5 نوفمبر، 2024 9:51 ص
Search
Close this search box.

الفصل السابع واثره على سيادة العراق – دراسة في القرار 733 في 1992

الفصل السابع واثره على سيادة العراق – دراسة في القرار 733 في 1992

 السيادة الوطنية أو سيادة الدولة قاعدة أساسية في القانون الدولي حيث تتجذر فيه منذ القرن الثالث عشر غير إن فحواها أخذ يتبلور ويتطور حتى غدا له تعاريف عدة وصفات شتى( ) لسنا بصدد تجاذب أطوارها وألوانها فكل ما يحظى باهتمامنا هنا هو معنى السيادة في ما يخص حق الدولة في إدارة شؤونها الخارجية وحق الدولة في بسط سلطانها على كافة إقليمها وعدم التنازل عنه وذلك لأن موقف العراق من القرار 773 في 1992 كان يقوم على أساس انه انتهاك لسيادة العراق من ناحيتين الأولى حق العراق في إدارة شؤونه الدولية بحريّة خصوصاً مع مجلس الأمن والثانية حق العراق في الاحتفاظ بإقليمه وعدم التنازل عن جزء من هذا الإقليم اوتحديد حدوده دون إرادته .
    تعني السيادة الخارجية أو السيادة الدولية إن للدولة الحق في إدارة شؤونها الخارجية وتوجيهها بإرادتها واختيارها وفقاً لمصالحها ودون إن تخضع في ذلك إلى أي دولة أخرى فلها عقد المعاهدات السياسية والتجارية وعقد معاهدات التحالف والصداقة وإبرام معاهدات التحكيم كما يحق لها تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي مع الدول الأخرى بغية توطيد علاقاتها الدبلوماسية والتجارية معها ولها إن تعلن الحرب أو تعقد الصلح ومن حقها كذلك إن تحتكم في منازعاتها مع الدول الأخرى إلى الهيئات الدولية سواءً أكانت قضائية أم سياسية فهي إذن تهيمن على سياستها الخارجية دون إن تتأثر بأي نفوذ آخر( ) غير إن العمل والقضاء والفقه الدولي اتجه مع بداية القرن العشرين إلى الأخذ بمبدأ السيادة النسبية أي السيادة المقيدة بالقواعد الدولية التي تشارك الدول في وضعها إذ تتقبلها برضاء وحرية وبما يجعل تلك السيادة وقواعد القانون الدولي يكمل كل منهما الآخر فالدول ذات السيادة تساهم في وضع القواعد الدولية التي تقر مبدأ السيادة بوصفه أحد المبادئ الأساسية التي تستند هي نفسها إليها، وبذلك فان متطلبات التعايش السلمي الدولي تقتضي قيام كل دولة باحترام مطالب وحقوق الدول الأخرى على أساس تبادلي لمبدأ المعاملة بالمثل كما التزمت الدول بالامتناع عن إحداث أي تقييد في حقوق الدول الأخرى أو المساس بها بإرادتها المنفردة( ). فمبدأ السيادة لا يعني بأي حال وضع القيود على حقوق الدول في السيادة وإنما يعني وضع القيود على كيفية ممارسة الدول لهذه الحقوق كي لا تلحق أضراراً بحقوق سائر أعضاء الجماعة الدولية فالقيود تؤثر في حقوق السيادة من حيث الكم ولا تنال منها من حيث النوع بحيث تبدو السيادة في التنظيم الدولي المعاصر ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة بوصفها مجموعة اختصاصات تتمتع بها الدولة في الحدود التي تقررها القواعد الدولية وبما يؤكد التفسير الذي أقره مؤتمر سان فرانسيسكو لعبارة( تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها) والذي مؤداه :-
1- المساواة بين الدول من الناحية القانونية.
2- تتمتع الدول بالحقوق الكامنة في السيادة التامة في النطاق الخارجي وفي النطاق الداخلي .
3- احترام شخصية الدول وسلامة إقليمها واستقلالها السياسي وهو ما يفيد عدم جواز التدخل في شؤونها الداخلية أو الخارجية في غير ما ورد من أحكام هذا الميثاق( ).
       غير إن القواعد الدولية التي تفرض قيودا على ممارسة السيادة يجب إن تكون على نحو تقييدي خالص ذلك لأن الاختصاصات العامة التي استقرت لصالح الدولة داخل أجهزة القانون الدولي ونظمه يجب إن تؤخذ على إطلاقها وان تعد قرينة على عدم انصراف الدولة إلى تقييد استقلالها أو إلى حدها من تلك الاختصاصات وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية في قضية المناطق الحرة حيث أكدت(( انه كلما ثارت الشكوك حول نهوض التزامات دولية محددة على عاتق الدولة فان القاعدة العامة إنما تفرض إن يأتي تحليل القيود التي ترد على سيادتها على نحو تقييدي جدا)).وكذلك أكدته المحكمة في قضايا حوادث الطائرات عام 1959 إذ قررت(( إن الانصراف ألرضائي للالتزامات الدولية للدولة يستحيل معه الادعاء بافتراض نهوض بلغاريا بقبول الصيرورة إلى محكمة العدل الدولية لتصريحها الفائت في شأن قبول الاختصاص الإلزامي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي وذلك بالتأسيس- فحسب-على  انضمامها إلى منظمة الأمم المتحدة))( ) وتندرج الالتزامات التي أوردها الميثاق ضمن هذا الإطار فلا يمكن للدول قبول الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن مالم تكن تلك القرارات قد اتخذت طبقا للميثاق الذي وضعته أو أنظمت إليه بملء إرادتها( ) وعلى النحو الذي أكده ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني 1975 ( ) وحتى أعمال القسر التي ينفذها المجلس بموجب الفصل السابع من الميثاق تعتمد على الاتفاقيات التي يبرمها المجلس مع أعضاء الأمم المتحدة لتبيان نوع المساعدة العسكرية المطلوبة وقدرها وصفتها فالتزام الدول الأعضاء بتنفيذ قرارات المجلس قد حبكت أطرافه بتعريفه تعريفاً دقيقاً وأضحى المجلس نفسه ملتزما طبقا للفقرة الثانية من المادة 24 بأن يعمل عند قيامه بواجباته وفقا لمقاصد الهيئة ومبادئها المجسدة في الفصل الأول من الميثاق( ) كي تحوز قراراته سمة الشرعية التي يأبى الميثاق والقانون الدولي المعاصر إن يجود بها على كل تصرف دولي يحد من مظاهر سيادة الدولة الخارجية( ).
     وبعد ما تبين لنا وبما لا يقبل الجدل حق الدولة في إدارة شؤونها الخارجية وممارسة اختصاصاتها في هذا المجال حتى في علاقاتها مع مجلس الأمن ننتقل الآن لمناقشة الشق الآخر من الاعتراض العراقي والمتعلق بحق العراق بالاحتفاظ بكامل إقليمه وعدم التنازل عن جزء منه أو تحديده خلافا لإرادته، وهو ما يسمى في نطاق مبدأ السيادة بالسيادة الإقليمية والتي تتمثل بوجود سلطة حاكمة تتولى تنظيم أحوال الشعب ومصالحه وتقوم بإدارة شؤون الإقليم واستغلاله والدفاع عنه بغض النظر عن الشكل السياسي لهذه السلطة بشرط إن تمتلك من القوة والتنظيم ما يمكنها من فرض سلطانها على الإقليم ( ) بحيث تبدو هذه السلطة مستقلة عن كل المظاهر الأخرى لممارسة السيادة فهناك دول تتولى إدارة شؤونها دول أخرى غير أنها تظل محتفظة بسيادتها على إقليمها ففي نظام الوصاية تتولى الدولة القائمة بالوصاية ممارسة كل أو بعض مظاهر السيادة الخاصة بالدولة المشمولة بهذا النظام إلا أنها تحتفظ بمظاهر السلطة على الإقليم ومثال ذلك أيضا انه في حالة الاحتلال الحربي تباشر سلطات الاحتلال السلطة الفعلية على الإقليم المحتل إلا إن السيادة عليها تبقى للدولة صاحبة الإقليم( ) أي إن الدولة حتى لو فقدت معيار الاستقلال وهو أهم معيار من معاييرها فإنها تبقى محتفظة بالسيادة الإقليمية مادامت تستطيع إصدار القوانين وتنفيذها في إقليمها( ).
     والاختصاص الإقليمي يمتاز بالشمول والمنعة ويقوم بالأساس على المجال الأرضي وبالتبعية على مجالين مندمجين بالمجال الأرضي واللذين يؤلفان امتداداً أفقياً وعمودياً هما البحر الإقليمي والفضاء الجوي الذي يشرف على إقليم الدولة وتتجلى ممارسة الاختصاص الإقليمي بمظهرين الأول ايجابي يتمثل في إن هذا الاختصاص هو في حقيقته مجموعة سلطات قانونية معترفاً بها لدولة ما من أجل تمكينها من ممارسة وظائف حكومية والقيام بأعمال ذات نتائج قانونية ( تشريعية، تنفيذية، قضائية) والثاني سلبي ويتجسد بالانفراد بممارسة هذا الاختصاص أي حق استبعاد أي اختصاص آخر أو كما قالت محكمة التحكيم الدائمة في قضية جزيرة بالماس سنة 1928((استبعاد نشاطات الدول الأخرى )) ومنعها من السريان على إقليم تلك الدولة والاستئثار بممارسة السلطات  (( القضائية والتنفيذية والتشريعية)) بمفردها( ) ولها في سبيل ذلك إن تمنع أي تدخل تبديه دولة أخرى أو منظمة دولية تستهدف به الحد من تلك السلطات أو تنازلا عن جزء من ذلك الإقليم أو فرض نظام دولي عليه بخلاف إرادتها حتى لو كان هذا التدخل في صورة قرار من مجلس الأمن( )، أو كان لغرض تسهيل مهمة محكمة العدل الدولية فقد رفضت المحكمة فكرة ((مساعدة الذات)) التي استندت إليها الحكومة البريطانية لتبرير تدخلها في تنظيف قناة كورفو في 12/13 تشرين الثاني 1946 بغية الحصول على الألغام في أسرع وقت وقبل إن تتمكن السلطات الألبانية من إزالتها وأكدت المحكمة (( إن احترام السيادة الإقليمية بين الدول هو أساس جوهري من أسس العلاقات الدولية ….. وان الإجراء الذي اتخذته البحرية البريطانية يشكل انتهاكاً للسيادة الألبانية)) ( ).
      وإذا كانت الاختصاصات التي تمارسها الدولة على إقليمها الأرضي تبدو بهذه الأهمية فإنها تحظى باهتمام متزايد بالنسبة لإقليمها البحري حيث يشهد هذا الأخير ادعاءات متكررة من دول مجاورة ومقابلة ودول أخرى بان لها حق الدخول فيه أو المرور عبره( ) وان التهاون في منح مثل هذه الحقوق قد يلحق ضرراً جسيماً بأمن الدولة ومصالحها الإستراتيجية والعسكرية ففقدان الدولة لسيطرتها على إقليمها البحري يعني تعرضها لمخاطر الإنزال البحري وتدمير موانئها ومنشآتها الساحلية والقضاء على تجارتها البحرية( ) ، ولذلك حرصت الدول على إن تتعامل مع هذا الجزء من إقليمها بما يؤمن لها دائما حق الوصول إلى البحر بحرية حتى لو قبلت بمبدأ التسوية الإلزامية طبقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982( ).

—–
(4) Wilhelm Karl Geck, International protection of Fundamental Freedoms And National Sovereignty, Law And State, vol. 21, 1980, p.8.
(1) د. صالح يوسف عجينة، محاضرات في القانون الدولي العام، مطبعة الزهراء،بغداد، 1951، ص133.
(2)  د. محمد سامي عبد الحميد ،أصول القانون الدولي العام، الجزء الأول ، الدار الجامعية، الإسكندرية، 1986،ص164.
(1) د. حامد سلطان وآخرون ، مصدر سبق ذكره، ص688 وص695.
(1)- Christain Dominise  Request Of Advisory Opinions In SententiousCases,International Organization And International Dispute Settlement ,Transnational Publishers , New York , 2002 , P. 93 .  انظر أيضا:                                                                                  
-د . عزيزة فهمي مراد، الحكم الصادر من محكمة العدل الدولية في قضية الجرف القاري  لبحر ايجة بين تركيا واليونان 19/3/1978، المجلة المصرية للقانون الدولي،العدد35، 1979، ص215.
(2) د. محمد طلعت الغنيمي، المصدر السابق، ص575.
(3)-د. حازم محمد عتلم، المصدر السابق،ص346.
(4) جاء في تقرير وزارة الخارجية المصرية (( ان قرارات المجلس لاتكون ملزمة إلا إذا كانت متعلقة بمنع إعمال الإخلال بالأمن أو قمعها. أما بالنسبة للحل السلمي للمنازعات فليس للمجلس إلا إبداء المشورة أو التوصية)) أنظر د. محمد طلعت الغنيمي، المصدر السابق،ص575.        

(5) د. حكمت  شبر  ، مصدر سبق ذكره ،ص321 انظر أيضا.
   – د . ضاري رشيد الياسين ، الأمم المتحدة في ظل العولمة ،مصدر سبق ذكره ص14.
(1)- Ricardo J. Al – Faro,  The Rights And Duties Of  States  , Recueil Des Cours , 1960 , P.99 .
(2)- د . مفيد محمود شهاب ،مصدر سبق ذكره ،ص152.
(3)- د . سامي السعد ،مبدأ السيادة في القانون الدولي العام  ، مجلة القانون المقارن ، العدد 4 ،1972 ، ص208.
(1)-  شارل روسو ، مصدر سبق ذكره، ص140.
(2)- د. عبد العزيز محمد سرحان ،مصدر سبق ذكره،ص140، حيث يرى إن المادة العاشرة من اتفاقية القسطنطينية تعطي لمصر الحق في اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية للدفاع عن مصر وعن الأمن العام و إن هذه المادة لايمكن إن تتأثر بقرار مجلس الأمن فهو لايستطيع تعديل أحكامها ولا يمكن إن  يتم التعديل إلا بتعبير صريح عن إرادة الجمهورية العربية المتحدة في صورة معاهدة دولية أو إجراء منفرد من جانبها .
(3)-Georg Schwarzenberger , Op , Cit. , p . 114.                                                                                                                       
(4)- د . إبراهيم فهمي شحاتة ، القانون الجوي الدولي وقانون الفضاء، دار النهضة العربية ،القاهرة، 1966، ص50 .
(1)- محمد محمود أمين ،قواعد الحرب البحرية وتطبيقاتها في النزاع العراقي الإيراني، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية القانون ، جامعة بغداد، 1988، ص15.
(2)- Gunther Jaenicke, International Maritime Law And The control of Marine pollution, Law And state, vol.4,1971, p. 90-91                           :                                                  انظر أيضا
– Garlos M. Bollini shaw, The problem of The Malrins Islands ((Falkland)), E.J.I.L, vol. 23, 1987, p22.

أحدث المقالات

أحدث المقالات