21 ديسمبر، 2024 5:53 م

“منطقة آمنة” بمراقبة دولية .. محاولة ألمانية للعب دور جديد ولتحجيم النفوذ الروسي !

“منطقة آمنة” بمراقبة دولية .. محاولة ألمانية للعب دور جديد ولتحجيم النفوذ الروسي !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

وجد الطلب الذي طرحته وزيرة الدفاع الألمانية على “مجلس الأمن الدولي” لإنشاء “منطقة آمنة” في شمال “سوريا”، رفضًا حادًا من قِبل “الاتحاد الأوروبي”، و”روسيا” و”أميركا”؛ رغم ترحيب وزير الدفاع الأميركي، “مارك إسبر”، بالمبادرة، وهو الأمر الذي اعتبره البعض محاولة أوروبية للعودة إلى الساحة السياسية حول “سوريا”.

وبدوره؛ أعلن المندوب الأميركي لدى (الناتو) أن الاقتراح الألماني لإنشاء قوة سلام دولية في شمال “سوريا” اقتراح بناء، داعيًا إلى إجراء تحقيق دولي في جرائم حرب مزعومة إرتكبت بشمال “سوريا”.

وكانت وزيرة الدفاع الألمانية، “أنيغريت كرامب كارينباوير”، قد دعت إلى إقامة “منطقة آمنة دولية”، في “سوريا” على الحدود مع “تركيا”، بمشاركة “موسكو” و”أنقرة”.

وأكدت “كرامب كارينباوير”، في حديث لوكالة الأنباء الألمانية، (د. ب. أ)، الإثنين الماضي، أنها نسقت هذه المبادرة مع المستشارة، “أنغيلا ميركل”، وستقدمها للحلفاء الغربيين خلال اجتماع حلف (الناتو) على مستوى وزراء الدفاع في “بروكسل”، يومي 24 و25 تشرين أول/أكتوبر الجاري.

الوضع الحالي غير مرضٍ..

وبالفعل أصرت، أمس، على طرح فكرتها في اجتماع وزراء دفاع دول “حلف شمال الأطلسي”، قائلة أن مهمة تنفيذ دوريات على الحدود (التركية-السورية) لا يمكن أن تترك لـ”موسكو” و”أنقرة” فحسب، وقالت للصحافيين: “الوضع الحالي غير مرضٍ”، وأبلغت حلفاء بلادها بأن إقامة منطقة تتم السيطرة عليها دوليًا يتطلب أيضًا مشاركة “روسيا”، القوة المهيمنة حاليًا في “سوريا”، حتى يتسنى بذلك حماية المدنيين النازحين وضمان استمرار قتال “تنظيم الدولة الإسلامية”.

وكانت قد لفتت، في المقابلة؛ بمناسبة مرور 100 يوم على توليها منصب وزيرة الدفاع، إلى أن الجيش الألماني يشارك بالفعل في مهام في المنطقة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، (داعش)، سواء من خلال عملية التدريب أو الاستطلاع الجوي. وأردفت: “إذا كان السؤال هو كيف سنواصل الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فإن هذا سيكون موضوع المشاورات في هذا الصدد”. ورأت “كرامب-كارنباور” أن هدف هذا المقترح لابد أن يتضمن أيضًا برنامجًا مدنيًا لإعادة البناء.

وقالت لـ (DW): “اقتراحي هو أن ننشيء منطقة آمنة تخضع للمراقبة الدولية وتضم أيضًا تركيا وروسيا. والهدف هو من جهة نستأنف ونواصل الحرب على الإرهاب، والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، والذي وصل في الوقت الحالي إلى طريق مسدود. ومن جهة أخرى أن نعمل على استقرار المنطقة ما يسمح بإعادة البناء ويتيح للنازحين بالعودة الطوعية إليها”.

وحذرت الوزيرة الألمانية من أن الوضع في “سوريا” يؤثر على المصالح الأمنية لـ”أوروبا” ولـ”ألمانيا” بشكل كبير، وانتقدت الطابع السلبي الذي أتسم به تصرف “ألمانيا” والأوروبيين في هذه القضية حتى الآن؛ “كالمتفرجين من وراء سياج”. واستطردت: “ولذلك فإن إعطاء ألمانيا دفعة ومبادرة سياسية، أمر معقول لإنطلاق مبادرة أوروبية داخل (الناتو)”.

انقسام ألماني حول المبادرة..

في غضون ذلك؛ كشف وزير الخارجية الألماني، “هايكو ماس”، أن مقترح بلاده بشأن إقامة “منطقة آمنة دولية”، في “سوريا”، أثار تساؤلات بل إنزعاجًا لدى شركاء بلاده في حلف (الناتو)، قائلًا إن مثل هذه الأفكار سابقة لأوانها؛ “فالمهم الآن في المقام الأول هو العمل على عدم استمرار العملية العسكرية بعد إنتهاء الهدنة، بحيث يكون هناك حل سياسي”.

فيما رحب ممثل الإدارة الذاتية الكُردية لشمال وشرق سوريا في ألمانيا، “إبراهيم مراد”، قائلًا إن كل مقترح من أجل حماية السكان المدنيين وتحقيق السلام الدائم، هو أمر إيجابي، شريطة انسحاب القوات التركية من “سوريا”.

كما حذرت منظمة “برو أزول” الألمانية المعنية بالدفاع عن حقوق اللاجئين؛ من إنشاء “منطقة أمنية” في شمالي “سوريا”.

وقال المدير التنفيذي للمنظمة، “غونتر بوركهارت”، لوكالة الأنباء الألمانية: “من يبني أسوارًا ويقلّص طرق وصول شرعية ويعول على إنغلاق وحشي ويدعم حاليًا تأسيس منطقة يفترض أنها آمنة في سوريا، يتحمل مسؤولية المشاركة في الموت والتشريد … هدف تركيا بإجبار لاجئين سوريين على السكن هناك يُعد أمرًا غير مقبول”.

وكان “روديريش كيزه فيتر”، خبير الشؤون الخارجية بـ”الحزب المسيحي الديمقراطي”، المنتمية إليه المستشارة، “ميركل”، قد دعا إلى تأسيس “منطقة حماية إنسانية” شمالي “سوريا”، والاستعانة في تنفيذ ذلك بما يتراوح بين 30 ألف إلى40 ألف جندي من دول “الاتحاد الأوروبي”، مضيفًا في تصريحات لإذاعة (برلين-براندنبورغ)، الإثنين الماضي، أنه من الضروري أيضًا إرسال أطقم طبية وعمال إغاثة وخبراء في إعادة الإعمار.

وكان “نوربرت روتغن”، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، والذي ينتمي لنفس الحزب، أعرب، الأحد الماضي، في تصريحات إعلامية عن مطلب مماثل. وقال “روتغن” في تصريحات لشبكة (إيه. آر. دي) الألمانية الإعلامية؛ إنه يتعين إتخاذ مبادرة أن تكون السيطرة على الوضع الأمني في هذه المنطقة مسؤولية المجتمع الدولي، وليس “تركيا” وحدها.

وفي سياق متصل؛ اتهمت “أنالينا بيربوك”، زعيم “حزب الخُضر”، تحالف “ميركل” المسيحي؛ بأنه يقوم بمناورة لصرف الأنظار لأنه من غير الممكن الشروع على الفور في إنشاء “المنطقة الآمنة”.

رفض روسي وأميركي..

كما ذكرت وكالة (ريا نوفوستي) للأنباء، الأربعاء الماضي، نقلًا عن “وزارة الشؤون الخارجية” الروسية؛ إن “روسيا” لا ترى حاجة لإقامة “منطقة آمنة” تحت إشراف دولى فى شمال شرق “سوريا”، وهو اقتراح طرحته “ألمانيا”.

بيد أن “الولايات المتحدة” أستقبت الاجتماع بالتعبير عن رفضها المشاركة في قوة الحماية السورية التي اقترحت “ألمانيا” تشكيلها. ويأتي ذلك رغم ترحيب وزير الدفاع الأميركي، “مارك إسبر”، بمبادرة نظيرته الألمانية، “أنيغريت كرامب-كارنباور”.

وقال “إسبر” إن “الولايات المتحدة” ستدعم المقترح، “سياسيًا”؛ إذا ما اشترك الأوروبيون في تشكيل القوة التي ستستقر شمال “سوريا”. لكنه أضاف: “لا نعتزم إرسال أي قوات برية أو االمشاركة بأي شيء آخر في هذه العملية”.

تأييد من قِبل “قوات سوريا الديمقراطية”..

كما أيدت “قوات سوريا الديمقراطية” اقتراح “ألمانيا”، قائلًا قائد (قسد)، “مظلوم عبدي”، للصحافيين، في مدينة “القامشلي”: “هناك مشروع بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا حول مبادرة جديدة تحدّ من التعديات وهجوم الدولة التركية، ويهدف لتموضع قوات دولية في المنطقة الآمنة”.

وأوضح أن المشروع “لم يتبلور بشكل كامل، ويحتاج إلى دعم أميركي وروسي”، مضيفًا: “ما زال في طور المناقشة، نحن من جهتنا نطالب بذلك ونوافق عليه”، بحسب ما نشره (سكاي نيوز) عربية.

وأضاف “عبدي” أنه على تواصل “مع الكثير من الدول الأوروبية.. وقبل يومين كان لي اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وتحدث عن هذا المشروع”.

أعاد التماسك لحلف “الناتو”..

الدبلوماسيون يرون أن طرح الفكرة؛ وهي المرة الأولى التي تقترح فيها “برلين” مهمة عسكرية في الشرق الأوسط، أدى إلى عودة التماسك للحلف بعد أن تعرض لهزة عنيفة إثر قرار الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، سحب القوات من “سوريا” مما أفسح المجال لبدء “تركيا” للعملية العسكرية على شمال شرق “سوريا”، في التاسع من تشرين أول/أكتوبر 2019.

اتفاق “روسي-تركي”..

وأثارت عملية “نبع السلام” العسكرية التركية، عبر الحدود، قلق “أوروبا” مع استهدافها للقوات الكُردية التي قاتلت “تنظيم الدولة الإسلامية” مع “واشنطن”. وعلقت عدة حكومات دول في “الاتحاد الأوروبي” مبيعات الأسلحة لـ”تركيا” احتجاجًا عليها.

وانسحبت القوات الكُردية من عدة مواقع في شمال شرق “سوريا” حدودية مع “تركيا”، تطبيقًا لاتفاق أبرمته “موسكو” و”أنقرة” منهيًا من فرض سيطرتهما مع “دمشق” على مناطق كانت تابعة للإدارة الذاتية الكُردية.

وبدأت القوات الروسية، منذ الأربعاء الماضي، بموجب الاتفاق مع “أنقرة” تسيير دورياتها في المناطق الشمالية قرب الحدود مع “تركيا” لملء فراغ خلفه الانسحاب الأميركي من المنطقة، التي باتت عمليًا تحت سيطرة النظام السوري، المدعوم من “موسكو”.

ويقضي الاتفاق، الذي توصلت إليه “روسيا” و”تركيا”؛ بانسحاب القوات الكُردية من منطقة حدودية مع “تركيا” بعمق 30 كيلومترًا وطول 440 كيلومترًا.

خطوة إستباقية لتحجيم الدور الروسي..

تعليقًا على ذلك؛ قال الكاتب الصحافي، “ناجي عباس”، إن وجهة النظر الألمانية من طرح إشراف دولي تعتبر ما قامت به “تركيا” إخلال بالقانون الدولي؛ ما قد يتكرر مستقبلًا من دول أخرى، وهناك داخل الإدارة الألمانية من يقول إن عدم تدخل “ألمانيا” الآن باعتبارها الرقم الفاعل الأقوى داخل الاتحاد سيتيح لـ”روسيا” مجالًا أرحب للإمتداد في الشرق الأوسط، خاصة في الفراغ الذي تركته الإدارة الأميركية و(الناتو). وقد إستبقت “ألمانيا” هذا وأعادت تفعيل مكتب مخابراتها في “دمشق” للسيطرة على الأوضاع، وهي المتضرر الأول مما يحدث في “سوريا”، وعليها إذا لم تتمكن من جني الأرباح فعليًا، تقليل الخسائر.

الدعم الأوروبي غير ممكن خوفًا من نتائج الانتخابات..

فيما ذكر خبير الشؤون الدولية، “محمد بركات”، إن “الاتحاد الأوروبي” سبق أن دعم المعارضة السورية وهناك دعم ولو مبطن للأكراد، لذا فقد عادت “أوروبا” لتتحدث عن حقوق الإنسان والمشاكل التي يتعرض لها الأكراد، ودول “الاتحاد الأوروبي” ليست واضحة في هذا الخصوص، لكن الدعم الأوروبي لمهمة دولية في “سوريا” لن يكون ممكنًا؛ فالحكومات الأوروبية تخشى دائمًا من نتائج الانتخابات، ولن تتحمل فقدان جنود في هذه المنطقة، ومن غير المرجح أيضًا أن يقدم الاتحاد على فرض عقوبات على “تركيا” لاعتبارات اقتصادية، وسبق أن فرض على بعض الدول عقوبات بشأن صادرات السلاح ولم تنفذ.

محاولة للعب دور جديد..

أما الخبير في الشؤون السورية، “أسامة سماق”، فيرى إن دعوة الوزيرة الألمانية لا تتعدى كونها محاولة أوروبية للعب دور جديد في الأزمة السورية بعد أن أصبحت خارجها بشكل تام، وقد خرجت من الباب وتريد الآن أن تعود من النافذة، ومصطلح “منطقة آمنة” قد تجاوزته الأحداث، ولا يوجد مبرر لإنشاء “منطقة آمنة”، فكل الأراضي التي عادت لسلطة الدولة السورية تسير فيها الحياة بشكل طبيعي، وبمجرد عودة الشمال إلى سيطرة الدولة ستعود الحياة والخدمات لشكلها الطبيعي بشكل فوري، وجميع اللاجئين السوريين مرحب بعودتهم ويمكن، حتى قبل عودتهم، أن يتم التنسيق بين الدول الضامنة، وهم ليسوا بحاجة إلى دعوة، لكن قضية اللاجئين أصبحت عملة تداول سياسية من قِبل الدول التي تحاول أن تأخذ نصيبًا من قالب الحلوى السورية بعد إنتهاء هذه الحرب الدموية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة