته صحيفة (فرانس 24)؛ فإن عدد الذين نزحوا منذ بداية العملية، بلغ 300 ألف شخص، فر منهم ما يزيد عن 4 آلاف إلى “العراق”، بينما قدرت “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” عدد من وصلوا إلى “العراق”، خلال 7 أيام، بنحو 7500 شخص، وتوقع “المجلس النرويغي للاجئين” أن يفر نحو 600 ألف كُردي من المنطقة بحلول نهاية العام؛ ليس فقط خوفًا من المعارك وإنما تحسبًا لما قد يحدث في المستقبل.
ويقع مخيم “بردش” العراقي على بُعد 140 كلم شرق الحدود (السورية-العراقية)، ويتم إيواء معظم النازحين السوريين به؛ حتى أصبح مكتظًا على آخره فلم يٌعد مناسبًا لاستقبال المزيد؛ وصرح مدير مفوضية اللاجئين بأن معظم الذين يتمكنون من الوصول إلى المخيم هم نساء وأطفال ويحتاجون إلى إسعافات أولية ودعم نفسي واجتماعي بسبب ما تعرضوا له خلال الرحلة.
والسؤال هنا: هل تضمن العملية التركية عدم عودة المليشيات غير المرغوب فيها من قِبل “أنقرة” إلى المنطقة ؟.. في وقت لا يزال هناك اختلافًا كبيرًا بين المحليين على مدى نجاح العملية وإمكانية استمرار هذا النجاح، وهل قضت العملية على حلم الدولة لدى الأكراد ؟.. لا أحد يستطيع أن يجزم لكن الأيام المقبلة من المؤكد أنها سوف تظهر أي الجانبين أحق.