وقع عادل عبد المهدي في 2015 حين كان وزيرا للنفط، اتفاقا مع حكومة اقليم كوردستان تعهدت بموجبه بتسليم 250 الف برميل يوميا من نفط الاقليم وكركوك الى” سوموا” – وهي الشركة التي تدير النفط في العراق- في مقابل تعهد بغداد بدفع موازنة الإقليم كاملةً بالإضافة الى مرتبات موظفي الإقليم.
وقد واجه الاتفاق موجة انتقادات في وسط وجنوب العراق واعتبره كثيرون محابيا للكورد. وما زاد من موجة الانتقادات أن حكومة الإقليم لم تسلم بغداد ولا برميلا واحدا منذ ذلك الاتفاق، بينما التزمت بغداد بدفع ما التزمت به.
ويعتقد العراقيون في وسط وجنوب البلاد أن الثروات يجب ان توزع بالتساوي على جميع العراقيين، ولم يخف سكان المحافظات العراقية النفطية ( البصرة، العمارة، الناصرية والكوت) شعورهم بالظلم وهم يعتقدون ان اموال النفط المنتج في محافظاتهم توزع على كل محافظات العراق بما فيها الاقليم في وقت لايسلم الاقليم عائدات نفطه ومنافذه الحدودية الى بغداد.
ولاحقا أعرب الكثير من المتابعين عن تخوفهم الكبير من تولي عبد المهدي رئاسة الوزراء، لأنهم يعتقدون أنه رجل ضعيف مجامل غير قادر على اتخاذ قرار يحفظ مكانته كرئيس للوزراء، لاسيما وأن تداعيات اتفاقه النفطي مع الإقليم ظلت تطارده.
وقد تعززت مخاوف منتقدي عبد المهدي حين امتنع- بعد أن أصبح رئيسا للوزراء – عن اتخاذ اي قرار حيال ممانعة الكورد في تسليم نفطهم الى بغداد، على الرغم من أنه قد وقع هذا الإتفاق حين كان وزيرا للنفط، وأصر على ان رواتب الموظفين في الاقليم لن يتم قطعها وتعهد بمواصلة بغداد بتسليم كامل حصة الاقليم من الموازنة.
ومما يثيره منتقدو عبد المهدي على أدائه السياسي أنه كان منظّرا بارعا لبناء دولة حديثة في مئات المقالات التي نشرها في صحيفته وصحف أخرى.
لكنه لم يحقق ولا فكرة واحدة مما كان يدعو لتطبيقه في مقالاته تلك. واللافت انه اعتبر رفع” الصبات” من الشوارع إنجازا وقد أثار بتصريحه حول الموضوع امتعاض الشارع العراقي الذي تبلغ نسبة البطالة فيه مديات كبيرة.
كان يمكن لعبد المهدي أن يخصص جزء من موارد النفط الكبيرة لإعادة إعمار بعض المصانع المتوقفة منذ سنوات أو أن يضع حجر الأساس لعدد من المصانع الجديدة التي يحتاجها العراق، أو أن يرمم شبكة الطرق المتهالكة، على الأقل لتكون تلك الإنجازات مادة اعلامية مقنعة للشارع المتذمر.
وكما فعل رئيس مصر عبد الفتاح السيسي الذي أنجز مشاريع في الطرق والجسور والإسكان في فترة وجيزة وصارت تلك المشاريع مادة إعلامية يشير مناصروه من خلالها إلى أن الرجل يسير في الاتجاه الصحيح ولو أعطي فرصة أطول لأنجز مشاريع أكثر.
لكن عبد المهدي لم يقم بشيء من هذا اللهم إلا أنه افتتح مشروعا لانتاج الفرّوج وبيض المائدة في محافظة الديوانية مع أن المشروع يعود لأحد المستثمرين ولا دخل للحكومة فيه.
لقد استقال عبد المهدي من وزارة النفط في آذار 2016 وغادر العراق الى فرنسا حيث كان يقيم، وفي 2018 تمت دعوته من قبل الكتل السياسية ليتولى رئاسة الوزراء خلفا لحيدر العبادي، بعد أن اختلفت تلك الكتل على من يتولى هذا المنصب، وقال عبد المهدي وقتها إنه” يحمل استقالته في جيبه” في اشارة الى انه غير راغب بالمنصب.
ومع ذلك فهو لم يُقدم للكتل السياسية مشروعه في تشكيل الحكومة وإدارة الدولة، وهذه من أبرز علامات ضعفه وعدم قدرته على الإدارة والمناورة، وانتهاجه اسلوب المجاملات في استرضاء الفرقاء السياسيين.
يعتقد بعض المتابعين أن عبد المهدي أضاع فرصة ذهبية في النجاح حين سار على الطريق الذي رسمته له الكتل السياسية ولم يختر طريقا مغايرا، فالمحاصصة وتقاسم المغانم وضياع القرار الحكومي هي أبرز المشاكل التي واجهت رؤساء الوزراء بعد 2003 وتسببت بفشلهم.
وكان يتعين على عبد المهدي باعتباره منظّرا بارعا أن يُخيّر الكتل السياسية التي اختارته لرئاسة الوزراء بين القبول بمشروعه الخاص في بناء الدولة والذي يتضمن انهاء المحاصصة وتقوية منصب رئاسة الوزراء، ومحاربة الفساد، وبين رفض المنصب والعودة الى فرنسا وترك الكتل لمصيرها.
اليوم يبدو أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بدأ يغرق في وحل الأزمة السياسية العراقية، وصارت المظاهرات الشعبية تؤرقه أكثر من غيره من السياسيين الذين رتّبوا أوضاعهم خارج البلاد، وبإمكانهم التواري ساعة يشاؤون، ومع ذلك ظل أداؤه السياسي والإداري كرئيس للوزراء ضعيفا بشكل مخيف.
فهو لم يكن بارعا في امتصاص نقمة الشارع، ولم يطرح حلولا منطقية مقنعة، ويبدو أنه لم يقدّر بدقة حجم الخطر الذي وصلت إليه الأمور بينما الشارع العراقي يغلي وينذر بالانفجار.
لاشك أن مساحة المناورة بدأت تضيق أمام عبد المهدي، ولم يعد الوقت في صالحه. ولكن مع ذلك ما زال بإمكانه استخدام الورقة الأقوى ليكون في مقدمة الاحتجاجات الشعبية بدلا من أن يكون مستهدفا فيها، إنها ذات الفرصة التي واتت سلفه حيدر العبادي، حين فوضته الجماهير والمرجعية لضرب الفاسدين ولم يفعل.
ليس أمام عبد المهدي إلا أن يستقيل من المنصب هو وحكومته، وتتحول الحكومة الى حكومة تصريف أعمال لحين إجراء انتخابات جديدة، وقد لا يكون هذا الإجراء مقنعا بالنسبة للشارع الغاضب، ولكنه موقف سيُحسب له.
أما الموقف الأكثر قوة وانسجاما مع مطالب المتظاهرين، فهو اعلان عادل عبد المهدي فشل النظام السياسي الحالي القائم على المحاصصة الحزبية والقومية والطائفية، وتأكيد رغبته في تحول النظام السياسي إلى نظام رئاسي، وإلغاء مجالس المحافظات والاكتفاء بمحافظين ينتخبون من الشارع.
وإلغاء الرواتب التقاعدية لكافة الطبقة السياسية من 2003 ووضع حد أدنى وأعلى للتقاعد يتساوى فيه جميع العراقيين دون استثناء، و